تواجه الحكومة المغربية، بقيادة عزيز أخنوش، نقداً واسعاً من قطاعات مختلفة في المجتمع المغربي، حيث يصفها البعض بأنها حكومة تعتمد سياسات تزيد من معاناة المواطن العادي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. تأتي هذه الانتقادات وسط ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة، مما يضع ضغطاً متزايداً على الأسر المغربية ويدفع البعض إلى تسميتها بحكومة “الحرب على الشعب.”
يُعتبر عزيز أخنوش، الذي يعد أحد أبرز رجال الأعمال في المغرب، شخصية مثيرة للجدل؛ فبجانب كونه رئيساً للحكومة، يشرف على مجموعة اقتصادية قوية تسيطر على قطاعات حيوية مثل النفط وتوزيع المواد الأساسية، وهو ما أثار تساؤلات حول تضارب المصالح وكيفية تأثير مصالحه الشخصية على قرارات الحكومة وسياساتها الاقتصادية.
كما أن الشارع المغربي يشهد حالة من الاستياء بسبب ما يعتبره المواطنون غيابًا للحلول الجذرية لأزمة غلاء الأسعار ونقص فرص العمل، إلى جانب تراجع القدرة الشرائية للعديد من الأسر. تبرز هذه التحديات في وقت يطمح فيه المواطن المغربي لرؤية إجراءات ملموسة لتحسين ظروف المعيشة، ودعم الفئات الأكثر تضرراً، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود.
وفي ظل هذه الظروف، تتزايد المخاوف من أن يؤدي استمرار هذه السياسات إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية، حيث يعتقد البعض أن المستقبل القريب قد يحمل صعوبات أكبر إذا لم يتم اتخاذ تدابير فعالة لاحتواء الأزمة. هذه المخاوف مبنية على تصور يرى أن سياسات الحكومة الحالية قد تسهم في توسيع الفجوة بين الفئات الغنية والفقيرة، وتجعل فرص التحسن محدودة ما لم يكن هناك توجه حقيقي نحو إصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة.
عندما جرى تعيين وفاء الجمالي مديرة عامة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، باقتراح من رئيس الحكومة، خلال اجتماع المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك يوم 18 أكتوبر 2024، كان الأمر مفاجئا، لأن الدافع الوحيد المعروف لوضعها في هذا الموقع الحساس هو قربها من عزيز أخنوش، حيث كانت سكرتيرته العامة منذ 2021، لكن قائمة الحكومة المُعدلة المفرَج عنها يوم أمس الأربعاء، أظهرت أن تلك لم تكن إلا بداية الطريق نحو وضع أخنوش الكثيرَ من المناصب الحساسة بين قبضته.
التعديل الحكومي الذي طال انتظاره، أصبح البارحة رسميا، إثر استقبال الملك محمد السادس لأعضاء حكومة “أخنوش 2″، وأداء الوزراء والوزراء المنتدبين وكتاب الدولة الجدد القسم أمام العاهل المغربي، إلا أن أكثر ما أثار الانتباه في قائمة الوجوه الجديدة هي أن بعضها مقربة من رئيس الحكومة، ليس بصفته الدستورية، وإنما بصفته الشخصية كرجل أعمال وجد نفسه يقود الحزب صاحب أكبر فريق في مجلسي البرلمان.
اسم محمد سعد برادة، أبرز هذه الأسماء التي جرى تكليفها بقطاعين شديدي الحساسية، فالرجل، الذي لم تُعرف له أي تجربةٌ من قبل في تدبير الشأن العام، محليا أو جهويا أو وطنيا، ولم يكن حتى من الأسماء ذات الثقل السياسي داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، بقدر ما كان له “وزن اقتصادي” باعتباره رجل أعمال، أصبح وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي والرياضة، خلفا لشكيب بنموسى الذي تولى منصب المندوب السامي للتخطيط.
وإذا ما عُدنا للبحث في علاقة برادة بالتعليم العالي، فإن أقصى ما سنجده هو تصريحٌ له، بوصفه عضوا في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، خلال المنتدى الجهوي للشبيبة التجمعية بجهة مراكش – آسفي سنة 2022، منشورٌ عبر الموقع الرسمي لحزبه، يتحدث فيه عن أن “التعليم هو التزام الحكومة الأساسي تجاه المواطنين، حيث أعدت الوزارة تصورا واضحا للإصلاح قوامه التأسيس لمدرسة الجودة وتكافؤ الفرص”.
تولِّي برادة وزارة بهذا الحجم يبدو مثيرا للاستغراب، خصوصا في السياق الحالي، لكونها، من جهة تتولى قطاع التعليم، الذي كان أول تحدٍ لحكومة أخنوش مع بداية ولايتها، بسبب إضرابات الأساتذة في مختلف مستويات التعليم العمومي، الذي كاد أن يؤدي إلى سنة بيضاء، ومن جهة أخرى لأن قطاع الرياضة مرتبطٌ مباشرة بمشاريع احتضان المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025 ثم كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، في حين ليس للوزير الجديد علاقة بتدبير أي من المجالين.
لكن برادة يجُر خلفه سيرة ذاتية من نوع آخر، فالأمر يتعلق برئيس مجلس إدارة شركة “ميشوك” لصناعة المصاصات والبسكويتات، والتي اكتسبت شهرتها بين الأطفال بسبب ذلك، وهو أيضا مستثمر في مجال صناعة الأدوية من خلال شركة “فارما بروم”، وهو أيضا مدير وعضو مجلس إدارة شركة الأشغال العامة للبناء بالدار البيضاء TGCC، لكن الأهم من ذلك كله هو ما سيحدث في 6 أبريل 2020، حين انضم إلى شركة “أفريقيا غاز”.
انضمام برادة إلى القلب النابض لمجموعة “أكوا هولدينغ” المملوكة لآل أخنوش، بصفته عضوا في المجلس الإداري للشركة، لم يعطه منصبا داخل مجلس مراجعة الحسابات فيها فقط، بل مهَّدَ له الطريق أيضا ليصبح عضوا في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ثم أصبح رئيسا للجنة الانتخابات المكلفة بتوزيع التزكيات على المرشحين سنة 2021، أهم محطة انتخابية في تاريخ حزب “الحمائم”، والتي انتهت بتصدر المشهد في مجلسي البرلمان، في الانتخابات المهنية والجماعية والجهوية.
ومحمد سعد برادة ليس الوحيد في التشكيل الحكومي الجديد الذي أتى به أخنوش من عالمه الاقتصادي إلى موقع المسؤولية الحكومية، فإذا كان إعفاء وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، غير مفاجئ، بسبب عدم قدرته على الخروج من عنق الزجاجة الذي حُشرت فيه الحكومة بسبب ملف إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة، فإن تسمية أمين التهراوي خلفا له هو ما كان غير منتظر.
وعلى عكس آيت الطالب، البروفيسور والطبيب الجراح الذي جلس على كرسي الوزارة في أكتوبر من سنة 2019 وهو يحمل معه تاريخا مهنيا وإداريا، بوَصفِه مديرا للمركز الاستشفائي الجامعي بفاس وكاتبا عاما لوزارة الصحة، فإن المسار المهني لخَلَفِه، التهراوي، مرتبط أساسا بمجموعة “أكوا” المملوكة لأخنوش، ومجموعة “أكسال” المملوكة زوجته سلوى الإدريسي.
وكان التهراوي مديرا عاما لمجموعة “أكسال” صاحبة سلسلة المراكز التجارية الكبرى، وفي مقدمتها “موروكو مول”، والمتخصصة في البيع بالتجزئة من خلال لتوزيع الحصري لعدة علامات تجارية عالمية في مجال الأزياء والموضة أبرزها “زارا” و”بيرشكا” و”ماسيمو دوتي” و”فيندي” و”غوتشي” و”رالف لورين” و”بالنسياغا”…، كما تولى رئاسة شركة “أمازين” التابعة للمجموعة، والمكلفة بتطوير سلسلتها من الفضاءات التجارية الكبرى.
التهراوي القادم أصلا من عالم الأبناك، من خلال البنك الاستثماري التجاري “فاينانس كورب”، عمل مع أخنوش أيضا في هولدينغ “أكوا”، قبل أن ينضم إلى فريقه في وزارة الفلاحة والصيد البحري باعتباره مديرا مركزيا، وعندما أصبح رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار رئيسا للحكومة، ضمَّهُ إلى فريقه مجددا، إلى أن أصبح كاتبا عاما لرئاسة الحكومة قبل أقل من شهرين.
ولم يكن برادة والتهراوي الوحيدين اللذان انضما إلى حكومة أخنوش في نسختها الثانية استنادا إلى القرب الشخصي منه، إذ نجد اسمين آخرين، وإن كان قد يكون لهما ما يجعل تعيينهما مفهوما على المستوى المهني الميداني أو السياسي الحزبي، أولهما أحمد البواري، الذي أصبح وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عوض محمد صديقي، إذ كان مديرَ الري وإعداد المجال الفلاحي في الوزارة ذاتها، وهو أيضا رئيس “هيئة المهندسين الأحرار”، تجمعُ مهندسي الحزب الذي يقوده رئيس الحكومة.
الأمر نفسه ينسحب على لحسن السعيدي، أصغر أعضاء الحكومة المُعدلة، الذي عين كاتب دولة لدى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مكلفا بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فهو نائب برلماني ورئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، ورئيس الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، وعُرف بخرجاته الإعلامية المدافعة باستماتة على السياسات الحكومية وعلى شخص أخنوش.