أزمة العجلات في الجزائر: هكذا تسبب قرار عشوائي لتبون في كبح عجلة اقتصاد «القوة الثالثة في العالم»
فيديوتسبب قرار عشوائي اتخذه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المتسم بالعناد والغطرسة، في أزمة كبيرة في في بلاد « القوة الاقتصادية الثالثة في العالم »، تمثلت في اختفاء العجلات المطاطية من الأسواق بعد قرار إيقاف استيرادها، مما أدى إلى شلل حركة النقل والمواصلات. ادعى تبون أن هذا القرار يأتي في إطار « حماية المنتج المحلي »، متجاهلًا تأثيراته على الحياة اليومية للجزائريين، وخصوصا على مهنيي نقل البضائع والمسافرين الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على تحريك حافلات وشاحنات بلا عجلات.
وجاءت تداعيات هذا القرار في وقت تعاني فيه الجزائر من أزمات متتالية في المواد الغذائية ومياه الشرب، لتنضاف إلى هذه المعاناة أزمة أخرى أدت إلى ارتفاع أسعار السلع نتيجة توقف وسائل نقل البضائع.وهكذا وجد ملايين الجزائريين الذين يشتغلون في قطاعات نقل البضائع والمسافرين والسياح، أنفسهم في مواجهة تداعيات أزمة العجلات، التي أصابت أنشطتهم المهنية خلال الشهور الأخيرة بالشلل، بعدما تآكلت عجلات مركباتهم ولم يستطيعوا العثور على أخرى بديلة، سواء كانت مستعملة أم جديدة.
وبينما كانت الجزائر تغرق في هذه الأزمة، كانت السلطات منشغلة بالانتخابات الرئاسية، غير مبالية بشكاوى المواطنين وتحذيرات المهنيين من التداعيات الخطيرة لقرار منع استيراد العجلات المطاطية.
وفي عز الحملة الانتخابية لمرشح العسكر عبد المجيد تبون، شن مواطنون جزائريون حملات كثيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنبيه صاحب القرار بفظاعة الخطأ الذي سيتسبب في شل الحركة في بلاد « القوة الضاربة »، لكن أصواتهم لم تبلغ آذان الرئيس الذي واصل خلال استعراضاته الانتخابية التباهي بجرأته من خلال إيقاف استيراد الكثير من المواد بدعوى حماية « المنتوج الوطني » من المنافسة، دون أن يدرس انعكاسات قراراته العشوائية التي لا يكتوي بنارها سوى المواطنون البسطاء.
قصة أزمة العجلات
بدأت محنة الجزائريين مع العجلات حين زار عبد المجيد تبون مصنع « إيريس » لصناعة الإطارات المطاطية في المنطقة الصناعية بولاية سطيف، عام 2022، وهو المصنع الذي سوقه الرئيس المهووس بتضخيم الأرقام على أنه « أكبر مصنع لإنتاج العجلات عربيا والثالث إفريقيا »، حيث زعم تبون حينها، أمام الكاميرات التي كانت تغطي زيارته، بأن المصنع سينتج 4 ملايين عجلة سنويا، بينما رصدت الكاميرات رئيس المصنع وهو يحاول أن يتدارك الأمر ويصحح اللبس لتبون، الذي مضى مغمض العينين في إعطاء تعليماته لإيقاف استيراد العجلات المطاطية « في سبيل حماية المنتوج الوطني ».. بينما في واقع الأمر لا يتعدى إنتاج هذا المصنع الوحيد 1.8 مليون عجلة سنويا، علما بأن جزءا كبيرا من هذا الإنتاج يُوجه إلى التصدير.
أزمة العجلات تكبح عجلة الاقتصاد
بعد شهور قليلة من تنفيذ قرار تبون، بدأت العجلات المطاطية تختفي من السوق المحلية، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل حاد. ومنذ ذلك الوقت بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بنداءات مصورة لمواطنين ومهنيين يشتكون من حالة الشلل التي أصابت أنشطتهم المهنية بسبب أزمة نقص وغلاء العجلات.
وأمام تجاهل النظام لشكاوى المواطنين، تصاعدت الانتقادات الشعبية ضد المصنع الوحيد للإطارات في الجزائر، حيث حمله المواطنون مسؤولية الأزمة المشتعلة، ما اضطر إدارته إلى نشر بيان تبرئ من خلاله نفسها من مسؤولية ارتفاع الأسعار، مكتفية بإلقاء اللوم على من وصفتهم بـ »لوبيات التوزيع » الذين يتعمدون رفع الأسعار بشكل مهول.
وعن قصد أو عن دونه، فقد تضمن بيان شركة «إيريس» معلومة فضحت الخطأ الذي وقع فيه تبون وبنى عليه قرار إيقاف الاستيراد، وهو أن الشركة لا تنتج أكثر من 1,8 مليون إطار سنويا (وليس 4 ملايين إطار كما زعم تبون)، وهو ما كشف للجزائريين عن مكمن الخلل الذي أوقع البلاد في الشلل. وأمام هذا المشهد الكاريكاتوري انفجر الجزائريون سخرية من « عمي تبون » الذي يبدو أنه يعاني من متلازمة تضخيم الأرقام، حيث بنى قراره المجحف على رقم وهمي كعادته.
ومع ذلك، لا يبدو أن الرئيس المنتشي بعهدته الثانية (رغم أنف الجزائريين) قد بلغه ما فعله قراره المخطئ هذا في شعبه. ولربما بلغه فعلا لكنه ارتآى أن يؤجله ليفتتح به عهدته الثانية، وكذلك كان.
تبون يعود عن قراره متأخرا
بعد أن تفاقمت الأزمة إلى حد غير محتمل، وفي أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد تنصيبه لولاية ثانية، عاد الرئيس تبون يوم الثلاثاء الماضي ليأمر الحكومة باستئناف استيراد العجلات المطاطية. لكنه، وكعادته، لم يعترف بخطئه بل حمّل المسؤولية لمن وصفهم بـ »لوبيات الاستيراد »، داعيا إلى محاربتهم.
وهكذا شرعت وزارة التجارة في استيراد عشرات الآلاف من العجلات المطاطية بمختلف الأحجام، بهدف تلبية حاجيات السوق الوطنية وإطفاء نار الأسعار التي يتهم الجزائريون رئيسهم بإشعالها عنوة، بينما انبرت وسائل الإعلام المسخرة من طرف النظام إلى تلميع صورته من خلال إيهام الجزائريين بانفراج أزمة العجلات « بفضل تدخل الرئيس »!
الواقع أن هذه الأزمة قد كشفت للجزائريين بما لا يدع مجالا للشك أن كل القرارات غير مدروسة التي اتخذها تبون وسيتخذها مستقبلا، ليست في مصلحة حماية الاقتصاد الوطني كما يدعي، بل ستؤدي في نهاية المطاف إلى كبح عجلة الاقتصاد الوطني… ونتيجة لذلك، ستزداد معاناة المواطنين اليومية تعقيدا.