دي ميستورا المنقطع عن الواقع يدعم مقترحا قديما لحل نزاع الصحراء

عرض مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية ستافان دي ميستورا على مجلس الأمن الدولي خلال جلسة مغلقة مساء الأربعاء مشروعا منسيا يعود لسنة 2002 أثير حينها وعبرت الجزائر وبوليساريو عن استعداداتهما لمناقشته ورفضته الرباط، يقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والجبهة الانفصالية إلى جنوب وشمال.

ويشير هذا الموقف لحالة الارتباك والانقطاع التام عن الواقع من قبل المبعوث الأممي وعدم الوعي بحقيقة النجاحات الدبلوماسية المغربية في الحصول على اعتراف العديد من الدول بمغربية الصحراء و بمبادرة الحكم الذاتي لإنهاء النزاع المفتعل.
ويعتقد أن مقترح دي مستورا الذي تجاوزه الزمن لن يجد اذانا صاغية لدى الدول التي باتت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي هي الأمثل لإيجاد حلول للنزاع المفتعل.
وخلال هذه الجلسة المغلقة، قال المبعوث الأممي بحسب محضر الجلسة “لقد قمتُ، بسريّة تامّة، باستئناف وإعادة إحياء مفهوم تقسيم الإقليم مع جميع الأطراف المعنية”.
ولم تُنشر تصريحات دي ميستورا خلال جلسة مجلس الأمن، لكنّها وردت في محضر الجلسة.
وأوضح الدبلوماسي السويدي-الإيطالي البالغ من العمر 77 عاما أنّ مشروع “التقسيم” هذا “من شأنه أن يتيح، من ناحية، إنشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي، ومن ناحية أخرى، دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب يتم الاعتراف بسيادته عليه دوليا”.
لكن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حذّر من أنّه “لا الرباط ولا جبهة بوليساريو” أبدتا أدنى “مؤشر على استعداد” أيّ منهما للمضي قدما في التباحث بشأن هذا المقترح، مبديا “أسفه” لهذا الأمر.
وقال ممثل بوليساريو لدى الأمم المتحدة سيدي عمر على موقع إكس، إن الحركة “تؤكد بقوة رفضها التام والقاطع لأي مقترحات أو مبادرات”.
ويضيع المبعوث الاممي جهودا في احياء مبادرة تعود لأكثر من عقدين رفضت ليس فقط من قبل المغرب ولكن من قبل البوليساريو كذلك.
ويرى خبراء أن مقترح ديمستورا يكشف جهلا بالتاريخ إضافة لعدم القدرة على الالمام بالواقع مع اعتراف دول مثل الولايات المتحدة واسبانيا وفرنسا بمغربية الصحراء.
وقال محسن الندوي، الأستاذ الجامعي ورئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، في تصريح لموقع ” مدار21″ المغربي أن دي ميستورا يريد أن يبدي انطباعاً دولياً وتاريخياً لشخصه وصفته الأممية بأنه يفكر خارج الصندوق ويأتي بحلول غير مبتكرة لحل القضية.
وأوضح أنه تارة يتوجه إلى جنوب إفريقيا رغم أنها ليست من الأطراف المسموح لها الجلوس والتفاوض في مائدة مستديرة حول القضية، وتارة يقترح تقسيم الصحراء إلى قسمين شمالي وجنوبي.
وبين “أن هذا المقترح ليس بجديد وليس من ابتكار دي ميستورا، وإنما ورد نفس المقترح في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الحالة في الصحراء الصادر بتاريخ 19 فبراير 2002، والذي أفاد بأن الجزائر وجبهة بوليساريو مستعدتان للمناقشة والتفاوض حول تقسيم الإقليم كحل سياسي للنزاع على الصحراء، وذلك تبعاً للقاء الذي جمع جيمس بيكر ببوتفليقة خلال زيارة قام بها هذا الأخير لهيوستن بالولايات المتحدة في 2 نوفمبر 2001”.
وشدد على “أن هناك احتمالين إما أن دي ميستورا غير مطلع جيداً على وثائق القضية على المستوى التاريخي أو أن هناك بالون اختبار لجس النبض لمخطط تقسيم المناطق في شمال إفريقيا”.
وطالب بضرورة أن تتسلح الدبلوماسية المغربية الرسمية وغير الرسمية، في جميع الأحوال، بالكثير من اليقظة والحذر عند التعامل أو الحديث أو اللقاءات حول هذا الملف.
من جانبه أفاد سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بفاس “مقترح المبعوث الأممي ولد ميتاً، لأن الأمر لا يتعلق بنزاع حدودي بين كيانين لكي يتم تقسيم المنطقة بينهما، بل هو نزاع له أبعاد جيوسياسية حيوية بالنسبة للمغرب، بالإضافة إلى أسسه التاريخية والقانونية”.
وأضاف “لن تكون مثل هذه الخيارات محلاً للنقاش أو المفاوضات مؤكدا أنه سبق للمبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر أن طرح خيار التقسيم ضمن خيارات أربعة، لكنه لم يحظَ بأي نقاش أو اهتمام.
وتقع الصحراء المغربية على ساحل المحيط الأطلسي ويحدّها المغرب وموريتانيا والجزائر وتعتبرها الأمم المتحدة من “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.
وفي مطلع أغسطس الماضي أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “قلق عميق” إزاء تدهور الوضع في الصحراء المغربية، وذلك في تقرير أعدّه حول هذه المنطقة بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعيا إلى “تجنّب أيّ تصعيد إضافي”.
وجاء التقرير على خلفية تنفيذ ميليشيات بوليساريو لأعمال عدائية استهدفت مناطق مدنية بما في ذلك استهداف مدينة السمارة بمقذوفات سقطت إحداها قرب مكتب تابع للبعثة الأممية.
وكتب غوتيريش أن “استمرار الأعمال العدائية وغياب وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة بوليساريو يمثّلان انتكاسة واضحة في البحث عن حلّ سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد”.
وهذا التقرير الذي يغطي الفترة من 1 يوليو 2023 لغاية 30 يونيو 2024، أُعدّ قبل أن تعلن فرنسا في نهاية يوليو تأييدها الخطة التي اقترحها المغرب لمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا باعتبارها “الأساس الوحيد” لحلّ النزاع.
وأثار قرار باريس غضب الجزائر التي تدعم بوليساريو في هذا النزاع. والصحراء المغربية غنية بالأسماك والفوسفات ولها إمكانات اقتصادية كبيرة.
وفي قراره الأخير الصادر في أكتوبر 2023، دعا مجلس الأمن الدولي أطراف النزاع إلى استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى “حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين.
وبعد نحو 30 عاما من وقف إطلاق النار، تعمّق التوتر بين الجزائر والمغرب منذ اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على كامل الإقليم أواخر العام 2020، في مقابل تطبيع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل.
وعُيّن دي ميستورا في منصبه في أكتوبر 2021، وسافر إلى المنطقة مرات عدة للقاء مختلف أطراف هذا النزاع، لكن من دون أن ينجح في استئناف العملية السياسية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: