في اعتراف دولي بمساهماته الفكرية والثقافية، تم توشيح الكاتب والأنثروبولوجي المغربي فوزي الصقلي مساء امس الأربعاء بمدينة بروكسيل بالميدالية الذهبية للنهضة الفرنسية، وهي واحدة من أرفع الأوسمة التي تُمنح تقديرًا للشخصيات التي ساهمت في إشعاع القيم الثقافية والإنسانية. يأتي هذا التكريم ليُسلط الضوء على مسيرة الصقلي الغنية بالعمل في مجالات الحوار بين الثقافات والأديان، ودوره البارز في تعزيز قيم التسامح والتعايش من خلال الفن والثقافة.
فوزي الصقلي: مسيرة فكرية وإنسانية متفردة
يُعد فوزي الصقلي، المولود عام 1953، من أبرز الشخصيات المغربية في ميدان الأنثروبولوجيا والدراسات الروحية، حيث كرّس حياته لدراسة التصوف الإسلامي والموروث الثقافي والروحي المرتبط به. حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا وعلوم الأديان من مدرسة الدراسات العليا التطبيقية في باريس. منذ بداية مسيرته، سعى الصقلي إلى بناء جسور بين الحضارات المختلفة، مع التركيز على الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الروحانيات في تقريب الشعوب والثقافات.
إلى جانب عمله الأكاديمي، اشتهر الصقلي بتأسيس مهرجان فاس للموسيقى الروحية سنة 1994، والذي أضحى منبرًا عالميًا للتبادل الثقافي والروحي، حيث يلتقي فنانون ومفكرون من مختلف أنحاء العالم للاحتفاء بالقيم المشتركة بين الأديان والثقافات. لا يقتصر المهرجان على العروض الموسيقية، بل يشمل ندوات وحوارات فكرية، ما يعزز دوره كمنصة للحوار والتعايش.
دوره الريادي في تعزيز الحوار بين الثقافات
لا يمكن الحديث عن فوزي الصقلي دون الإشارة إلى إسهاماته الجليّة في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات. كرّس الصقلي جزءًا كبيرًا من حياته للدعوة إلى التفاهم المتبادل بين الأديان، خاصة في ظل عالم يشهد تحديات متزايدة فيما يتعلق بالتعايش والاندماج. من خلال مؤلفاته وأبحاثه، مثل كتاب الصوفي والدرويش والكنز المخفي، يحاول الصقلي إبراز العمق الروحي للإسلام والتصوف كدعوة للسلام الداخلي والخارجي.
هذا الالتزام الثابت بالتقارب بين الشعوب والثقافات أكسبه احترامًا واسعًا، ليس فقط في المغرب، ولكن على المستوى الدولي. وقد تم تكريمه بعدة جوائز ووسامات، كان آخرها الميدالية الذهبية للنهضة الفرنسية، التي تأتي تكريمًا لعمله المتواصل في خدمة الإنسانية والروحانية.
الميدالية الذهبية للنهضة الفرنسية: تقدير عالمي مستحق
تمثل الميدالية الذهبية للنهضة الفرنسية واحدة من أعلى الأوسمة التي تُمنح للأشخاص الذين ساهموا بشكل كبير في إشعاع القيم الثقافية والفكرية التي تتبناها الجمهورية الفرنسية. ويعد توشيح فوزي الصقلي بهذه الميدالية اعترافًا بجهوده في تعزيز قيم التسامح والحوار بين الأديان، وفي نشر الثقافة المغربية وروحانيتها عبر العالم.
تُمنح هذه الميدالية لأولئك الذين أسهموا في إثراء الفكر والثقافة، أو الذين قاموا بأعمال متميزة على الصعيد الإنساني والاجتماعي. ويعتبر توشيح الصقلي بهذه الميدالية تأكيدًا على الأهمية العالمية التي اكتسبها عمله، وعلى دوره في نشر قيم السلام والتسامح.
رسالة الصقلي في عالم متغير
في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا في التوترات العرقية والدينية، تبرز مسيرة فوزي الصقلي كرسالة أمل في إمكانية بناء جسور الفهم المتبادل. من خلال المهرجانات التي ينظمها، ومؤلفاته الفكرية، وسعيه الدؤوب لتقريب الشعوب والثقافات، يدعو الصقلي إلى حوار حضاري يعتمد على القيم الإنسانية المشتركة.
يمثل توشيح الصقلي بهذه الميدالية الذهبية محطة مهمة في مسيرته، ولكنها ليست نهاية الرحلة. فلا يزال أمامه الكثير من المشاريع الطموحة، سواء من خلال تطوير مهرجان فاس للموسيقى الروحية أو عبر أعماله الفكرية الجديدة، التي تهدف إلى مواجهة التحديات التي يطرحها العالم الحديث فيما يتعلق بالتعايش والحوار بين الثقافات.
يعد تكريم فوزي الصقلي بالميدالية الذهبية للنهضة الفرنسية اعترافًا مستحقًا بمسيرته الطويلة في خدمة الثقافة والسلام والحوار بين الأديان. إن أعماله ومساهماته الفكرية تبقى شاهدة على إيمانه العميق بأهمية الحوار والتفاهم بين البشر، وفي أن الفن والثقافة يمكن أن يكونا جسرًا يوحد الشعوب، مهما كانت اختلافاتها.