خطاب المسيرة الخضراء : رؤية شاملة لزحزحة الجمود الإقليمي و مغاربة العالم في قلب المعادلة التنموية بالمغرب .
البراق شادي عبد السلام
الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة و الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة وضع تصورا جيوسياسيا جديدا لزحزحة الجمود الإقليمي الذي يسببه توتر العلاقات الثنائية بين المغرب و الجزائر نتيجة الفكر البومديني التوسعي الذي يهدف تحقيق حلم سوريالي بالوصول إلى منفذ أطلسي للجزائر على حساب السيادة المغربية و الوحدة الترابية للوطن ، الخطاب الملكي نبه الفاعل الإقليمي بلغة قوية و صادقة إلى ضرورة التفكير في تحريك الوضع المتأزم إقليميا من خلال الإلتزام بتحليل القضايا و التحديات الإقليمية بنهج عقلاني و تفكير سليم و نظرة منطقية و رؤية واقعية بعيدا عن الخطاب الدوغمائي و المتعصب لمواقف أصبحت جزءا من التاريخ الأسود لمنطقة عاشت لقرون في ظل التعاون و التكامل و التضامن في وجه الإشكالات المشتركة إنطلاقا من القيم و المبادئ المتبادلة بين شعوب جارة لها نفس المصير المشترك بحكم التاريخ و الجغرافيا و المصير المشترك .
الأكيد أن المملكة المغربية قامت بالتصدي لمشاريع الهدم و التقسيم و الهيمنة من خلال مواجهة عسكرية و ديبلوماسية مفتوحة مع الأدوات الإنفصالية و مموليها و داعميها طوال عقود بعد إستنفاذ كل الجهود السياسية لبناء أسس سلام دائم و إستقرار يخدم مصالح شعوب المنطقة ، و بعد عقود أخرى من حالة اللاحرب و اللاسلم التي واجهها المغرب منذ اليوم الأول بجهود تنموية جبارة إستفادت منها ساكنة الأقاليم الجنوبية كباقي رعايا العرش العلوي المجيد من طنجة إلى الكويرة حيث عرفت هذه الأقاليم العزيزة على كل مغربية و مغربية نهضة تنموية جعلتها أكثر الصحاري أمانا في العالم و تحولت معها مداشر و مدن الصحراء المغربية إلى نموذج عالمي و قاري في التنمية المندمجة و التطوير الشامل للبنية التحتية و الإزدهار الإقتصادي و الإرتقاء الإجتماعي بالساكنة .
المسيرة الخضراء المظفرة هي تجسيد قوي لإلتزام العرش العلوي المجيد بمهمته التاريخية و الشرعية و الدستورية في ضمان سلامة الوطن و وحدة أراضيه و تماسك العرى الإجتماعية و الإقتصادية خدمة للقضايا الوطنية العادلة و الدفاع عن المقدسات الوطنية و الحفاظ على مقومات الأمن القومي و المصالح العليا للشعب المغربي و على هذا الأساس فالعرش العلوي المجيد هو المعبر الوحيد و الأوحد والأسمى لطموحات و تطلعات و آمال الشعب المغربي العظيم في العيش الكريم و الكرامة و الحرية .
جلالة الملك في إطار إستراتيجية اليد الممدودة للشعب الجزائري الشقيق إقترح إنضمام دولة الجزائر إلى المبادرة الدولية لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي حيث يمكن للجزائر كباقي دول المنطقة من إستخدام البنية التحتية المغربية من موانئ مطارات و طرق سريعة تخترق مختلف مدن و مداشر الصحراء المغربية في إطار المبادئ الراسخة المؤسسة للسياسة الخارجية المغربية المرتكزة على الشراكات الدائمة على أساس رابح – رابح .
هي دعوة مباشرة للطرف الجزائري من أجل التحلل من عقود من السير خارج منطق التاريخ و الجغرافيا و العودة إلى الأسس التي إنبنت عليها المعادلة الإقليمية قبل تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة حيث وضعت المملكة المغربية الشريفة مواردها و جيشها و سياستها الخارجية تحت تصرف الثورة الجزائرية ضد الإستعمار في إطار الأخوة و المصير المشترك و هي المبادئ التي إنقلبت عليها الجزائر المستقلة من خلال إعتناق الفكر البومديني التوسعي و تنفيذ المشاريع التخريبية في المنطقة بتمويل و تدريب و تسليح الجماعات الإنفصالية و الإرهابية لتقسيم و تقزيم المملكة المغربية و محاولة السيطرة على مقدراتها و ثرواتها .
الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء المظفرة يؤكد بشكل جلي على صوابية و دقة الرؤية المستنيرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله كرائد للعمل الإفريقي المشترك من خلال الفهم الدقيق لمتطلبات المرحلة وطنيا و إقليميا و دوليا و التحليل العميق لطبيعة الفرص التنموية التي تنتظر شعوب المنطقة و صياغة تصور شمولي للتحديات الجيوسياسية الخطيرة التي تهدد الأمن البشري لمنطقة تعج بالمخاطر و الأزمات و بالتالي فهذا الخطاب السامي يقدم وصفة غير مسبوقة للخروج من المازق الإقليمي التي تسببه السياسات الخاطئة النظام الجزائري الغارق في الوهم الإيديوليوجي و الذهان السياسي ، المصاب بمتلازمة الإنكار المزمنة في مواجهة الإنتصارات الكبرى التي تحققها المملكة المغربية في النزاع الإقليمي المفتعل و الزخم الدولي الكبير الداعم لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد لصراع مفتعل دام أكثر من نصف قرن ، فهذا الخطاب بكل الوضوح الممكن يقوم بتفكيك عناصر الأزمة الإقليمية من أجل تحويلها إلى فرص تنموية مهيكلة و فاعلة كباقي المشاريع التنموية المهيكلة الكبرى الذي دشتنها المملكة المغربية منذ إطلاق السياسة الإفريقية الجديدة للمملكة المغربية في إطار إستراتيجية التعاون جنوب – جنوب وفق مبدأ رابح – رابح كمشروع الأنبوب الأطلسي – الإفريقي و مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية و المبادرة الملكية الدولية لدول الساحل الإفريقي التي تسمح لدول الساحل بالوصول إلى المحيط الأطلسي وفق مقاربة تشاركية تعتمد على النجاعة و الإستدامة و الشمول .
و في هذا الأطار يقدم الخطاب الملكي السامي مقترحا غير مسبوق لزحزحة الجمود الإقليمي الذي تسببه السياسات الجزائرية الخاطئة و المبنية على عقيدة التوسع البومدينية و الإنتقال إلى مبدأ الشراكة الإستراتيجية الشاملة و يقدم دعوة سلام و أخوة لدولة الجزائر بالإنضمام إلى المبادرة الدولية لدول الساحل الإفريقي للإستفادة من إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي بما يمثله من جاذبية إقتصادية و تنموية قد تخرج الإقتصاد الجزائري من أزماته المتلاحقة و هو ما أكد عليه جلالته في خطابه السامي قائلا :
” هناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي ، لهؤلاء نقول : نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة.” // إنتهى الإقتباس
الخطاب الملكي السامي يقدم قراءة جيوإستراتيجية دقيقة للوضع الإقليمي و تموضع المغرب داخله في ظل حالة اللايقين الإقتصادي و السياسي و غياب الرؤية الإقليمية المبنية على مبدأ التكامل و حسن الجوار، مما يستوجب التعبئة و توحيد الجبهة الداخلية حيث ركز الخطاب على دور مغاربة المحوري و الأساسي في إستكمال مسار التنمية عن طريق وضع مقاربة جديدة يكون فيها الإنسان هو نقطة الإرتكاز الأساسية في الخطط المستقبلية التي تهم مغاربة العالم و علاقتهم بوطنهم الأم ، حيث أن الخطاب الملكي أشار إلى محدودية البرامج و الإستراتيجيات التي تستهدف مغاربة العالم و ضروة البحث على مقاربة مغربية جديدة لتشجيع هذه الفئة على الدخول في النسق الإستثماري عن طريق تقديم ضمانات تشكل حوافز حقيقية لتشجيعها على الإستثمار ، بعيدا على النمطية و الكلاسكية التي طبعت علاقة البلد الأم بهذه الفئة العزيزة ، الجالية المغربية اليوم مدعوة لكي تلعب دورها التاريخي في حماية الجبهة الداخلية للمملكة و هذا لن يتأتي إلا ببلورة مؤسسات جديدة تحافظ على العلاقة الهيكيلة التي يدعو لها الخطاب الملكي ، مجموعة من المؤسسات أظهرت محدودية تأثيرها على الجيل الجديد من مغاربة العالم بسبب ضعف العرض الحضاري الذي تقدمه لهذه الفئة، فالبهرجة الفلكلورية و زجاجات المياه المعدنية و بطاقة الهاتف النقال و كعب غزال و سياسات التواصل الفاشلة غير كافية لتعزيز الروابط بين مغاربة العالم و المغرب .
المؤسسة الملكية برمزيتها جسدت هذا الإرتباط الوثيق بين مغاربة العالم و العرش العلوي المجيد في مشاهد عاينها الحميع في قلب العواصم العالمية بين أب الأمة و قائدها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس و رعاياه الاوفياء من مختلف بقاع العالم .
لذا فإعادة هيكلة المؤسسات الوصية على الشؤون المتعلقة بمغاربة العالم هو قرار يتخذ طابعه الإستراتيجي و الإستعجالي بالنظر لحجم التحديات التي تواجه الأمة المغربية في السنوات و العقود المقبلة و مراجعة نموذج الحكامة الخاص بالمؤسسات الحالية الخاصة بالهجرة أصبح ضرورة لكي تستطيع هذه المؤسسات مواكبة المشاريع التنموية التي يقوم بها مغاربة العالم، لإحتواء مختلف الإشكالات و لتيسير الإكراهات و الصعوبات التي قد ترافق تنزيل الاستثمارات والمشاريع التنموية التي يقوم بها مغاربة العالم بأرض الوطن ؛ مغاربة العالم قدموا للعالم أجمع منذ عقود دروسا بليغة في الإنتماء الوطني و التشبث بالجذور و الإلتزام بالقيم الوطنية الجامعة و الحاجة لمد الجسور مع هذا المكون الأساسي و الهام من الشعب المغربي من خلال سياسات ناجعة و فعالة تجعل هذا المكون الصادق في حبه للوطن ينخرط بشكل أكثر في قلب المعادلة التنموية الكبرى لهذا الوطن و الذي أظهر في أكثر من مناسبة على إستعداده الراسخ منذ أجيال لخدمة هذا الوطن في كل موقع و من كل مكان و زمان .
لكل أمة في تاريخها أيام مجيدة ، حين يتذوق الشعب حلاوة النصر و تلتحم القوى الوطنية مع الدولة و مؤسساتها الإستراتيجية لتحقيق الأهداف النبيلة المسطرة بكل إلتزام و إنتظام ، و المسيرة الخضراء المظفرة هي بحق معجزة القرن بالنسبة للشعب المغربي و لحظة فارقة من التاريخ المغربي المعاصر حيث قادت الدولة العلوية المجيدة نضال الشعب المغربي العظيم و تجسدت عبقرية الإنسان المغربي و رقيه الفكري و الحضاري بمسيرة مدنية سلمية جندت لها الدولة المغربية كل مواردها من أجل تحقيق هدف الأمة الأسمى بإستكمال الوحدة الترابية و إلحاق الأقاليم الجنوبية بوطنها الأم لتنطلق مسيرة النماء و البناء تحت نيران العدو الغاشم حيث سطرت الأمة المغربية أروع صفحات الفخر و الإعتزاز و النصر المكين بدماء الشهداء من قواتنا المسلحة الملكية الذين تخضبت دماؤهم الطاهرة المطهرة برمال الصحراء المغربية المقدسة .