تداولت العديد من المصادر الإعلامية مؤخراً تقارير عن اختطاف المعارض الجزائري هشام عبود من طرف المخابرات الجزائرية، وهو حدث أثار ضجة كبيرة في الساحة السياسية والإعلامية الجزائرية، وأعاد النقاش حول قضية حقوق الإنسان وحريات التعبير في البلاد.
الواقعة التي أثارت موجة من الغموض والقلق، حيث اختفى الصحفي والإعلامي الجزائري المعارض هشام عبود أثناء سفره من فرنسا إلى إسبانيا مساء الخميس 17 أكتوبر 2024، وهو ما أثار موجة من القلق والاستنكار في الأوساط الإعلامية والحقوقية الجزائرية. عبود، المعروف بمواقفه الناقدة للنظام العسكري الجزائري، اختفى مباشرة بعد بثه لآخر فيديو في قناته على « يوتيوب » يتحدث فيه عن محاولات استهدافه من قبل جهاز المخابرات، ما جعل العديد من المتابعين يربطون بين اختفائه المفاجئ وتورط المخابرات الجزائرية في اختطافه.
الناشط الحقوقي الجزائري أنور مالك، وهو من المقربين لهشام عبود، قال في فيديو مباشر بثه مساء السبت على قناته على يوتيوب: « كان آخر اتصال لي مع هشام عبود في مطار فرنسا مساء أول أمس الخميس، حيث أخبرني أنه في طريقه إلى إسبانيا وسيتواصل معي فور وصوله. لكن منذ ذلك الحين، انقطعت أخباره ».
وأضاف مالك أن زوجة عبود أكدت له انقطاع أخباره منذ يوم الخميس الماضي، مع إغلاق هواتفه بشكل غريب، وهو أمر غير معتاد من عبود المعروف بالتواصل المستمر، حسب تعبير أنور الذي تجمعه بهشام علاقة صداقة منذ 20 عاما.
خلفية عن هشام عبود
هشام عبود هو صحفي ومعارض سياسي جزائري معروف بانتقاداته الحادة للنظام الجزائري وللمؤسسة العسكرية الحاكمة. عبود عمل لسنوات طويلة في الصحافة الجزائرية قبل أن يدخل في مسار المعارضة السياسية، حيث أصدر عدة كتب ومقالات تنتقد سياسات الدولة، خصوصاً ما يتعلق بالفساد في المؤسسة العسكرية وبالانتهاكات الحقوقية.
في فترة التسعينيات، اعتقل عبود بسبب آرائه السياسية، ثم أُفرج عنه بعد فترة، لكنه استمر في معارضته للنظام. في السنوات الأخيرة، ازداد نشاطه في الخارج حيث أسس وسائل إعلام مستقلة تركز على قضايا الفساد وسوء الإدارة في الجزائر، مما جعله في مواجهة مباشرة مع السلطة.
تفاصيل الاختطاف
بحسب التقارير، تم اختطاف هشام عبود في أكتوبر 2023 بعد عودته إلى الجزائر، وذلك بعد أن قضى سنوات في المنفى بفرنسا. ويُعتقد أن المخابرات الجزائرية كانت وراء هذا الاختطاف، حيث لم تُعلن السلطات بشكل رسمي عن تفاصيل الاعتقال أو أسبابه، ولم تصدر أي تهم قانونية ضده. لكن اختفاء عبود المفاجئ يُفسر من قبل العديد من المراقبين على أنه عملية انتقام من قبل الدولة الجزائرية ضد معارض شرس لطالما شكل مصدر إزعاج لها بسبب انتقاداته اللاذعة.
تقارير حقوقية وإعلامية تؤكد أن هذه الحادثة تأتي في إطار حملة قمعية أوسع تشنها السلطات الجزائرية ضد الصحفيين والمعارضين السياسيين، حيث شهدت السنوات الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في الاعتقالات والمحاكمات التي تستهدف الأصوات الناقدة.
ردود الفعل
أثارت قضية اختطاف عبود استياءً واسعاً بين منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “العفو الدولية”، اللتين أعربتا عن قلقهما البالغ إزاء تدهور حالة حقوق الإنسان في الجزائر. ودعت المنظمات السلطات الجزائرية إلى الكشف عن مصير عبود وضمان حقوقه القانونية.
على الصعيد الدولي، لم تصدر ردود فعل قوية من قبل الحكومات الأجنبية، وهو ما اعتبره البعض دليلاً على التزام الدول الغربية بسياسات براغماتية في التعامل مع الأنظمة غير الديمقراطية في المنطقة، بما في ذلك الجزائر.
السياق السياسي
يأتي هذا الاختطاف في وقت تشهد فيه الجزائر توتراً سياسياً داخلياً، خصوصاً بعد الحراك الشعبي الذي انطلق في 2019 للمطالبة بإصلاحات سياسية واسعة وإنهاء هيمنة الجيش على الحياة السياسية. ورغم أن الحراك حقق بعض المكاسب، إلا أن النظام الجزائري نجح في احتواءه بشكل تدريجي، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية في 2020 التي أعادت عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم.
اختطاف هشام عبود يعكس الوضع المعقد الذي تعيشه الجزائر من حيث الحريات السياسية وحقوق الإنسان. فهو ليس فقط حادثة فردية، بل هو جزء من نمط أوسع من التضييق على المعارضة وتكميم الأفواه، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول مستقبل الديمقراطية وحرية التعبير في البلاد.