هل يحتضن المغرب “مراكز العودة” لاستقبال المهاجرين المُرحلين من أوروبا؟
استبعد باحثون ومُختصون في قضايا الهجرة واللجوء أن تقبل المملكة المغربية احتضان مراكز استقبال المهاجرين المرحلين من دول أوروبية على أراضيها، بعدما اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مؤخرا، إقامة هذه المنشآت التي تحمل اسم “مراكز العودة” بالدول الموجودة خارج الاتحاد الأوروبي، التي ستبرم صفقات معها في مجال الهجرة، مُشيرة إلى “ضرورة توقيع الاتحاد مزيدا من الاتفاقيات مع البلدان التي ينحدر منها المهاجرون أو يعبرون منها، على غرار تلك التي تربطه بتركيا وتونس وليبيا”.
وأشارت المسؤولة الأوروبية، في رسالتها إلى زعماء الاتحاد الذين التأموا في القمة الأوروبية، يومي 17 و18 أكتوبر الجاري، واستأثر ترحيل المهاجرين بقسط وافر منها، إلى أن “مصر والمغرب والجزائر وموريتانيا والسنغال ومالي دول يجب على الاتحاد الأوروبي العمل معها”.
وأجمعت دول الاتحاد في مخرجات قمتها على الدعوة إلى “اتخاذ إجراءات حازمة على كل المستويات لتسهيل وتسريع عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين من الاتحاد الأوروبي”، وتقديم “اقتراح تشريعي جديد في أقرب وقت ممكن”.
وناقشت القمة باستفاضة فكرة ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى “مراكز للعودة”، وفق وسائل إعلام أوروبية، أكدت أن الفكرة لا تحظى بإجماع القادة الأوربيين، إذ قال رئيس الوزراء الاسباني على هامش أشغال القمة إن هذه المراكز “لا تعالج أيا من المشكلات، بل تخلق مشاكل جديدة”.
ووفق المصدر ذاته فقد عُقدت القمة غداة إرسال إيطاليا أول دفعة من المهاجرين إلى مراكز استقبال بألبانيا، بموجب اتفاق بين البلدين، وكذا “تنظيم الإيطالين اجتماعا غير رسمي بحضور ميلوني لتشجيع هذه الحلول المبتكرة لمواجهة الهجرة، حضرته حوالي عشر دول، بينها هولندا واليونان والنمسا وبولندا والمجر، كما حضرت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين”.
ويقول باحثون في مجال الهجرة إنه “من المستبعد أن يقبل المغرب باحتضان مثل هذه المراكز، بالنظر إلى انطوائها على انتهاك للسيادة، وتعارضها مع سعيه إلى الريادة قاريا في تدبير ملف الهجرة، فضلا عن كون المقاربة التي تننبي عليها لا تستحضر مبدأ المسؤولية الثلاثية، أي مسؤولية دول الانطلاق والعبور والمهجر، الذي تشدد عليه المملكة”.
“حسم مغربي”
حميد بن طالب، باحث مختص في قضايا الهجرة واللجوء، قال إن “هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها مُقترح بناء ‘مراكز العودة’ بدول المنطلق أو دول العبور، من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي أو قادة الدول الأعضاء، خصوصا المنتمين إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة، الذين يرون في تشديد سياسات الهجرة وسيلة للحصول على مكاسب سياسية وانتخابية”، مُردفا بأن “المغرب حسم، منذ سنوات، موقفه الرافض لقبول احتضان مثل هذه المراكز على أراضيه، بفعل وعيه بما تنطوي عليه من تبعات سياسية ودبلوماسية وحقوقية”.
وأضاف بن طالب، في تصريح له، أن “المملكة المغربية ترى أن قبولها بهذه المراكز يتعارض وريادتها قاريا على مستوى تدبير ملف الهجرة، وكذا سياستها التي تركز على معالجة هذه الإشكالية على مستوى الدول الإفريقية، وهو ما كان من بين تمظهراته احتضان المرصد الإفريقي للهجرة”، مُوضحا أنه “كانت ثمة ضغوطات وإغراءات مالية من قبل دول الاتحاد الأوروبي لتونس ومصر لإقناعهما باحتضان مثل هذه المراكز، إلا أن المغرب تمكن من إقناعهما بأن القبول بهذا المقترح لا يصب في صالح تقوية الموقف التفاوضي لدول شمال إفريقيا في ملف الهجرة أمام الدول الأوروبية”.
وأكد الباحث المختص في قضايا الهجرة أن “الرفض المغربي لهذه المراكز راجع أيضا إلى كونها تتعارض مع مختلف الاتفاقيات الدولية المؤطرة لحقوق المهاجرين التي صادقت عليها المملكة”، مُوردا أن “هذه المراكز لن تحل وفق المنظور المغربي إشكالية الهجرة، بشكل جذري، بقدر ما ستجعل الدول التي تقبل استقبالها بدورها عرضة لتدفقات هجروية، مع ما سيرافق ذلك من مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية داخل هذه الدول”.
تقاسم المسؤولية
عبد الفتاح الزين، مُنسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، سجّل بدايةً أن “دعوة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى إنشاء مراكز العودة بالدول التي يقدم منها المهاجرون أو يعبرون منها هي رغبة منها في مغازلة اليمين المتطرف ذي الأغلبية في البرلمان الأوروبي؛ الذي بات يراهن على توسيع الإجراءات المنتهكة لحُقوق المهاجرين لزيادة شعبيته بدول القارة العجوز”، مُردفا بأن “هذه الدعوة تأتي في سياق توجه لدى هذه الدول نحو تغيير منظومة الهجرة بطريقة تسمح لها بالاستفادة من مزاياها، ودون دفع فواتيرها”.
وشرح الزين، في تصريح له، أنه “في وقت تسعى هذه الدول إلى خفض أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين عليها تقوم بتبني مقاربة براغماتية لجلب العمالة الماهرة من دول الجنوب؛ من خلال تقديم مساعدات مالية مهمة لهذه الأخيرة في قطاعات أساسية على رأسها التعليم والتكوين المهني، ما يسمح بالحصول على حصة مهمة من الكفاءات والأدمغة”.
واستبعد منسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، بدوره، أن “يقبل المغرب باحتضان أحد مراكز العودة، بالنظر إلى كونه يتبنى مقاربة لملف الهجرة تقوم على تدبيره بين مختلف المكونات من خلال مبدأ المسؤولية الثلاثية، أي مسؤولية دول المهجر والعبور والمنطلق”، مُوضحا أنه “انطلاقا من هذه المقاربة عبّر وزير الخارجية المغربي أخيرا عن استعداد المملكة لإعادة كل مواطن ثبت أنه مغربي الجنسية، واستنادا إليها أيضا يشدد على تحميل دول المنطلق مسؤوليتها في هذا الإطار بالنظر إلى أن أحد العوامل الرئيسية لهجرة مواطنيها يتمثل توفيرها شروط العيش الكريم في نهاية المطاف”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “من بين ما يعيق تقوية الموقف التفاوضي لدول القارة السمراء أمام الدول الأوروبية في ملف الهجرة، ويدفع هذه الأخيرة نحو مزيد من التشدد، هو عدم التنفيذ الكامل للأجندة الإفريقية للهجرة من الاتحاد الإفريقي، رُغم الدعوات المغربية المتكررة، باستثناء المرصد الإفريقي للهجرة الذي بدوره لم يتم تفعيله بشكل كامل رغم مرور أربع سنوات على تأسيسه”.