عرض ستافان دي ميستورا، المبعوث الأممي الخاص إلى الصحراء المغربية، على مجلس الأمن الدولي، الأربعاء مشروعا لتقسيم هذه المنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو الانفصالية، وهي خطوة أثارت استغرابا كبيرا وردود فعل رافضة خصوصا من الرباط.
أثار مقترح المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، الاستغراب، حيث أعاد اقتراح حل مرفوض يقسم الصحراء بين المغرب وبوليساريو، كحل للنزاع.
ويبدو المقترح غير جدي وهو موقف كثيرا ما يتكرر مع أغلب المبعوثين الدوليين خاصة مع اقتراب نهاية مهمتهم، حيث يعرضون مقترحا غير واقعي ومثير للجدل.
ويرفض المغرب أي فكرة للحل تخرج عن مبادرة الحكم الذاتي، وهو ما أكده العاهل المغربي الملك محمد السادس قبل أيام عند افتتاح السنة التشريعية قبل أسبوع، عندما أوضح أن “الدينامكية الإيجابية، التي تعرفها مسألة الصحراء المغربية، والتي ترتكز على ترسيخ سيادة المغرب على ترابه، وعلى توسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي”.
ويقول مراقبون إن المبعوث الأممي الخاص الذي عيّن في منصبه في أكتوبر 2021، وسافر إلى المنطقة (الصحراء المغربية)، مرات عدة، لم ينجح في استئناف العملية السياسية، كما لم ينجح حتى الآن في إقناع الجزائر بالعودة إلى طاولة المفاوضات بصيغة الموائد المستديرة التي ترفضها، في محاولة للتهرّب من مسؤوليتها في النزاع المفتعل.
وكشف ستافان دي ميستورا، في إحاطته أمام مجلس الأمن أنه اقترح على أطراف النزاع تقسيم المنطقة ما بين المغرب وبوليساريو، كحل للنزاع.
وأورد الدبلوماسي الإيطالي أن التقسيم “قد يسمح بإنشاء دولة مستقلة في الجزء الجنوبي (من الصحراء) من ناحية، ومن ناحية أخرى دمج بقية المنطقة كجزء من المغرب، مع الاعتراف بسيادته عليها دوليًا”.
وأكد دي ميستورا في الإحاطة أن المغرب وجبهة بوليساريو لم يقبلا الاقتراح، الذي يمكن حسب زعمه، أن يحقق مطلبي طرفي النزاع: السيادة بالنسبة للمغرب، و”تقرير المصير والاستقلال” بالنسبة لجبهة بوليساريو، مشددا في إحاطته، “أعتقد أن المقترح كان جديراً بتقديمه، وقد كنت مستعداً للعمل عليه لكن الطرفين (المغرب/البوليساريو) رفضاه، وقد كان من مسؤوليتي إخبار مجلس الأمن بذلك اليوم”.
وكان المبعوث الأممي السابق جيمس بيكر، قد طرح فكرة التقسيم تحت اسم الحل الثالث، سنة 2001، تمنح الرباط السيادة على الثلثين الشمالي والأوسط، في حين تحظى “بوليساريو” بالثلث الجنوبي، حيث رفض المغرب المقترح، وفق ما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الأسبق، كوفي عنان، في 19 فبراير 2002، في الوقت الذي تؤكد فيه الوثيقة نفسها أن الجزائر وجبهة بوليساريو وافقتا رسميا على المقترح.
وأكد محمد الطيار، الباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمنية، أن “المقترح الذي جاء به دي ميستورا، ليس له تفسير سوى أن الأمم المتحدة وصلت إلى طريق مسدود في قضية النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، كما حدث لها أواخر عقد التسعينات، بعد أن تأكدت من استحالة تنظيم الاستفتاء، وفشل مقترحات جيمس بيكر الذي طرح هو أيضا فكرة التقسيم ورفضها المغرب حينها بشكل صريح، ولم يسعف الأمم المتحدة غير المغرب الذي طرح مقترح الحكم الذاتي سنة 2007 لتبدأ مسار جديد من العملية السياسية”.
المقترح يبدو غير جدي وهو موقف كثيرا ما يتكرر مع أغلب المبعوثين الدوليين خاصة مع اقتراب نهاية مهمتهم
واعتبر في تصريح لـه، أن “مقترح دي مستورا يجب أن يعجل بانسحاب الشق العسكري المتبقي من المينورسو، إذ أن بوليساريو تنصلت من الاتفاق الموقع سنة 1991، ولا تلتزم بوقف إطلاق النار، والجزائر الطرف الأول والأساسي في النزاع ترفض الجلوس للحوار المباشر، والمغرب يرفض بتاتا التنازل عن شبر واحد من إقليم الصحراء، فقد حسم ميدانيا النزاع لمصلحته، وهو يمارس سيطرته الكاملة على الإقليم، ووصل عدد قنصليات الدول المفتوحة في مدينتي العيون والداخلة إلى 30 قنصلية، ويستعد حاليا لإنهاء وضع المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني”.
وسبق للسفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة بنيويورك، عمر هلال، أن أكد في يونيو 2023، أنه “إذا كانت هناك دولة اقترحت تقسيم الصحراء، فهي الجزائر في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عندما تحدث مع المبعوث الخاص جيمس بيكر سنة 2002، وأن المملكة ترفض ذلك لأن أراضي الصحراء واحدة والشعب هناك واحد ولا تقبل المملكة أن تُنتزع الصحراء من أراضيها”.
وأفاد نوفل بوعمري، المحلل السياسي المهتم بملف الصحراء المغربية، أن “دي ميستورا وضع فكرة التقسيم في سياقها المرتبط بالجولات التي كان يقوم بها، وقد أشار إلى رفضها في إبانه من طرف المغرب، وعاد في إحاطته إلى الحديث عن مبادرة الحكم الذاتي”.
دي ميستورا لم ينجح حتى الآن في إقناع الجزائر بالعودة إلى طاولة المفاوضات بصيغة الموائد المستديرة التي ترفضها في محاولة للتهرّب من مسؤوليتها في النزاع المفتعل
ولفت بوعمري، في تصريح لـه، أنه “لو كان مقترح التقسيم جديا ومطروحا لكان غوتيريش تطرق إليه في تقريره الذي تقدم به للمجلس ولكان قد أعلن وفاة مبادرة الحكم الذاتي وتغير المسار السياسي وهو ما لم يحصل في التقرير”.
وبعد ثلاث سنوات من مهمته التي لم يحرز فيها أي تقدم، قال دي ميستورا إن الأمين العام للأمم المتحدة يجب أن يعيد النظر في جدوى دوره كمبعوث إذا لم يتم تحقيق أي تقدم في غضون ستة أشهر.
وأورد المبعوث الأممي في حديثه عن الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، أن “خطة الحكم الذاتي المغربية التي ظهر أنها تكسب زخماً كبيراً، تدفعنا إلى ضرورة فهم كبير لها وكيفية تطبيقها”، معتبرا أن “الوقت قد حان لاستكشاف الطرق التي يتصورها المغرب بشكل ملموس. ولكي يتم هذا الاستكشاف، فمن الضروري أن يقدم المغرب تفاصيل رؤيته، وأشعر بالارتياح في هذا الصدد خلال مشاورتي الفردية مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الشهر الماضي، حيث تفهم المغرب ضرورة شرح وتوسيع مقترح الحكم الذاتي”.
وأصدر أنطونيو غوتيريش، الخميس، تقريره السنوي حول الصحراء المغربية، الذي يوصي فيه مجلس الأمن الدولي بتمديد مهمة المينورسو لمدة 12 شهرا، إلى غاية 31 أكتوبر 2025.
كما يتناول التقرير الجوانب الأمنية المتعلقة بعمل المينورسو، لاسيما أنشطتها المدنية والتحديات التي تواجهها في تنفيذ مهمتها، ويتطرق التقرير، كذلك إلى قضية حقوق الإنسان، مستعرضا المساعدات المقدمة للسكان المحتجزين في مخيمات تندوف، فضلا عن حماية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، وانتهاكات الحقوق والحريات الأساسية في المخيمات.
ومن المنتظر أن يعقد مجلس الأمن اجتماعا، يوم 30 أكتوبر الجاري، من أجل اعتماد القرار الجديد بشأن الصحراء المغربية، والذي ستقدمه الولايات المتحدة، التي تشرف على صياغة هذا القرار.