ماكرون إلى المغرب في زيارة دولة تعطي دفعة جديدة لمسار التقارب
يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرباط أواخر الشهر المقبل على ما أعلنه قصر الإيلزيه، في زيارة دولة ينتظر أن تعطي دفعة قوية للتقارب بين البلدين على وقع اعتراف باريس بمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا وحيدا وقابلا للتطبيق لإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء.
ويأتي الإعلان عن موعد الزيارة بينما تعثرت زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لفرنسا والتي تأجلت أكثر من مرة على وقع خلافات آخذة في التفاقم خاصة بعد اعتراف باريس بمغربية الصحراء.
وتوعدت الجزائر على اثر ذلك باتخاذ إجراءات عقابية لم تفصح عنها، لكن الإعلام الرسمي او المقرب من السلطة اعتبر الموقف الفرنسي “سقطة” ستؤثر على العلاقات بين البلدين.
واختارت فرنسا في النهاية التقارب أكثر مع المغرب وتسوية الخلافات العالقة مع المملكة على قاعدة ما يخدم مصالحها، بينما تنظر للرباط كبوابة مهمة للعودة لافريقيا بعد انحسار نفوذها.
وحفزت مبادرة الملك محمد السادس لولوج البلدان الإفريقية للأطلسي، باريس على تصحيح مسار العلاقات مع المغرب قناعة منها أن المبادرة ستحدث تكاملا اقتصاديا وترابطا بين افريقيا وأوروبا وتوفر للطرفين مكاسب مهمة.
وكان من المقرر أن يزور ماكرون المغرب لكن لم يتضح موعد الزيارة على وجه الدقة إلى أن أعلن قصر الاليزيه تاريخا محددا، بينما سيكون للزيارة وقع إيجابي على العلاقات بين البلدين بما يعطي دفعة أقوى للشراكة الثنائية.
وأبدى الرئيس الفرنسي رغبة قوية في تحسين العلاقات بعد أشهر طويلة من الفتور نتج عن تردد فرنسا في الاعتراف بمغربية الصحراء وعلى خلفية أزمة التأشيرات وهي أزمة استمرت لنحو عام.
وكلف ماكرون خلال فترة رئاسته الأولى وزير خارجيته ستيفان سيجورني بملف تحسين العلاقات مع المغرب وطي صفحة الخلافات. كما شكل هذا الملف محور تركيز رئيس وزرائه السابق غابريا أتال.
ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس الخميس رسالة تضمنت دعوة الرئيس الفرنسي في التاريخ الذي أعلنه الاليزيه (موعدا للزيارة)، رحب فيها بالآفاق الواعدة التي ترتسم للبلدين، وفق الرئاسة الفرنسية.
وتشهد العلاقات الفرنسية المغربية زخما لافتا وسط توقعات بأن يدشن البلدان شراكة إستراتيجية، لا سيما بعد أن أبدت باريس استعدادها للاستثمار في الصحراء المغربية في الطاقة والعديد من القطاعات وبعد أن خصصت دعما لشركاتها لتحفيزها على الانخراط في مشروعات كبرى بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأنهت باريس ترددها في الاعتراف بمغربية الصحراء بعد أن أدركت أن مصالحها الاقتصادية والأمنية تقتضي فتح صفحة جديدة في التعاون والتنسيق مع شريك دولي موثوق يلعب دورا هاما في المنطقة.
وينتظر أن تلعب فرنسا دورا محوريا في مجلس الأمن الدولي من خلال دعم مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة لتسوية قضية الصحراء المغربية.
وكانت واشنطن وبرلين ومدريد سبقت باريس إلى تأييد خطة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط عام 2007 وتقترح فيها منح الصحراء حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.
وأثار التقارب بين باريس والرباط ارتياح الشركات الفرنسية في المغرب وعلق إتيان جيرو رئيس المجلس الفرنسي للمستثمرين في إفريقيا “كنا نحرص منذ سنتين على عدم لفت الأنظار، لم يكن من مصلحتنا أن نجاهر بجنسيتنا”.
وأكد مسؤول في شركة فرنسية عاملة في المغرب أنه “من الواضح أن رياحا مواتية لفرنسا تهب من جديد”، مشيرا إلى مناقصات جرت في المغرب مؤخرا وفازت بها شركات فرنسية.
وبعد يومين من نشر رسالة ماكرون التي تضمنت الاعتراف بمغربية الصحراء، فازت شركة “إيجيس” الفرنسية للهندسة بالاشتراك مع نظيرتها “سيسترا” وشركة “نوفيك” المغربية بعقد لمد خط سكك حديد للقطارات السريعة بين القنيطرة ومراكش.
وفوجئ بعض الأطراف الاقتصاديين في المغرب بهذا الإعلان عند صدوره، موضحين أنهم يربطونه بالموقف الفرنسي الجديد بشأن الصحراء المغربية.
وقال محمد زيدوح رئيس مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية “سيكون هناك حتما تطوير وتسريع للتعاون الاقتصادي بين البلدين ولا سميا في الصحراء المغربية”.
وتعدّ الصحراء المغربية التي تملك موارد هائلة على صعيد طاقة الشمس والرياح، منطقة إستراتيجية للنمو الاقتصادي في المغرب الذي يتجه نحو الطاقات المتجددة ويأمل في إيجاد موقع له في سوق الهيدروجين الأخضر.
وبدأت العديد من الشركات الفرنسية العمل في الصحراء المغربية، من بينها مجموعة “إنجي” الفرنسية للطاقة التي تقوم حاليا بالاشتراك مع “ناريفا” المغربية ببناء محطة لتحلية مياه البحر في الداخلة.
كما فازت مجموعة “ساد سي جي تي أش” المتخصصة في البناء والبنى التحتية بمناقصة لمشروع مد شبكة المياه في الداخلة.
وأكد صاحب شركة فرنسي أن “شركات اقتصادية مغربية ضخمة عاودت دق أبوابنا لإقامة شراكات في المملكة”، في حين أنه في السنوات الماضية “بدأنا نسمع بأن هناك أعدادا أكبر مما ينبغي من المشاريع مع فرنسيين، شعرنا بتوتر ملموس”.
وقال جان شارل دامبلان المدير العام لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في المغرب إنه “على صعيد العقود العامة في تلك الفترة، ربما كان الأمر أكثر تعقيدا بقليل”، لكنه أوضح “لم نشهد تباطؤا كبيرا” بصورة إجمالية في العلاقات الاقتصادية نتيجة التوتر الدبلوماسي في السنوات الماضية.
وأشار في هذا الصدد إلى العلاقات الوثيقة للغاية التي لم تتراجع بين فرنسا والمغرب، مع بلوغ حجم المبادلات التجارية مستوى قياسيا قدره 14 مليار دولار العام الماضي. ولا شك أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى زيادة حادة في واردات المنتجات الزراعية الفرنسية.
وفرنسا هي المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، مع إقامة شركات مؤشر “كاك 40” في بورصة باريس جميعها تقريبا فروعا في المملكة التي تعد ألف شركة فرنسية ولا سيما مصانع بناء وتجميع سيارات وطائرات.
كما أن المغرب هو المستثمر الإفريقي الأول في فرنسا مع ارتفاع استثماراته المباشرة من 372 مليون يورو عام 2015 إلى 1.8 مليار يورو عام 2022.
وأنهى التقارب بين البلدين نحو عامين من التوتر نتيجة حرص فرنسا على عدم إغضاب الجزائر الداعمة لجبهة بوليساريو الانفصالية، لكن العلاقات الفرنسية الجزائرية لم تغادر مربع التذبذب والخلافات.