العلاقة بين المغرب وفرنسا ترتقي من التعاون التقليدي إلى مستوى التحالف

عكست كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام النواب ومجلس المستشارين في المغرب مستوى جديدا من العلاقات لا يحدث عادة بين الدول إلا على مستوى التحالف.

وتخص الدول في العادة أقرب الحلفاء بتمكينه من إلقاء خطاب أمام مؤسساتها التشريعية في رسالة على أن العلاقات خرجت من مرحلة التعاون التقليدي والتعاملات الاقتصادية والتجارية الروتينية إلى مرحلة تمتزج فيها الشراكة السياسية والاقتصادية والتفاهم الوطيد بين القادة والتقارب بين الشعوب.

وعندما تصبح اللغة السياسية متقاربة بين بلدين إلى درجة الحديث إلى البرلمانيين مباشرة بوجه يزاوج بين الحفاوة بالشخصية التي يتم استقبالها ثم تلقي الكلمة، وبين مفردات العلاقة التي تتجاوز الرسمي من بروتوكولات وعلاقات دبلوماسية وصولا إلى الخطاب المباشر لممثلي الشعب، فهذا مؤشر على أن العلاقة أخذت مدى جديدا.

ووقّع العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين بالعاصمة الرباط، “إعلان الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين البلدين.

عندما تصبح اللغة السياسية متقاربة بين بلدين إلى درجة الحديث إلى البرلمانيين، فهذا يعطي العلاقة مدى مختلفا

ووفق نص الإعلان “قرر قائدا البلدين تدشين مرحلة جديدة من التاريخ الطويل المشترك من خلال الارتقاء بالعلاقة بين البلدين إلى مستوى شراكة استثنائية وطيدة”.

وحرص الرئيس الفرنسي في كلمته أمام البرلمان المغربي على إظهار الوضوح الكامل بشأن الموقف من مغربية الصحراء لمعرفته بأن المغاربة لديهم حساسية تجاه أنصاف المواقف أو المواقف الملتبسة التي قد تفهم وفق تأويلات متناقضة، أو تؤول حسب المناسبات.

وقال ماكرون “أردت باسم فرنسا أن أوضح رؤيتي في ما يتعلق بإقليم الصحراء من خلال رسالة وجهتها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس في يوليو الماضي”.

وأضاف “بالنسبة إلى فرنسا، حاضرا ومستقبلا هذه الأراضي تأتي في إطار السيادة المغربية، والحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار لحل المسألة، وسندافع عن موقفنا إلى جانب المغرب في المحافل الدولية”.

ويرى مراقبون أن ماكرون يضع بهذا الكلام الواضح أساس التحالف الإستراتيجي مع المغرب بشكل لا يترك فيه مجالا للتأويلات أو لتغيير في الأمزجة، كما يجعله عنوانا ملزما لأيّ رئيس أو رئيس حكومة فرنسي قادم وكذلك وزراء الخارجية ومختلف المؤسسات الرسمية الفرنسية.

وحرص الرئيس الفرنسي على تأكيد أن هذا الوضوح سيمثل أرضية لعلاقات فرنسا الخارجية في شمال أفريقيا، قائلا “هذا الموقف ليس تعبيرا عن عداء لأيّ طرف، إنه موقف يسمح بفتح صفحة جديدة من أجل التعاون الإقليمي في المتوسط مع البلدان المجاورة للمغرب ومع الاتحاد الأوروبي”.

ويعني هذا الموقف أن فرنسا ترى أن علاقتها مع المغرب لن تكون محل جدل أو منافسة أو مزايدة مع أيّ جهة كانت، في إشارة واضحة إلى الجزائر تقوم على ضرورة الفصل في إدارة الخلاف بين باريس والجزائر بين الخلافات الثنائية، والعلاقة مع المغرب وعدم الزج بها في الخلاف أو في البحث عن تجاوزه.

وكانت الجزائر أعربت مطلع أغسطس عن رفضها الموقف الفرنسي المؤيد للمغرب، واستدعت سفيرها في باريس للتشاور.

وشكر رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي فرنسا على “موقفها التاريخي”. فيما اعتبر رئيس الغرفة الثانية للبرلمان محمد ولد الرشيد أنه “يشكل لحظة فاصلة في مسار التطور الإيجابي للحل النهائي لهذه القضية”.

وشدد الطالبي العلمي على أن استقبال الرئيس الفرنسي برحاب البرلمان “يكتسي أكثر من رمز، وهو في جزء منه عربون على أن بلدينا يتقاسمان قيما نبيلة عديدة ويتعلق الأمر بقيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعددية السياسية، والحزبية ودولة القانون والمؤسسات المنبثقة عن الانتخابات الحرة”.

وأضاف الرئيس الفرنسي لبنة أخرى في إستراتيجية بناء التحالف مع المغرب بأن حث الشركات الفرنسية على الاستثمار في الأقاليم الجنوبية في المغرب في خطوة تهدف إلى تشجيع الدول الأوروبية الأخرى على اتخاذ نفس المسار وعدم الاستماع إلى بعض المماحكات السياسية والقانونية التي تصدرها بعض المنظمات الحقوقية.

وقال ماكرون “المستثمرون الفرنسيون سيواكبون تطوير الأراضي وتنمية إقليم الصحراء من خلال الاستثمارات والمبادرات المستدامة لصالح السكان المحليين”.

وأكد محمد الطيار، الباحث المغربي في الشؤون الإستراتيجية والأمنية، في تصريح لـه أن “تشديد ماكرون من داخل البرلمان على موقفه الثابت من سيادة المغرب على صحرائه بمثابة مصالحة وتصحيح، ومناسبة لترسيخ موقف فرنسا من مقترح الحكم الذاتي، لتصبح أول دولة من الاتحاد الأوروبي تستثمر بشكل مباشر في الصحراء المغربية من خلال بروتوكول اتفاق”.

وقالت نائبة رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية، نائبة رئيس مجموعة الصداقة المغربية – الفرنسية، نعيمة موتشو، إن العلاقات بين الرباط وباريس “تمر بمرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية المتينة”.

وأكدت موتشو في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء على أهمية الدفع قدما بالتعاون بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية، مشددة على الدور الفاعل الذي يمكن أن يضطلع به البرلمانيون من البلدين لتحقيق هذه الغاية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: