أكد مرصد العمل الحكومي، التابع لمركز الحياة لتنمية المجتمع المدني في المغرب، أن من بين أبرز التحديات التي تواجه حكومة عزيز أخنوش في عامها الرابع قضية إصلاح نظام التقاعد الذي يواجه خطر الإفلاس بحلول عام 2028، كما أن الفساد أحد أبرز التحديات حيث أن كلفة الفساد في المغرب تتجاوز 50 مليار درهم سنويًا، ما يعوق النمو الاقتصادي ويؤثر على تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وكشف المرصد في تقرير بعنوان “أهداف طموحة وتحديات مقلقة”، أن الفساد وصل إلى مستويات خطيرة ما يشكل نزيفا حقيقيا لموارد الدولة، فضلا عن انخفاض ترتيب المغرب في مؤشر إدراك الفساد من المرتبة 73 إلى المرتبة 97 عالميا في غضون خمس سنوات، ما يعكس انتشارا متزايدا للفساد في مختلف القطاعات وضعف الجهود الرامية إلى محاربته.
وأفاد المرصد أن حكومة أخنوش لم تتمكن حتى الآن من تقديم تصور واضح لمواجهة الفساد والحد من تداعياته، بل على العكس من ذلك، وحسب الهيئة الوطنية للنزاهة فإن المؤسسات الحكومية والإدارية لا تنخرط بالشكل المطلوب في تفعيل إستراتيجية محاربة الفساد، مع عدم تنفيذ التوصيات، ما يُفاقم من انتشار الفساد ويُضعف من فاعلية السياسات الرامية إلى تحسين الحوكمة.
وفي خطو للدفاع عن توجهات الحكومة، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن محاربة الفساد هي انشغال كبير لدى الحكومة التي اشتغلت على الموضوع بعمق ومنذ أن تم تنصيبها، مذكرا بأن حجم المتابعات تزايد، مما يؤكد حرصها على متابعة أي مس بالمال العام أو أي مظهر من مظاهر الفساد.
ورغم محاولات الحكومة لمكافحة الفساد، فإن مرصد العمل الحكومي، أشار إلى غياب الالتزام واضح من المؤسسات الحكومية والإدارية بتنفيذ التدابير المتفق عليها في إطار إستراتيجية محاربة الفساد، محذرا من أن هذا الفشل في التصدي للظاهرة، سيستمر في إضعاف الثقة بين المواطنين والدولة، ما قد يعرقل جهود الحكومة في جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية.
وفي الإطار ذاته، أكد المرصد أن ملف إصلاح التقاعد في المغرب يشكل أزمة معقدة تتطلب حلولا عاجلة ومستدامة، حيث يواجه نظام المعاشات المدنية خطر الإفلاس بحلول سنة 2028، إذ من المتوقع أن يستنفد هذا النظام كامل احتياطاته، مما سيجبر الدولة على ضخ ما يقرب من 14 مليار درهم سنويا للحفاظ على استمرارية صرف المعاشات لفائدة المتقاعدين.
وكانت الحكومة قد بدأت سنة 2016 إصلاحا مقياسيا لأنظمة التقاعد، يرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية هي؛ الزيادة في قيمة الاشتراكات، والزيادة في سن التقاعد إلى 65 سنة، وخفض قيمة المعاشات. وهذا التوجه يعني حسب المرصد، أن العمال والموظفين العموميين سيتحملون بشكل شبه كامل عبء تكاليف هذا الإصلاح.
وأكد إدريس الفينا، الخبير الاقتصادي، أن “الصندوق المغربي للتقاعد مبني على التوزيع، وأي نقصان في قاعدة المنخرطين يعرضه للإفلاس، وأي زيادة من شأنها إطالة أمد حياته”.
الصندوق المغربي للتقاعد مبني على التوزيع، وأي نقصان في قاعدة المنخرطين يعرضه للإفلاس، وأي زيادة من شأنها إطالة أمد حياته
وأضاف أن “الخيار الحكومي موفق، لكنه لا يكفي”،لافتا أن “سؤال الحوكمة هو النقاش الحقيقي الذي يجب أن يفتح، فالصندوق يلزمه تدبير جيد”.
وتعرف التوازنات المالية لأنظمة التقاعد مجموعة من الإخلالات، خصوصا الصندوق المغربي للتقاعد الذي يعاني أكثر، بالنظر إلى طريقة احتساب المعاش والمقاييس التي يعتمدها، حيث لاحظ المرصد أن ما يزيد من تعقيد هذا الملف عدم التوافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، ويبقى هذا الإصلاح برنامجا شائكا وحساسا يفرض على الحكومة التعامل بحذر وتقديم تنازلات تضمن استدامة النظام دون تحميل العاملين وحدهم كلفة الإصلاح.
وتصاعدت الدعوات لإصلاح التقاعد بالمغرب، خصوصا بعد التصريحات التي أطلقتها نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية في مجلس النواب، بشأن مباشرة إصلاح هذا البرنامج مع بداية سنة 2024، وسط ظرفية صعبة واحتقان في عدد من القطاعات الحكومية، ما يضاعف التحديات أمام الحكومة رغم رغبتها في إصلاح هذا الملف الذي لا يحتمل التأجيل.
ولمواجهة خطر نفاذ السيولة الذي يتهدد أنظمة التقاعد في غضون السنوات المقبلة، تتجه الحكومة ضمن السيناريوهات المقترحة لإصلاح الصناديق المهددة بالإفلاس، إلى مراجعة العديد من الإجراءات في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة.
ولا يزال الوضع المالي لأنظمة المعاش والتقاعد الأساسي صعبا، حسب تقرير حديث للبنك المركزي المغربي، الذي أكد أن تطبيق القرارات المتعلقة بزيادة الرواتب التي تم اتخاذها خلال دورة الحوار الاجتماعي الأخير (29 أبريل 2024) من شأنه أن يؤجل قليلا استنفاد احتياطيات نظامي (الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد)، لكن دون ضمان استمراريتها على المدى الطويل.
ويرى محللون اقتصاديون، أن الجفاف وارتفاع نسبة التضخم والمطالب الاجتماعية لتحسين الأجور، عوامل ستزيد من حجم الضغط على ملف إصلاح التقاعد، مشددين على أن أطراف الحوار الاجتماعي الحكومة والنقابات وأرباب الشركات، من المفروض أن تتوصل إلى صيغة توافقية ومقبولة تسمح بإجراء الإصلاح.
وأوصى تقرير البنك المركزي المغربي، أنه مِن الضروري تنفيذ إصلاح منهجي ونسَقي لهذا القطاع، من خلال إدخال نظام من مستويين (عمومي وخاص)، والذي تم وضع المبادئ التوجيهية الإستراتيجية له في اتفاق الحوار الاجتماعي، مشددا أنه ينبغي أن يتيح هذا الإصلاح إدخال نظام تَعرِفَة لأنظمة التقاعد قادر على استيعاب جزء كبير من التزاماتها السابقة غير المغطاة.