يواجه وزيرا الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار الجديدان في الحكومة المغربية ملفات صعبة أبرزها أزمة طلاب الطب التي مازالت تنتظر حلولا، خصوصا مع تشبث الطلاب بتحقيق مطالبهم ودعوات حكومة عزيز أخنوش إلى التفاوض والحوار.
طرح تعيين وزيرين جديدين لقطاعي الصحة والتعليم العالي في إطار التعديل الوزاري الذي أجراه العاهل المغربي الملك محمد السادس على حكومة عزيز أخنوش تساؤلات بشأن مدى قدرة الوزيرين الجديدين على حلحلة أزمة طلاب الطب المتواصلة منذ فترة.
وفي أول مجلس حكومي بعد التعديل أكد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس أن ملف أزمة طلاب الطب لم يتقدم بعد، مشيراً إلى أن الحكومة لا تزال تنتظر رد وسيط المملكة بخصوص مقترحها لأطباء الغد.
ولفت بايتاس إلى أن الأزمة مرتبطة بإجراءات بدأت من قبل مؤسسة الوسيط، ولم يصدر قرار نهائي حتى الآن، وأن النقاش مستمر بين الطلاب والجهات المعنية، مؤكداً أنه “عند إعلان مؤسسة الوسيط عن قرارها النهائي يمكن الحديث عن تقدم في هذا الملف”.
يأتي ذلك في وقت أكد فيه رئيس الحكومة في حوار صحفي أن باب الحوار مفتوح مع الوزيرين الجديدين في قطاعي التعليم العالي والصحة والحماية الاجتماعية لإنهاء الأزمة التي استمرت لأكثر من 10 أشهر، داعيا طلاب الطب إلى الاستماع في المفاوضات لأن هذه الفرصة هي الأخيرة لإنقاذ الموسم الجامعي بكليات الطب.
وبعد فشل الوزيرين السابقين في حلحلة الملف، يواجه كل من وزير الصحة أمين التهراوي والوزير الجديد عزالدين ميداوي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ملفات صعبة أهمها أزمة طلاب الطب، للاستجابة لمطالبهم وتجاوز هذا المطب والمساهمة في معالجته، كما تراهن الحكومة أيضا على تجاوز هذا الملف الشائك إلى جانب مشاكل عالقة يعرفها القطاع.
وفي أول خروج صحفي له بعد تعيينه لم يجب عزالدين ميداوي على سؤال أزمة الطب، مكتفيا بالإشارة إلى وعيه بمدى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه بالنظر إلى التحديات التي تنتظره على رأس وزارة التعليم العالي للمكانة المهمة التي يحظى بها هذا القطاع الحكومي في تأهيل الرأسمال البشري باعتباره ثروة حقيقية للمملكة ودعامة لجميع الإصلاحات والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية.
وأفاد رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، بأن “تعيين وزيرين جديدين للصحة والتعليم العالي في المغرب يفتح آفاقاً جديدة لحل أزمة طلاب الطب المستمرة منذ قرابة سنة، ونتوقع خروج صيغة الحل من طرف مؤسسة الوسيط المعروض عليها الملف، وما يسند هذا التوجه هو استعداد الحكومة، في شخص الوزيرين الجديدين، للحوار ما يعطي مؤشراً إيجابيا نحو إمكانية التوصل إلى حلول توافقية، خاصة مع دعوتها للمرونة في التعامل مع هذا الملف”.
وأضاف في تصريح لـه أن “التغيير الوزاري في حكومة عزيز أخنوش يمثل فرصة لتجديد قنوات الاتصال بين الحكومة وطلاب الطب بشكل آخر يراعي مصالح الطلاب ومسؤوليات الحكومة في آن واحد، من خلال إعادة النظر في المطالب المطروحة بعين أكثر انفتاحاً وتدبير مرن، ما قد يساهم في إنهاء الأزمة التي أثّرت سلباً على القطاع الصحي والمسيرة الأكاديمية للطلاب”.
اللجنة الوطنية لطلاب الطب والصيدلة أكدت أن الحل الوحيد للأزمة هو التعاطي الجاد مع أسئلة الطلاب المشروعة
ولا يزال محمد بن عليلو رئيس مؤسسة وسيط المملكة (مؤسسة دستورية)، بعد تسلّمه الرد الرسمي للطلاب على العرض الحكومي الأخير، مستمرا في وساطته وسيواصل جهوده لتقريب وجهات نظر الطرفين بما يفضي إلى تسوية ملفهم المطلبي. ومن جهتهم أكد الطلاب رغبتهم في استمرار وساطة هذه المؤسسة الدستورية وانفتاحهم على إيجاد حلول في حال كان للوزارة عرض جديد.
في هذا الصدد أكدت اللجنة الوطنية لطلاب الطب والصيدلة في بيان لها أن “الحل الوحيد والأوحد لأزمة عمّرت طويلا هو التعاطي الجاد والمسؤول مع أسئلة الطلاب المشروعة بعيدا عن الحلول الترقيعية التي فيها تعميق لأصول المشكلة، مع تثمين مجهودات مؤسسة وسيط المملكة وتشبثنا بها كوساطة جادة ومسؤولة من شأنها الدفع بملف قابله التهميش كثيرا ليرى النور”.
وشدد رئيس الحكومة على أن المرونة مطلوبة لمعالجة هذا الملف في ظل صعوبة تراجع الدولة عن البرنامج الإصلاحي في هذا القطاع، وهي فرصة مواتية مع حضور وزراء جدد إلى وزارتي التعليم العالي والصحة والحماية الاجتماعية، مبرزا أن الاستماع بموضوعية يجب أن يكون متبادلا، وأن الحكومة أيضا ستكون موضوعية مع الطلاب.
وقبل التعديل الحكومي رفض طلاب شعبة الطب العرض الحكومي الذي تم تقديمه لممثليهم، بنسبة وصلت إلى 81.4 في المئة من الطلاب الذين اعتبروه “غير كافٍ ولا يجيب عن تطلعاتهم في ما يخص النقاط العالقة، فضلا عن كونه عرف تراجعات عديدة في ما يخص نقاط تم الاتفاق حولها سابقا، على اعتبار كافة النقاط العالقة ذات أولوية وتأتي على قدم المساواة والأهمية”.
وقاطع الطلاب الامتحانات التداركية بداية شهر أكتوبر الجاري، نتيجة عدم التوافق حول مطالب طلاب الطب مع تقليص مدة التكوين من سبع إلى ست سنوات، وهي نقطة لا يمكن التنازل عنها بالنسبة إلى الطلاب ضمن جميع النقاط العالقة، لأنها الوحيدة الكفيلة بضمان جودة تكوينهم، وبالتالي ضمان تأديتهم خدمات طبية ذات جودة للمواطن المغربي تحفظ له صحته.
في المقابل، ترى الحكومة بأن هذه الخطوة ستساهم في زيادة أعداد الأطباء ومعالجة العجز الذي يعاني منه القطاع الصحي على مستوى الموارد البشرية.
ودخل المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان والشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب على خط الأزمة معبّرين عن دعمهما ومساندتهما الكاملة للطلبة المضربين، وداعيين الحكومة في صيغتها الجديدة إلى فتح حوار جدي صريح ومسؤول مع ممثلي طلبة الطب، بهدف إيجاد حلول معقولة تفضي إلى طمأنتهم واستئناف الدراسة على أساس اتخاذ تدابير عملية كفيلة بتحسين ظروف التكوين والتأطير، ما يساهم في إعادة بناء جسور الثقة وتجنب تفاقم الأزمة، بهدف ضمان مستقبل دراسي مستقر ومنتج لجميع الطلبة