إفتتاح معرضاً حول “الموضة المغربية” في أوتريخت بحضور الملكة ماكسيما
المعرض يسائل الموضة في بلدان العالم الغربي، التي كانت تعتبر تقليديا رمزا للتقدم والابتكار؛ وجرى النظر إليها لسنوات عديدة كنقيض للأزياء غير الغربية”. ولهذا، قالت الجهة الراعية للفعالية إن “هذا الفهم المحدود للأزياء صار من بنات الماضي الذي انقضى بلا رجعة؛ وهو ما يقدم أكثر من 40 مبدعا دليلا عليه، عبر إعادة تعريف الموضة من وجهات نظر فريدة تعكس شغفهم بالحرف التقليدية والإبداعية في علاقتها بالمغرب”.
وإمعانا لمنح الفكرة تصور سياسي ودبلوماسي يتخطى حدود الثقافة، فقد سلمت زينب السغروشني، مؤسسة ومديرة وكالة “دار” للثقافة، الساهرة على المعرض والهولندية نينكه بلومبرغ، قيمة المعرض بمتحف سانترال بأوتريخت، نسخة من كتاب تعريفي، يتضمن محتويات العرض والفنانين المشاركين فيه، إلى الملكة الهولندية ماكسيما، التي ترأست لاحقا جولة في العرض قابلت فيها الفنانين المغاربة.
هوية.. “النحن”
زينب الشغروشني، مديرة وكالة “دار” الثقافية، بدت متحمسة للغاية وهي “تنجح”، وفق تعبيرها، في “تحفيز ملكات هائلة من الإبداع ومن القدرة على وضع فهم جديد للقيادة في أي مجال كيفما كان، بما فيه الفن”؛ مسجلة أن المعرض يحمل علامة مغربية من عنوانه (أقوال الموضة المغربية) بيد أنه لا يقدم تراثا محليا صرفا، بقدر ما يبحث عن فنانين ومصممين وحرفيين مغاربة أو هولنديين من أصول مغربية، خلخلوا النزعة إلى احتكار صكوك الفن.
وقالت السغروشني، في كلمة لهسبريس وهي تودع الملكة ماكسيما، إن “كل واحد من الـ50 فنانا وفنانة لديه طريقة حصرية في كيفية در المعنى في جذورنا، وتراثنا، وحرفنا”، معتبرة أن “المغاربة والجالية المغربية لديهم هذه القدرة على التشكيك في اليقينيات المتخفية وراء الوضع الحالي، والتي لا تشعر بأن هناك حركية ثقافية وفنية لافتة في بلدان الجنوب، بما في ذلك المملكة المغربية”.
وسجلت المتحدثة أيضا أن “العالم الغربي لم يعد يجرؤ على التصريح بأنه الوحيد الذي يمكنه تحديد ما هي “الموضة” أو ما هو “تصميم الأزياء”، أو أين تكمن جودةُ اختيار فني دون آخر. وزادت: ومن ثم، من العسر، من هذا المنطلق أيضا، التلميح إلى أن الأمر يقدم لمسة مغربية بحتة؛ فالأصل هو البحث عن هوية كونية مشتركة يكون المغاربة فاعلين فيها، ومن خلال انخراطهم في هذا النادي الشاسع هم يفصحون عن حمض نووي متفرد.
جهودنا جميعا
الهولندية نينكه بلومبرغ، القيمة على العرض بالمتحف المركزي بأوتريخت، قالت، فرحة، إن القدرة على تنزيل هذه الفكرة التي ظلت رهانا حاضرا، طيلة أكثر من ثلاث سنوات من النقاش، على أرض الواقع هو جهد يستحق الثناء، معتبرة أن تقاسم رؤية المؤسسة المتحفية مع التنظيمات التي تتقاطع معها في ما يتعلق بالفن والأزياء والموضة يساعد لتقديم منتوجات من هذا المستوى.
واعتبرت المتحدثة، في تصريحها لهسبريس، أن “هناك طاقة رهيبة تنبعث من هذه الأجواء التي نحضر فيها جميعا اليوم وبتشريف من الملكة ماكسيما”، معتبرة أن التنسيق والتعاون مع الأجيال الصاعدة من المبدعين والثقافات الأخرى هو رهان حقيقي مطروح لدينا على مستوى المتحف؛ ونحن سعداء أن نرى فنانين من المغاربة أو الجالية المغربية بدأوا مسارهم في التصميم للتو أو تخرجوا حديثا من الكليات والمعاهد ولديهم هذه القدرة غير الطبيعية على الإبداع؛ هذا دون أن نتحدث عن فنانين بارعين من طينة حسن حجاج”.
حجاج، الذي وُضعت أعماله في فضاء حيوي داخل المتحف، كما عاينت هسبريس، يتواصل مع الهولنديين ومع أفراد الجالية هذه المرة بلغة تشبههم أو تشبه الجذور التي انطلقت منها أصولهم: المملكة المغربية. إنها لغة مغربية خالصة برع فيها حجاج منذ وقت مبكر، من خلال قدرته على ضبط “اليومي” أو “الأشياء الصغيرة” وتطويعها لتكون عالما مليئا بالتضاد: المرح والجدية في الوقت نفسه؛ والمألوف يغدو “شيئا غير نمطي”.
مغاربة اليوم..
نور الدين أمير، الفنان البارز ومصمم الأزياء المغربي، قال، في تصريح له، إن “هذا المعرض يشكل قولا جديدا للفن المغربي، وهو إشعار للعالم بكامله أن المغرب ليس فلكلورا”.
وأضاف أن المغاربة عبر معارض مماثلة يفككون، وبقوة، سرديات مترسخة تحت قبعة صور نمطية غافية لدى الآخر، ومن المهم إدخال تصورات أخرى، عن الثقافة المغربية، إلى الذهن العالمي، في أية قطعة من هذه الأرض الواسعة.
أمير كان واضحا حين اعتبر أن هناك ما أسماه “مشكلة مطروحة في رؤية الآخرين لنا. فنحن لسنا بارعين فقط في صنع ‘البلغة’ و’الجلباب’ و’الطربوش’ كما يظنون؛ بل نحن بلد ناهض على كافة المستويات حتى الفنية منها”، مشددا على “ضرورة أن يستوعب الكوكب أن المغاربة يستطيعون إضفاء توقيعهم الخاص على هذا السباق السريع الذي تسير به الفنون وما ينتمي إليها في كل الأصقاع”.
ولم ينكر الفنان سعادته وهو يهدي المغاربة داخل الوطن وخارجه هذا الاعتراف، لافتا إلى أن البلد غني فنيا، كما أن ثمة انخراطا واسعا في الفنون المعاصرة طيلة سنوات، وليس وليد الآن؛ وهذا نحتاج أن نسوق له بلا أي تردد.
وختم بالقول: “كل مغربي مدعو إلى أن يساهم في نهضة بلده ونموه على كافة الأصعدة، لاسيما في المجال الثقافي، سواء في حلة تصميم الأزياء أو تحت غطاء أي شكل إبداعي. وأنا اخترت الاشتغال بالمادة”.
حري بالذكر أن أشغال الافتتاح، التي جرت مساء الأربعاء، طغت عليها أجواء مغربية صرفة عرفت حضور جماهير بالعشرات من الجالية المغربية المقيمة في هولاندا، وبحضور قائد البعثة الدبلوماسية للرباط بأمستردام السفير محمد البصري، إلى جانب شخصيات ثقافية وسياسية تمثل مملكة الأراضي المنخفضة، احتفت بالشاي المغربي وبالدقة المراكشية وبكل ما يمكن لكل فرد من جالية المملكة هناك أن يقدمه.