هل تتحول ألبانيا إلى أكبر مركز احتجاز للمهاجرين العرب والأفارقة
وزارة الداخلية الإيطالية تنقل مجموعة أولى من المهاجرين إلى ألبانيا.
بوصول أول دفعة للمهاجرين غير النظاميين إلى ألبانيا، تكون إيطاليا، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، قد أنقذت حكومات شمال أفريقيا من الحرج، ووجدت المكان الذي قد يتحول إلى أكبر مركز احتجاز لأولئك المهاجرين الذين يتم توقيفهم سواء في البر أو اعتراضهم في البحر.
وأعلنت وزارة الداخلية الإيطالية الأربعاء أنها نقلت مجموعة أولى من المهاجرين إلى ألبانيا، حيث غادرت السفينة “ليبرا” جزيرة لامبادوزا، وهي تقل 10 رجال من بنغلاديش و6 من مصر كانوا قد تم إنقاذهم على متن قارب في البحر بعد إبحاره من ليبيا.
وبحسب المراقبين، فإن ألبانيا مرشحة لأن تتحول إلى أكبر مركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين من العرب والآفارقة الذي يبحرون من الضفة الجنوبية للمتوسط في اتجاه الضفة الشمالية، ولكنهم يجدون أنفسهم وقد تم تحويل وجهتهم إلى زنازين في الداخل الألباني توجد ضمن المركزين المخصصين لاستيعاب 880 مهاجرا في وقت واحد.
وفي نوفمبر 2023 تم التوقيع في روما على اتفاقية لمدة خمس سنوات بين رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني ورئيس وزراء ألبانيا عيدي راما، وأثارت الكثير من الجدل على شواطئ البحر الأدرياتيكي، لكن رغم الاعتراضات تمت الموافقة عليها من قبل الأغلبية في برلمان ألبانيا.
هذه المراكز لن تتولى إيواء سوى الرجال البالغين، في حين سيتم إيواء الأشخاص الضعفاء مثل النساء والأطفال في إيطاليا
وتنص الاتفاقية على التزام إيطاليا بإنشاء مركز معالجة في ميناء شينغجين على بعد 66 كيلومترا (40 ميلا) شمال غرب العاصمة تيرانا، بالإضافة إلى مركز استقبال لطالبي اللجوء بطاقة استيعاب تبلغ 880 مهاجرا، فضلا عن مركز احتجاز يضم 144 مهاجرا. وستقام مراكز الاستقبال والاحتجاز على بعد حوالي 22 كيلومترا إلى الشرق، بالقرب من المطار العسكري السابق في جادير.
وبحسب الاتفاق، يمكن جلب ما يصل إلى 3 آلاف مهاجر إلى شينغجين كل شهر، ولكن فقط من البالغين القادمين من بلدان معترف بها على أنها “آمنة” ويتم إنقاذهم من قبل خفر السواحل والشرطة البحرية، وبالتالي ليس أولئك الذين أنقذتهم المنظمات غير الحكومية.
وبعد إنزالهم في الميناء الألباني يتم نقل المحتجزين إلى مجمع خاص مصمم لإقامة صغيرة يتم خلالها إخضاعهم لفحوص طبية، واستكمال نماذج تقرير الأجانب الراغبين في الحصول على اللجوء.
وأثار المشروع جدلا واسعا في الأوساط الإيطالية، وانتقدته المعارضة ووصفته بأنه “خدعة انتخابية بقيمة 800 مليون يورو”، فيما ردت ميلوني بأن المشروع إستراتيجي و”يشكل سابقة في أوروبا”، حيث إنه قادر على إحداث تغيير كبير في سياسة إدارة الهجرة في الاتحاد الأوروبي.
وحددت وزارة الداخلية الإيطالية الحد الأقصى للإنفاق على هذه الخدمة بمبلغ 13.5 مليون يورو، على النحو المحدد في “المشاورة الأولية للسوق” التي أطلقت في الثلاثين من مايو، على أن تصل التكلفة إلى 150 ألف يورو يوميا لاستئجار السفينة، وذلك خلال مرحلة أولى لاتفاق التعاون بين روما وتيرانا تتراوح بين الخامس عشر من سبتمبر والخامس عشر من ديسمبر القادم.
المهاجرون غير الشرعيين يجدون أنفسهم وقد تم تحويل وجهتهم إلى زنازين في الداخل الألباني توجد ضمن المركزين المخصصين لاستيعاب 880 مهاجرا في وقت واحد
ولن تتولى هذه المراكز إيواء سوى الرجال البالغين، في حين سيتم إيواء الأشخاص الضعفاء مثل النساء والأطفال وكبار السن والمرضى أو ضحايا التعذيب في إيطاليا، كما لن يتم فصل العائلات.
ولاقت الاتفاقية استحسان المجتمع الدولي، ومن ذلك ما صرحت به رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي أكدت أن الاتفاقية الخاصة بالمهاجرين من إيطاليا وألبانيا يمكن استخدامها كمثال أمام الاتحاد الأوروبي.
لكن منظمة هيومن رايتس ووتش رأت أن زيارة ميلوني في الخامس من يونيو الماضي إلى ميناء شينغجين في ألبانيا تؤكد حماقة خطة إيطاليا لإرسال المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يتم اعتراضهم في البحر المتوسط إلى ألبانيا. وفي ظل التكاليف المتصاعدة والتأخيرات والمخاوف الجادة بشأن حقوق الإنسان، فإن الخطة تكشف عن نفسها كمثال على كيفية عدم إدارة الهجرة.
وبحسب المنظمة، فإن إيطاليا تقول إنها لن ترسل سوى الرجال البالغين من البلدان التي تصنفها على أنها “آمنة” إلى ألبانيا للخضوع لإجراءات لجوء سريعة، تليها عملية ترحيل سريعة لمن حرموا من الحماية. ولكن بعض البلدان التي تصنف على هذا النحو ليست “آمنة” للجميع: فهناك حالات موثقة من التعذيب وغيره من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في مصر وتونس والجزائر والكاميرون، على سبيل المثال.
وتابعت المنظمة “لكن كيف ستتمكن إيطاليا من ضمان إجراءات لجوء عادلة ومراجعة قضائية للاحتجاز في دولة أخرى؟ يظل ذلك لغزا”.
ناشطون اعتبروا أن الاتفاقية بين روما وتيرانا تعتبر اعتداء صارخا على حقوق الإنسان
واعتبر ناشطون أن الاتفاقية بين روما وتيرانا تعتبر اعتداء صارخا على حقوق الإنسان، ورفع محتجون أمام مركز الاحتجاز في ميناء شينغجين لافتات كتب عليها “هنا ينتهي الحلم الأوروبي” و”هذا الاتفاق ينتهك حقوق الإنسان والديمقراطية”.
وزادت تكاليف بناء المراكز بأكثر من 25 مليون يورو، في حين تبلغ الميزانية الإجمالية لتشغيل المخطط على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقا للحكومة الايطالية، 670 مليون يورو (ويقول آخرون إنها ستتكلف ما يصل إلى 850 مليون يورو).
وفتحت الحكومة الإيطالية مناقصة للمقاولين من القطاع الخاص توضح كيف تخطط لتنفيذ الاتفاق، فهي تريد سفينة خاصة تتسع لـ300 شخص (200 مهاجر و100 موظف) لاستقبال الأشخاص مباشرة من السفن الحكومية الإيطالية في البحر، وخاصة جنوب جزيرة لامبيدوزا ليتم بعد ذلك نقلهم إلى ألبانيا. وتبلغ ميزانية التشغيل لمدة ثلاثة أشهر، بدءا من منتصف سبتمبر 13.5 مليون يورو. ولا يزال من غير الواضح كيف وأين ومن الذي سيجري التقييمات لتحديد من بين أولئك الذين سيتم إنقاذهم أو اعتراضهم ويجب إرسالهم إلى ألبانيا.
وكان مركز الاحتجاز في جادر، قد شهد تدخلات مهمة ومكلفة لترتيب الأرض وإمدادات المياه وتأمينها، وهو يتكون عن حاويات رمادية اللون تقع في منطقة مغلقة بجدران أخرى وبوابة عالية، وتحتوي على أسرة لمتوسط 4 أشخاص في كل زنزانة ومكيفات الهواء، وكلها مخصصة لطالبي اللجوء. وتوجد بالموقع منطقة الإنعاش القلبي الرئوي، ومركز الإعادة إلى الوطن، المخصص لأولئك الذين لم يحصلوا عن نتيجة إيجابية لمطالبهم، بالإضافة إلى زنازين زرقاء مخصصة للسجناء المتورطين في جرائم تقع ضمن السلطة القضائية الإيطالية، توجد كذلك مساحات مخصصة للتشاور مع المحامين وجلسات الاستماع، وغرف صغيرة مجهزة بأجهزة كمبيوتر وشاشات.
وسبق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن وافقت على مراقبة الأشهر الثلاثة الأولى من تنفيذ اتفاق إيطاليا وألبانيا للمساعدة في “حماية حقوق وكرامة الخاضعين له”، لكنها أكدت أنها ليست طرفا فيه، وأبدت تحفظاتها بشأنه وطلبت توضيحات حول كيفية تنفيذه، وقالت إنها ستقدم المشورة للمهاجرين بشأن حقهم في طلب اللجوء والتأكد من أن الإجراءات المطبقة “متوافقة مع معايير حقوق الإنسان الدولية والإقليمية ذات الصلة، وأنها عادلة وتعزز الحماية والحلول لأولئك الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية”.