اشتداد القمع في الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية
بعد أن اضطر إلى تسليط الضوء على التزوير الانتخابي الذي ضمن لعبدالمجيد تبون ولاية ثانية على رأس الدولة الجزائرية، يبدو أن النظام الحاكم ينتقم من الأشخاص الذين تبرأوا منه في أكثر من مناسبة.
وزاد حجم الترهيب والاعتقالات، حيث طالبت السلطة بتسليم المعارضين في الخارج وحظر جميع أنشطة أحزاب المعارضة القليلة التي تحاول البقاء.
وبعد أيام قليلة على تنصيب تبون رئيسا للجمهورية، كان ملعب الدويرة في الضواحي الجنوبية للعاصمة الجزائر مسرحا لاشتباكات عنيفة بين شرطة مكافحة الشغب ومشجعي نادي المولودية، النادي الأكثر شعبية في الجزائر، وهو أقدم ناد في الجزائر، تأسس عام 1921، قبل فترة طويلة من ظهور أول حزب سياسي للحركة الوطنية، حزب الشعب الجزائري، الذي طالب باستقلال البلاد.
وقبل مباراة إياب الدور التمهيدي الثاني لدوري أبطال أفريقيا أمام الاتحاد المنستيري التونسي، عاش النادي الجزائري كابوسا حقيقيا في ملعبه الجديد الذي يحمل الاسم الرمزي لأحد أبطال حرب التحرير علي عمار. المعروف باسم علي لابوانت.
وفي عصر بيع التذاكر عبر الإنترنت، كان على مشجعي أقدم ناد جزائري أن يتحملوا جحيم الطوابير الطويلة والتدافع في مكتب بيع التذاكر في ملعب 5 يوليو في الشراقة، ولم يتخيلوا أبدا الأسوأ الذي ينتظرهم في يوم المباراة.
السلطات الجزائرية لم تتخذ أي إجراءات لمعاقبة رجال الدرك المسؤولين عن العنف في ملعب 5 يوليو ولم تأمر بإجراء أي تحقيق
وأمام 50 ألف متفرج، قرر المنظمون فتح باب واحد فقط. كان هذا كافيا للجماهير، التي جاءت للاحتفال مع التيفوس والأعلام واللافتات والأوريفلامز، للجلوس وتدوين الملاحظات.
وطالبوا بفتح أبواب أخرى. وعندما تم تجاهل طلباتهم، بدأ المتظاهرون في ترديد شعارات سياسية ضد الحكومة، مرددين “دولة مدنية وليست دولة عسكرية”. وكان رد فعل قوات الدرك فوريا وتم ضرب المشجعين.
وتظهر المشاهد التي صورها الهواة صورا مرعبة. ولاحظوا أن “حتى الجنود الإسرائيليين لا يتعاملون بالعنف والقسوة تجاه الفلسطينيين كما كان الدرك الجزائري تجاه أتباع مولودية الجزائر”.
وأسفرت المشاجرات خارج الملعب عن مقتل شاب عشريني وأكثر من مئة إصابة و14 اعتقالا.
وكانت تلك مجرد الجولة الأولى من القمع العنيف الذي لا يمكن تفسيره. وستقام الجولة الثانية في نهاية المباراة داخل الملعب. وبينما كان الوقت ينفد في مباراة فاز فيها مولودية الجزائر 2 – 0 ليضمن له مكانا في الدور التالي، أطلق الدرك قنابل الغاز المسيل للدموع من مدرجات الملعب. سقط ثلاثة منهم في ميدان اللعب. وكان لاعبو الفريقين والحكام وكل من كان على الميدان يبكون.
وفي المدرجات، فعل رجال الدرك أكثر من مجرد استخدام هراواتهم. ومزقوا الكراسي البلاستيكية وألقوها على اللاعبين. لقد كان كابوسا لا يوجد له تفسير.
ولم تتخذ السلطات العمومية أي إجراءات لمعاقبة رجال الدرك المسؤولين عن هذا العنف الأحمق، ولم تأمر بإجراء أي تحقيق. بل على العكس من ذلك، فرضوا عقوبات على النادي الجزائري بمباراة خلف أبواب موصدة بحجة “ضرورة الانتظار حتى تهدأ الأعصاب”.
وبالنسبة للناشطين، من أجل التصرف بشكل أكثر فعالية في صمت متواطئ، بدأت السلطات باختراق صفحة الفيسبوك الخاصة باللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين (CNLD). وتنشر هذه الصفحة بانتظام أخبار الاعتقالات وأحكام السجن التي تصدرها المحاكم الجزائرية في جميع أنحاء البلاد. ومن الطبيعي أن الصحافة الجزائرية، الخاصة والعامة، لم تنبس ببنت شفة عن هذه الأمور.
المشاجرات خارج الملعب أسفرت عن مقتل شاب عشريني وأكثر من مئة إصابة و14 اعتقالا
وبالتالي، لن يُعرف أي شيء عن المسلحين الذين اختطفتهم أو اعتقلتهم قوات الأمن. فقط عدد قليل من الأصوات، قبل قليل من اعتقالهم، يمكنهم نشر رسائل على شبكات التواصل الاجتماعي حول ما يمكن أن يحدث لهم. وهكذا علمنا بسجن “امرأة الصحراء الشجاعة” عبلة الكماري، قبل أن يتم اعتقالها من قبل عناصر الشرطة في مكان عملها يوم السابع والعشرين من سبتمبر الماضي.
وكان قاضي التحقيق بمحكمة تقرت قد أمر بتغيير إشرافه القضائي إلى السجن الاحتياطي. وعبلة الكماري متهمة بـ”الاعتذار عن الإرهاب” لأنها استنكرت الوضع الهش والبائس الذي يعيشه سكان المنطقة الجنوبية من البلاد، التي تغذي الجزائر بنفطها وغازها ومعادن الحديد والذهب.
في الوقت نفسه، في جبال القبائل، ظهرت في الخامس عشر من سبتمبر الماضي أربع سيارات رباعية الدفع تابعة للدرك، في قرية وافية.
وقالت شابة ترفض الخضوع للظلم، على حد زعمها، “قام رجال الدرك بتفتيش منزلي”. وكتبت على صفحتها في فيسبوك “لقد كسروا باب غرفتي وقاموا بتفتيشه غرفة غرفة”.
ولا تزال جميلة بنتويس، التي حُكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة تأليف أغنية مخصصة لـ “الحراك”، تقضي عقوبتها. ولم يستمع النظام الجزائري إلى نداء خبراء الأمم المتحدة الذين طالبوا المحاكم الجزائرية بإلغاء حكم السجن لمدة ثلاث سنوات.
وجميلة ليست الوحيدة التي دخلت السجن بسبب أغنية لا تروق للحكام. قبلها بوقت طويل، قضى مغني الراب بلال هميلة، الملقب بـ “بلال دوبل كانون”، وقتا خلف القضبان. وبعد قضاء مدة عقوبته، غادر البلاد، مثل الآلاف من الشباب الآخرين، على متن قارب لطلب اللجوء في إسبانيا، حيث يعيش حاليا كلاجئ سياسي.
وتم يوم الاثنين الثلاثين من سبتمبر، اعتقال وسجن الشاب جنادي أحمد كامل، الملقب بـ”DAK”، مغني الراب من مدينة عنابة شرق البلاد، وجريمته أغنية استنكر فيها السلطات.
وتمر الأحزاب السياسية، أو ما تبقى منها، بأوقات عصيبة للغاية. لقد عاد حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي نجا من عملية التطهير التي نفذها رئيسه السابق سعيد السعدي، والذي أفرغه من كل أسسه، إلى الوقوف على قدميه من جديد. ولكن سرعان ما تم استدعاؤه للنظام. فبعد منعها من ممارسة الأنشطة خلال الفترة الانتخابية، لا تزال تعاني من إملاءات نظام مفرط الحذر وحساس للغاية تجاه أدنى معارضة. ومنع رئيسها عثمان معزوز من تنظيم مناظرة على مسرح بجاية، مقررة يوم الخامس من أكتوبر.
وهذه ليست سوى بعض جوانب القمع الذي يتعرض له الجزائريون منذ عشرة أيام.