خطاب السادس من نوفمبر يمهد لانعطافة حاسمة في ملف الصحراء المغربية

ماموني

كان العاهل المغربي الملك محمد السادس حاسما في خطابيه الأخيرين بأن عقارب ساعة الصحراء لن تعود إلى الوراء وأن على جبهة بوليساريو وداعميها أن يعوا جيدا أنه تم تجاوز المقاربات اللاواقعية، وتضمن خطاب المسيرة إشارات غير مباشرة للجزائر بأن عليها أن تغير من نهجها، في حال أرادت فعلا الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي.

خطابان قويان حاسمان بخصوص ملف الصحراء المغربية الأول؛ كان بمناسبة افتتاح العاهل المغربي الملك محمد السادس البرلمان في أكتوبر الماضي، خصص جزءا منه للتنويه بالاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه، ووصفه بالتطور الإيجابي، الذي ينتصر للحق والشرعية، ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لاسيما أنه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن.

ولم تمر سوى أسابيع قليلة حتى ظهر الملك في خطاب المسيرة مساء الأربعاء السادس من نوفمبر، مشيرا إلى أن ما حققه المغرب لا رجعة فيه وأن عقارب ساعة الصحراء لا ترجع إلى الوراء.

خطاب جاء متزامنا مع إعادة انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وهو الذي اعترف بمغربية الصحراء قبل أربع سنوات. خطاب المسيرة الخضراء لهذه السنة يمكن وصفه بالتمهيدي لما ستأتي به الأيام والاحتفال بخمسينية المسيرة العام المقبل، بعدما دعا العاهل المغربي في خطاب اكتوبر الماضي، للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية، وهي بمثابة إرهاصات مستقبل الصحراء على المستوى القانوني والسياسي والدبلوماسي أمميا ووطنيا وإقليميا، عندما قال الملك إن هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق.

خطاب الملك محمد السادس كان شاملا محددا وغير قابل للتأويل، لمن أراد فهم أهمية ملف الصحراء في سياقاته الحالية والمستقبلية

نبرة الملك محمد السادس كانت قوية حاسمة ولا مجال فيها للتأويل، فالخطاب موجه لجبهة بوليساريو التي لازالت متشبثة بأوهام غير قابلة للتحقق على أرض الواقع، وخارجة عن الإطار القانوني والإنساني الذي تحصنه المواثيق الأممية فيما يتعلق بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، إلى الحد الذي وصفهم الملك محمد السادس بالرهائن والذي يحظر القانون الدولي الإنساني احتجازهم ويمكن التعاطي معها في إطار جرائم حرب كما تصفها اتفاقية جنيف ويمكن محاكمة مرتكبيها أمام أية محكمة وطنية، بموجب مبدأ الاختصاص العالمي.

هذا فيما يتعلق بالبوليساريو أما بخصوص داعمتها الجزائر فقد فصل الخطاب الملكي نواياها المعروفة، دون ذكرها بالاسم، بأن “هناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، ولهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة”، وهذا تصنيف يحدد الكيفية المثلى للاستفادة من النطاق الجغرافي الذي يخضع بالضرورة والتاريخ والقانون والدبلوماسية للسيادة المغربية.

ومع ما حققه المغرب دبلوماسيا وسياسيا تحدث الملك محمد السادس عن أطراف تستغل قضية الصحراء، “ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة، وهناك كذلك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية، لخدمة أهداف سياسية ضيقة”، وخاطب الملك هؤلاء بالقول “لهؤلاء أيضا نقول: إن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية، وسيادته الوطنية”.

كانت الرسالة موجهة للجزائر بأن تتجاوز عقدة المغرب وأن لا تخفي غابة مشاكلها وراء شجرته، وإذا أرادت منفذا على المحيط الأطلسي فالطريق مفتوح من خلال الاعتراف بأرض المغرب موحدة ذات سيادة، والمبادرة الأطلسية ليست مزاجا سياسيا أو فسحة فكرية طرأت فجأة، بل هو استشراف وقراءة واقعية لما ستكون عليه الصحراء تحت السيادة المغربية، مبادرة مغربية لخدمة أفريقيا ومن أراد الاستفادة من الآتي مستقبلا اقتصاديا وتجاريا وتنمويا لابد له من القطع مع تفكير ماضوي لازال حبيس منطق الانفصال والتشرذم.

الملك محمد السادس يمد يده مرة أخرى وبطريقة غير مباشرة لمن لا يريد التعاطي بمنطق الاستحواذ والاستفزاز وإنكار الواقع

الملك محمد السادس من خلال هذه الخطاب يمد يده مرة أخرى وبطريقة غير مباشرة لمن لا يريد التعاطي بمنطق الاستحواذ والاستفزاز وإنكار الواقع، قانونيا لا مجال لبعض الجهات الأوروبية الاختباء وراء قرارات محكمة العدل الأوروبية لمناكفة المغرب في سيادته على صحرائه. لاشك أن خطاب المسيرة وكذلك خطاب افتتاح البرلمان يشتركان في تيمة واحدة، وهي لا رجعة عما حققه المغرب في هذا الملف وإلا تنازل عن التضحيات التي تم بذلها لأجل وحدة الصحراء ضمن جغرافيتها الممتدة على ارض المغرب، ولهذا ذكر الملك بأن تعم فائدة الاستثمارات التي ستضخ في الأقاليم الجنوبية كل منطقة من مناطق المغرب، بتحقيق مشروع تنموي نهضوي من الريف والشمال، وحتى الجبال، والواحات.

خطاب الملك محمد السادس كان شاملا محددا وغير قابل للتأويل، لمن أراد فهم أهمية ملف الصحراء في سياقاته الحالية والمستقبلية، فقد شدد العاهل المغربي على أن الوقت قد حان لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته. يعني أن على الأمم المتحدة أن تحسم أمرها وتعدل نظرتها لهذا الملف في إطار الظروف الجيوسياسية المستجدة التي لم تعد كما كانت قبل خمسين عاما.

الآن تتفق الجمعية العامة واللجنة الرابعة ومجلس الأمن على أن الحل السياسي والقانوني يكمن في مبادرة الحكم الذاتي الذي نجح المغرب في تكوين قناعة دولية راسخة تدعم رؤيته السياسية والتنموية، وكلام الملك محمد السادس الموجه للأمم المتحدة جاء مباشرة بعد قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2756 بتاريخ 31 أكتوبر الماضي، عندما كرس الإطار والأطراف والهدف من العملية السياسية، وفق وزارة الخارجية المغربية، حيث أكد أن المائدة المستديرة هي الإطار الوحيد للوصول إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. لكن لابد من الضغط على الجزائر، الطرف الذي لا يريد الجلوس لنهاء هذا النزاع المفتعل تحت ظل مبادرة الحكم الذاتي، والوقوف بقوة أمام تمرد جبهة بوليساريو على اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الأمم المتحدة.

هنا واقع نظرية الدومينو يبقى ساريا في سيناريوهات مستقبل ملف الصحراء، فكل الوقائع تقول إن الجزائر وبوليساريو ومن يأتي في صفهما أصبحت معزولة ولم تعد الظروف في صالح مشروعهم الانفصالي، وأمام الدعم الدولي المتنامي لمشروعية المبادرة المغربية واقعيا وسياسيا وتنمويا فالمغرب امام بداية نهاية المسار الأممي في التعاطي مع هذا الملف والذهاب أمميا إلى استصدار قرار بتفكيك مخيمات تندوف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: