الجزائر تفصل الاقتصاد عن السياسة: المصالح التجارية في منأى عن التوترات

قررت الجزائر رفع الحظر عن النشاط التجاري مع إسبانيا بعد عامين من القطيعة الناجمة عن تعليقها العمل باتفاقية الشراكة وحسن الجوار مع مدريد عقب إعلانها دعم الطرح المغربي لحل نزاع الصحراء، وفي الوقت نفسه نفت صحة ما رددته أوساط سياسية وإعلامية فرنسية من حديث عن قطع الجزائر العلاقات التجارية مع فرنسا، الأمر الذي يعد توجها جديدا يفصل بين المصالح التجارية والاقتصادية وبين التوترات السياسية بعد سنوات من الخلط بينهما.

ووجدت الجزائر أن رهن المصالح بالمواقف السياسية يضر بها ويمس من مصداقيتها كشريك اقتصادي في وقت تسعى فيه لكسب ثقة الأوروبيين كمورد موثوق للطاقة. وبعد القطيعة مع إسبانيا ثم إعادة العمل باتفاقية الشراكة لا يرى الأوروبيون ما يضمن لهم عدم تكرار هذه المواقف في المستقبل إذا وثقوا بالجزائر وراهنوا عليها كمورد رئيسي للغاز بدل المورد الروسي.

ويرى مراقبون أن الجزائر فهمت أن ربط علاقاتها الاقتصادية والتجارية بملف الصحراء لم يعد مجديا، وقد يزيد عزلتها خاصة بعد أن توسع عدد الشركاء الذين يدعمون مقاربة المغرب بشكل لا لبس فيه؛ لذلك لجأت إلى فصل المسارات. وأفادت جمعية البنوك الجزائرية بأنها تلقت الضوء الأخضر لإعادة التوطين البنكي من دولة إسبانيا وإليها، ما يسمح بعودة النشاط التجاري بين البلدين، بعد قطيعة دامت نحو عامين، في أعقاب قرار الجزائر تعليق العمل باتفاقية الشراكة وحسن الجوار، إثر إعلان مدريد دعم مبادرة المغرب لحل نزاع الصحراء.

ويسمح القرار، الذي عكس إرادة داخل السلطة الجزائرية للفصل بين المصالح التجارية والخلافات السياسية، بعودة العلاقات التجارية والاقتصادية التي عرفت تضررا خلال العامين الأخيرين، ساهم في فقدان شركات إسبانية سوقا مهمة في المنطقة، بينما عرفت السوق الجزائرية ندرة وزيادة في الأسعار نتيجة ارتفاع كلفة استيراد البضائع نفسها من وجهات أخرى.

وفي الاتجاه ذاته نفت الجزائر أن تكون قد قررت مقاطعة تجارية واقتصادية لفرنسا، كرد فعل على موقف باريس من قضية الصحراء، و”أنها ستعاقب فرنسا على موقفها بإعلان قطيعة تجارية واقتصادية مع الفرنسيين”، وهو ما يوحي بأن القيادة السياسية لا تريد تكرار التجربة الإسبانية مع فرنسا، وأن الخلافات السياسية لا يمكن أن تضرب المصالح الجزائرية.

◙ إعلان القطيعة كان جاهزا غير أن ضغط “العقلاء” داخل السلطة أبطل قرار القطيعة مع فرنسا وغلّب كفة التقارب مع إسبانيا

وقال بيان صادر عن ديوان رئيس الوزراء الجزائري محمد نذير العرباوي “على إثر الادعاءات الكاذبة التي روج لها السفير الفرنسي السابق بالجزائر في جنونه المعتاد ضد الجزائر، فيما يتعلق بالتدابير التقييدية المزعومة للتجارة الخارجية، يود المكتب الإعلامي لدى الوزير الأول أن ينفي نفيا قاطعا هذه المعلومات التي لا أساس لها على الإطلاق من الصحة”.

وكانت تقارير إعلامية فرنسية قد تحدثت عن معلومات خاصة، وعن منشور السفير السابق كزافييه دريانكور، في حسابه الرسمي على منصة إكس الذي قال فيه إن الجزائر قررت مقاطعة فرنسا تجاريا واقتصاديا، وإن جمعية البنوك الجزائرية تكون قد تلقت أوامر بتوقيف التوطين البنكي من فرنسا وإليها.

وذكرت التقارير نفسها أن “السلطة الجزائرية الغاضبة جدا من موقف فرنسا الداعم للطرح المغربي في نزاع الصحراء، تريد معاقبة الفرنسيين تجاريا واقتصاديا بسبب موقفهم السياسي”، واستندت في ذلك إلى وثيقة مزعومة لجمعية البنوك الجزائرية تأمر البنوك التجارية والمصارف بوقف التوطين البنكي بداية من الخامس من نوفمبر الجاري، غير أنه لم يتسن التأكد من صحة الوثيقة التي لا تحمل أي شيء رسمي، كالشعار أو الختم.

في المقابل أفاد مصدر مطلع بأن قرار إعلان القطيعة كان جاهزا، غير أن ضغط من يوصفون بـ”العقلاء” داخل السلطة غلّب كفة رفع الحظر عن التوطين البنكي من إسبانيا وإليها بعد عامين من القطيعة، وأبطل قرار القطيعة مع فرنسا، مفضلا عدم الخلط بين الخلافات السياسية والمصالح التجارية والاقتصادية.

وكان اللغط الذي أثير خلال الأسابيع الأخيرة، حول إقصاء ديوان الحبوب الجزائري للموردين وللقمح الفرنسي من مناقصة دولية أُعلنت مؤخرا، مؤشرا على أن الخلاف يندفع بقوة نحو قطيعة تجارية واقتصادية بين البلدين، رغم تدخل إدارة الديوان لنفي ذلك، وتبريرها بكون المسألة تتعلق بمعايير استحدثتها في كمية القمح المطلوبة، وأنه ينفي أي إقصاء لمشاركين في المناقصة سواء أكانوا فرنسيين أم غير فرنسيين.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن القطيعة مع إسبانيا كلفت الجزائر ندرة وغلاء لبعض المواد الاستهلاكية، ما ضاعف مؤشر التضخم وانهيار القدرة الشرائية للمستهلكين، فالمواد نفسها التي تستورد من وجهات أخرى باتت تسوّق بأسعار مضاعفة نتيجة بعد المسافة وارتفاع تكاليف الشحن، على غرار اللحوم البيضاء وإنتاج الدجاج والبيض وبعض المواد الزراعية الأخرى.

وتبقى فرنسا من أكبر شركاء الجزائر؛ فقد بلغ سقف التبادل التجاري حاجز الـ11 مليار دولار، وهو ما يجعل القطيعة بمثابة زلزال تجاري، خاصة وأن السوق الجزائرية تعتمد على الكثير من المنتوجات الفرنسية.

وربطت الجزائر خلال السنوات الأخيرة خلافاتها السياسية مع دول في الجوار والإقليم بالمصالح التجارية والاقتصادية، حيث سبق لها أن أوقفت ضخ الغاز نحو إسبانيا عبر الخط المغاربي العابر للتراب المغربي، في سياق خلافها مع الرباط حول النزاع في الصحراء. كما اتخذت خطوات أخرى كغلق المجال الجوي أمام الطيران المغربي، ولاحقا فرضت التأشيرة على المواطنين المغاربة الراغبين في الدخول إلى التراب الجزائري.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: