ازدواجية النظام الجزائري: دعم خارجي لقضايا إنسانية وتجاهل لمعاناة مخيمات تندوف
بوشعيب البازي
ازدواجية المعايير الإنسانية بالجزائر ، و التناقض بين التضامن الخارجي والإهمال الداخلي.
يعكس موقف النظام الجزائري من القضايا الإنسانية، وخاصة في فلسطين ولبنان، ازدواجية تثير الكثير من التساؤلات، حيث يبدي دعماً علنياً لقضايا عربية هامة مثل حقوق الشعب الفلسطيني ومعاناة المدنيين في غزة ولبنان. ومع ذلك، يواجه هذا التضامن العلني انتقادات حادة، خاصة عندما يُقارن بموقف النظام من وضع سكان مخيمات تندوف الواقعة في جنوب الجزائر، حيث يعيش آلاف الصحراويين في ظروف صعبة منذ عقود.
يبدو أن النظام الجزائري يستخدم الدعم الإنساني للقضايا الخارجية كوسيلة لتعزيز صورته على الساحة الدولية، متجاهلاً قضايا إنسانية تقع داخل حدوده. في مخيمات تندوف، يعيش آلاف الصحراويين في ظروف تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، ويعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الدولية. بينما تتهم تقارير دولية النظام الجزائري والجبهة الانفصالية بالمتاجرة بمأساتهم واستغلال أوضاعهم للحصول على دعم دولي سياسي ومادي.
يُضاف إلى ذلك أن العديد من الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف يتعرضون لضغوط كبيرة تمنعهم من العودة إلى ديارهم أو اختيار مستقبلهم بحرية، في وقت تتزايد فيه التقارير التي تؤكد انتهاكات حقوق الإنسان في المخيمات من قِبَل الجبهة الانفصالية. وبرغم هذه الأوضاع المأساوية، يواصل النظام الجزائري تسليط الضوء على دعمه الظاهري للقضايا الإنسانية خارج حدوده، دون أي بادرة حقيقية لتحسين أوضاع المحتجزين في تندوف.
هذا التناقض يعزز من الانتقادات الموجهة للنظام، الذي يبدو أنه يستخدم مواقف معينة لاستقطاب التأييد الشعبي والدولي، بينما يواصل غض الطرف عن المشاكل الحقيقية التي تؤثر على جزء من مواطنيه والمقيمين على أراضيه. في النهاية، يبقى النفاق في التعامل مع القضايا الإنسانية نقطة ضعف بارزة تثير تساؤلات عديدة حول مدى التزام النظام الجزائري بحقوق الإنسان وقيم التضامن الحقيقي.
لكن هذا الخطاب المليء بالمشاعر لم يتطرق أبدا إلى وضع آلاف النساء والأطفال الصحراويين المحتجزين في تندوف، حيث يواجهون واقعا مريرا يشمل الاحتجاز القسري، واستغلال المساعدات الدولية، وحتى الاتجار بوجودهم كوسيلة لجذب المزيد من التمويل.
نظام يتاجر بالمآسي
من يسمع هذا المسؤول الجزائري يتحدث بـ« حرقة » عن معاناة النساء والأطفال في غزة ولبنان قد يظن أن مواطنيه يعيشون في رخاء وازدهار، لكن الواقع مخالف تماما. فالنظام الجزائري، الذي يتحدث بلسان مدافع عن حقوق الشعوب، يغض الطرف عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة التي تثقل كاهل الجزائريين. فبينما يعاني المواطن الجزائري من سوء الأوضاع المعيشية، ونقص الخدمات الأساسية، وتدهور البنية التحتية، يواصل النظام إنفاق موارده على دعم حركات انفصالية وتبني مواقف خارجية ذات طابع استعراضي، متجاهلا أوضاع شعبه المتردية.
ويبرز التناقض بشكل أكبر حين يتجاهل النظام معاناة النساء والأطفال المحتجزين في مخيمات تندوف، حيث يتعرضون للاستغلال والعنف في ظروف قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
هؤلاء المحتجزون، الذين يستخدمون كأدوات لتحقيق مكاسب سياسية، محرومون من حقوقهم الأساسية في ظل صمت جزائري وتواطؤ يخفي معاناتهم عن أنظار العالم.
إن هذا التناقض الصارخ يثير استياء المواطنين الجزائريين، الذين يرون أن النظام يستخدم قضايا خارجية لتلميع صورته دوليا، بينما تتفاقم معاناتهم في الداخل دون حلول أو اهتمام حقيقي.
تضخيم أعداد المحتجزين في تندوف
بينما لا تفتأ المملكة المغربية تطالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بضرورة إحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف، تستمر الجزائر وصنيعتها بوليساريو في رفض الإحصاء مكتفية بإعلان « إحصائيات ضخمة » حول المحتجزين في مخيمات تندوف، بهدف إظهار أزمة إنسانية تتطلب دعما دوليا. بيد أن إحصائيات المنظمات الحقوقية الدولية تكشف عن تناقض صارخ بين هذه الأرقام وبين الواقع.
ففي حين تصر الجزائر وجبهة البوليساريو على أن سكان المخيمات يناهزون الـ90 ألفا، فإن إحصائيات مدعومة بالأدلة من السلطات الإسبانية ومنظمات دولية تؤكد أن العدد الحقيقي للصحراويين المحتجزين في المخيمات لا يتجاوز 2000 شخص، بينما تتشكل الأغلبية من جنسيات إفريقية مختلفة، أُقحِموا عمدا لنفخ أعداد المحتجزين.
ويهدف هذا التلاعب إلى استقطاب المزيد من المساعدات الدولية، التي غالبا ما تتعرض للاختلاس من طرف زعماء الانفصاليين، وفقا لتقارير أممية وثلاثة تقارير دولية وثقت هذه الانتهاكات بشكل خاص، مما يحول المحتجزين في تندوف إلى ورقة تجارية تستغلها الجزائر لتحقيق مكاسب سياسية ومالية.
وتجدد منظمات حقوق الإنسان الدولية، إلى جانب تقارير أممية، إدانتها لانتهاكات حقوق الإنسان داخل المخيمات، من بينها تجنيد الأطفال واستعباد النساء، وهي ممارسات تُصنف على أنها جرائم ضد الإنسانية.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن أكد في تقريره الأخير أمام مجلس الأمن تدهور أوضاع حقوق الإنسان هناك، مشيرا إلى تجنيد الأطفال في تلك المخيمات.
أصل تجاري
كشفت عدة تقارير دولية، من بينها تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن الجزائر تستغل وضع المحتجزين في تندوف وتغذي أرقاما مضللة بشأن أعدادهم بهدف الحصول على دعم مالي متزايد، بينما في المقابل، يتعرض سكان هذه المخيمات لانتهاكات تتمثل في تقييد حرية التنقل، وإجبارهم على الحياة في ظروف شبيهة بالعبودية.
وتعد شهادات العائدين من تندوف دليلا حيا على المأساة المستمرة هناك في المخيمات. فقد سبق أن روى حمادة البيهي، الذي عاش لأكثر من 40 عاما في هذه المخيمات قبل أن يعود إلى المغرب، أن أقل من 20% من سكان المخيمات هم من أصول صحراوية مغربية، بينما الآخرون هم من جنسيات أخرى.
وأكد البيهي أن البوليساريو استغلت هؤلاء المحتجزين وجعلتهم « أصلا تجاريا » لجذب الدعم الدولي، مما يفسر رفض الجزائر والبوليساريو إحصاء سكان المخيمات بشكل رسمي.
ازدواجية النظام الجزائري
تبدو ازدواجية المواقف الجزائرية واضحة. ففي الوقت الذي تتبنى فيه خطابا إنسانيا عن حماية المدنيين في مناطق النزاع، تتجاهل معاناة المدنيين على أراضيها وتتركهم عرضة لاستغلال ميليشيات مسلحة.
إن النظام الجزائري بإصراره على هذا التناقض، يبدو كمن يتخذ من التضامن مع غزة ولبنان ستارا يخفي وراءه تعاميه عن معاناة ضحايا مخيمات تندوف. تضامن لا يغدو سوى شعارا يفتقد للمصداقية، حيث يظهر أن حقوق الإنسان ليست إلا ورقة يستخدمها النظام الجزائري متى وحيثما شاء لخدمة أهدافه السياسية الضيقة، على حساب حقوق وكرامة هؤلاء المحتجزين المنسيين.