“ماكرون يسعى لتعزيز شراكة استراتيجية جديدة مع المغرب في زيارته للرباط”
حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الاثنين، بالعاصمة الرباط، في زيارة دولة إلى المغرب تدوم ثلاثة أيام بدعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، كتتويج لموقف إيمانويل ماكرون الصريح والإيجابي من سيادة المغرب على صحرائه، وخطوة نحو فتح أفق واسع للشراكة بين البلدين.
ويمكن أن تفتح الشراكة اعتمادا على هذه القاعدة الطريق أمام شراكات بين المغرب ودول أخرى خاصة من أوروبا التي تريد الاستفادة من المزايا الاقتصادية والاستثمارية في المغرب ومن كون الرباط بوابة رئيسية نحو أفريقيا.
وكان في استقبال الرئيس الفرنسي الملك محمد السادس بمطار الرباط – سلا يرافقه ولي عهده الأمير مولاي الحسن وشقيقه الأمير مولاي رشيد، قبل عزف نشيدي البلدين وإطلاق 21 طلقة مدفعية ترحيبا بالرئيس الفرنسي.
واتجه قائدا البلدين نحو القصر الملكي بالرباط في سيارة مخصصة للمراسم عبرت شوارع رئيسية بالعاصمة، زينت بأعلام المغرب وفرنسا، وتجمّع على أطرافها العديد من المواطنين.
وتعتبر زيارة الرئيس الفرنسي إعلانا عن انتهاء مرحلة التوتر بين البلدين بعدما اعترفت فرنسا رسميا أواخر شهر يوليو الماضي بسيادة المغرب على أقاليم الصحراء، وبداية فصل جديد في عهد العلاقات بين الشريكين التقليديين، و“فرصة لمنح شراكتنا الاستثنائية رؤية متجددة وطموحة تغطي عدة قطاعات إستراتيجية وتأخذ في الاعتبار أولويات بلدينا”، كما جاء في الدعوة التي وجهها الملك محمد السادس للرئيس الفرنسي شهر سبتمبر الماضي.
وبحسب الإليزيه، فإن هذه الزيارة الرسمية التي تتضمن عددا من الملفات والقضايا يجب أن تتيح تعزيز التنسيق السياسي بين باريس والرباط، مبرزة أنه سيتم التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مجالات المياه والطاقة والتعليم ورأس المال البشري.
وتناولت وسائل إعلام فرنسية زيارة الدولة التي يقوم بها إيمانويل ماكرون إلى الرباط كونها ستشكل بداية علاقات ثنائية بنفس جديد يتخطى تداعيات مرحلة من التوتر دامت لأكثر من عامين، كما ستحمل معها الكثير من التوقعات ضمن استعداد باريس لمواءمة مصالحها مع مصالح المغرب، وعلى رأسها تعزيز الشراكات الاقتصادية بين البلدين ودعم الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على الصحراء، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالتعاون الأمني ودعم الأجيال الشابة وتعزيز قيم الفرنكوفونية.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان – نويل بارو للأسبوعية الفرنسية “لا تريبون دو ديمانش”، إننا نريد تجديد (علاقاتنا) فضلا عن التطلع للعقود المقبلة من خلال تحديد أهداف طموحة جدا في مجالات كثيرة”.
والمغرب هو الشريك التجاري الأول لفرنسا في أفريقيا، إذ يطمح رجال الأعمال الفرنسيون إلى تقوية العلاقات مع المغرب وتعزيز وجودهم في المملكة.
ويرى مراقبون أن زيارة ماكرون، بعد الاعتراف الفرنسي الواضح بمغربية الصحراء، ستقود العلاقة بين الرباط وباريس إلى مستوى جديد من الشراكة ومختلف عن علاقات فرنسا في بقية دول شمال أفريقيا.
واعتبر محمد بودن، الخبير المغربي في الشؤون الدولية المعاصرة، أن الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي والوفد الهام المرافق له، ستمنح زخما جديدا للعلاقات المغربية – الفرنسية، وتضعها على نقطة تحول تاريخية في أفق الثلاثين عاما القادمة، كما تعكس توالي اللحظات القوية والدالة في مرحلتها الجديدة، وستمكن من إبراز المظاهر المتنوعة للصداقة الفريدة بين البلدين.
ولفت محمد بودن في تصريح لـه أن الزيارة ترمز إلى نجاح البلدين في فتح فصل جديد من تاريخ العلاقات الثنائية، وستعزز نموذجا للعلاقات، في أفق السنوات القادمة. كما أن الزيارة، من خلال حجم الاتفاقيات التي سيتم توقيعها وقوّتها، ستعزز الجسور الثلاثة للعلاقات المغربية – الفرنسية، وهي جسر التاريخ والقيم المشتركة، وجسر العلاقات الاقتصادية، وجسر المستقبل.
ويرافق الرئيس الفرنسي وفد هام يضم العديد من السياسيين والدبلوماسيين بمن فيهم وزير الداخلية ووزير الدفاع والأركان، بالإضافة إلى العسكريين ورجال المال والأعمال والمثقفين، ما يعكس حجم وثقل الاتفاقيات الإستراتيجية التي سيتم توقيعها بين مسؤولي البلدين، خاصة في ما يتعلق بمسألة الهجرة ووضعية المواطنين المغاربة في فرنسا.
كما يرافق الرئيس الفرنسي كذلك عدد من رؤساء الشركات الكبرى كشركة الطيران “أيرباص” و“إنجي” و”سافران” و”توتال إنيرجي” و”سوييز”، و”فيوليا” و”تاليس” وشركة “ألستوم” المتخصصة في القطار السريع والسكك الحديد، وذلك في إطار ما وعد به الرئيس الفرنسي قبل بضعة أيام في بيان الإليزيه، بأن “فرنسا تقف إلى جانب المغرب في الاستعدادات المتعلقة سواء بمباريات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم سنة 2025 أو الاستعداد لكأس العالم لسنة 2030”.
وستكون الأوساط الثقافية الفرنسية – المغربية أيضا ممثلة مع الكاتبين الطاهر بن جلون وليلى سليماني والفكاهي جمال دبوز والممثل جيرار دارمون.
وتوقع أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية المغربي محمد تاج الدين الحسيني في تصريح لـه أنه يكون ضمن أولويات ماكرون الدفع بالشركات الفرنسية الكبرى للدخول في المشاريع المهمة، منها تصنيع بعض الأسلحة داخل المغرب إلى جانب مسألة الهجرة ووضع المغاربة الموجودين على التراب الفرنسي.
ومن المنتظر أن يعلن ماكرون خلال زيارته فتح قنصلية فرنسية بإحدى مدن الصحراء المغربية، بعدما أعلن في يوليو دعم السيادة المغربية على الصحراء في رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 25 لجلوسه على العرش، مشددا على أن “حاضر الصحراء ومستقبلها يندرجان في إطار السيادة المغربية، مع ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة وأن بلاده تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.