وقّع الرئيس الفرنسي في زيارته إلى المغرب حزمة من الاتفاقيات في جميع المجالات في إطار تعميق وتحديث الشراكة بين البلدين خدمة للتنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي واستقلاليتهما الإستراتيجية.
دشن العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين ترتقي بها إلى مستوى “شراكة استثنائية وطيدة” في إطار إستراتيجي شامل ومستقر ودائم. وحملت زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب التي بدأت الاثنين لمدة ثلاثة أيام، طابعا استثماريا في شق كبير منها، إذ شملت توقيع اتفاقات في الاقتصاد والتجارة باعتبارها تتويجا لتفاهم سياسي عالي المستوى بين البلدين.
وترأس الملك محمد السادس وماكرون توقيع اتفاقيات وبروتوكولات التعاون الاثنين بالديوان الملكي في الرباط، تشمل عددا من القطاعات على رأسها الاقتصاد والتعليم والأمن والطاقة وغيرها وبلغ عددها 22 اتفاقية. وتعزز الاتفاقيات الشراكة الاستثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، الرامية إلى تمكين البلدين من رفع جميع التحديات التي تواجههما بشكل أفضل، وذلك عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
وأكد الرئيس الفرنسي مع العاهل المغربي في بيان أن الجهود المشتركة التي يبذلها البلدان على الصعيدين الثنائي والدولي ستظل قائمة على أساس المبادئ التالية: العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة والثقة والشفافية والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر.
وتناولت المباحثات بينهما الانتقال نحو مرحلة جديدة للعلاقات القوية بين المغرب وفرنسا، في إطار شراكة استثنائية متجددة، وخارطة طريق إستراتيجية للسنوات المقبلة، حيث أكد ماكرون أن الاتفاقيات الموقعة مع الرباط تشكل بداية كتابة هذا الكتاب الجديد بين المغرب وفرنسا، بما يحمل من “المستقبل للشباب والأجيال القادمة في قطاعات مهمة مثل التكوين، والتربية، والتعليم”.
وعلق محمد الطيار، الباحث في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن ما يمكن الوقوف عليه بشكل بارز في زيارة ماكرون هو الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة، والعمل كشريكين إستراتيجيين والاتفاق على مبادئ العلاقات بين البلدين، والتي تركز على كونها علاقة بين دولة ودولة مع المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة والتشاور المسبق، وكلها مبادئ من بين أخرى تلتزم من خلالها فرنسا بتغيير المقاربة التي كانت تعتمدها سابقا في علاقتها بالمغرب.
ولفت الطيار في تصريح لـه إلى أن توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تشمل عدة قطاعات إستراتيجية، من شأنه إنعاش الاقتصاد الفرنسي الذي يمر حاليا بمراحل حرجة، حيث تم الإعلان عن إحداث آلية لتسريع الاستثمارات بين المغرب وفرنسا، وشراكة متساوية لتحفيز الاستثمار في كل التراب الوطني المغربي بما في ذلك الأقاليم الجنوبية.
وشدد الطرفان على تعزيز التقارب السياسي والإستراتيجي بين المغرب وفرنسا لتمكينهما من مواجهة التحديات الكبرى الراهنة، مع تعميق وتحديث الشراكة بين البلدين خدمة للتنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي واستقلاليتهما الإستراتيجية، حيث حدد الملك محمد السادس والرئيس ماكرون على وجه الخصوص، عدة قطاعات إستراتيجية يمكن إيلاؤها قدرا أكبر من الاهتمام والجهد كالأمن الصحي وإنتاج اللقاحات، والماء وتدبير الموارد المائية، والفلاحة، والتعاون في مجالي الأمن والدفاع، وتسهيل التنقلات النظامية، ومكافحة الهجرة غير النظامية، وغيرها من المجالات.
وفي هذا الإطار سيتم تعيين لجنة تتبع إستراتيجية مصغرة ومتساوية الأعضاء تتولى تقديم أي مقترح من شأنه أن يسهم في تعميق مضمون “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”، وتضطلع هذه اللجنة بدور مكمل لعمل الهيئات المكلفة بقيادة أشكال التعاون الثنائي، ولا تحل محلها.
وعلى الصعيد الإقليمي، شدد قائدا البلدين على الأهمية المحورية التي يوليانها في حوارهما الإستراتيجي الثنائي لكل من أفريقيا والفضاء الأطلسي، والعلاقات الأورو – متوسطية والشرق الأدنى والأوسط. واتفقا على تطوير مشاوراتهما من أجل تشجيع مبادرات مشتركة تهدف إلى الإسهام بشكل جماعي، مع البلدان المعنية، في أمن هذه المناطق واستقرارها وتنميتها.
كما أعلن ماكرون الثلاثاء توجيه مستثمرين من بلاده نحو إقليم الصحراء المغربية، وذلك في خطاب أمام أعضاء البرلمان المغربي بغرفتيه (النواب والمستشارون). وقال ماكرون “المستثمرون الفرنسيون سيواكبون تطوير الأراضي وتنمية إقليم الصحراء من خلال الاستثمارات والمبادرات المستدامة لصالح السكان المحليين”.
واهتمت وسائل الإعلام في كلا البلدين بحزمة الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، والتي من بينها بروتوكول اتفاق للتزويد بقاطرات للقطار فائق السرعة والعناصر الداعمة لها، عبر توقيع عقد شراء قاطرات للقطار فائق السرعة (12 ناجزة و6 اختيارية من شركة ألستوم الفرنسية). وهناك أيضا عقد مساعدة بين المكتب الوطني للسكك الحديدية وشركة “سيسكرا إكيز الفرنسية”.
كما تم توقيع اتفاقية تتعلق بتقديم خدمات المساعدة على تنفيذ أعمال مشاريع البنى التحتية للخط فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، إضافة إلى اتفاقية تنص على التزويد بمعدات السكك الحديدية في إطار إنجاز الخط السككي، واتفاقية أخرى مع شركة “سافران” لإنشاء موقع لصيانة وإصلاح محركات الطائرات.
◙ الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الفرنسي في زيارته إلى المغرب تمثل تتويجا لتطور العلاقات بين البلدين
وبموجب هذه الاتفاقية، تعتزم الشركة الفرنسية تنفيذ مشروع استثماري يهم بناء وتجهيز ورشة لصيانة وإصلاح محركات الطائرات LEAP بقيمة استثمارية تقارب 130 مليون يورو (141.7 مليون دولار).
وتتعلق اتفاقية أخرى بتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر. كذلك، وُقعت اتفاقية أخرى مرتبطة بتطوير التعاون والمبادلات في مجال الطاقة، خاصة سياسة الطاقة والتخطيط وإصدار الشهادات والتقنين، والطاقات المتجددة والأنظمة الكهربائية، بما في ذلك الإنتاج والشبكات الكهربائية وإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، وتخزين الطاقة، والمعادن ذات الطبيعة الخاصة، ونقل الجزيئات.
وزار المغرب 7 وزراء فرنسيين خلال وقت سابق من العام الجاري، قبل زيارة ماكرون الحالية للبلاد. ورافق الرئيس الفرنسي نحو 122 من الشخصيات منهم 9 وزراء، مقارنة مع زيارتين فقط خلال 2023، و3 زيارات خلال 2022، وزيارتين خلال 2021.
وتعتبر فرنسا أول مستثمر أجنبي بالمغرب بنحو 6.8 مليار درهم (680 مليون دولار) خلال 2023، حيث تنشط أكثر من 1000 شركة فرنسية بالمغرب، توفر 150 ألف فرصة عمل. وثقافيا، وقّع الطرفان الاثنين اتفاقيات بالتعليم والثقافة لتعزز العلاقات بين البلدين، في ظل وجود 45 ألف طالب مغربي يتابعون دراستهم العليا بفرنسا، وجزء كبير من الوزراء والنخب المغربية أنهوا دراساتهم العليا فيها، فضلا عن الحضور القوي للمدارس الفرنسية بمختلف المدن المغربية.
وفي المغرب، تعمل 6 قنصليات فرنسية بكل من أكادير (وسط) والدار البيضاء والرباط (غرب) وفاس ومراكش وطنجة (شمال)، إضافة إلى سفارة فرنسا بالرباط. كما توجد 42 مؤسسة تعليمية فرنسية في البلاد، لها الكثير من الفروع بمختلف المدن وتشغل 3465 معلما، في الوقت الذي تحتل الجالية الفرنسية بالمغرب المرتبة الـ9 عالميا بأكثر من 53 ألف فرنسي (الأولى مغاربيا).
وتعتبر الجالية المغربية في فرنسا الأكبر من نوعها، حيث يوجد أكثر من مليوني مغربي من إجمالي 5 ملايين مغترب حول العالم، إلى جانب مؤسسات التعليم العالي الفرنسية في البلاد، حيث بلغ عدد الاتفاقيات بين المعاهد العليا بين البلدين 280 اتفاقية.