تغيير على رأس الاستخبارات الخارجية يرجح كفة التوازنات لصالح تبون
تطابقت معلومات في الجزائر عن تغيير وصف بـ “المفاجئ”، لكنه كان منتظرا منذ مدة في إطار إدارة التوازنات بين الدوائر النافذة في السلطة، ويتعلق الأمر بتنحية الجنرال جبار مهنا من على رأس مديرية الأمن الخارجي (الاستخبارات الخارجية) واستخلافه بالعميد فتحي موساوي.
وذكرت مصادر مطلعة أن الظروف الصحية للجنرال المعزول سرعت عملية الإطاحة بالرجل القوي، المحسوب على صقور جهاز الاستخبارات القديم، الذي كان يديره إلى غاية عام 2015 من يوصف بـ”الجنرال اللغز” محمد مدين (توفيق).
وقالت إن جبار مهنا كان يعاني من عدة أمراض اضطرته إلى العلاج والمتابعة الصحية في عدة عواصم غربية، وهو ما سهل عملية الإزاحة في الأيام الأولى من الولاية الرئاسية الثانية للرئيس عبدالمجيد تبون.
من المنتظر أن تلحق تنحية مهنا حملة موازية لترتيب أوراق مديرية الأمن الخارجي، وذلك بحركة أخرى من الإقالات
وشكل مهنا أحد أقطاب النفوذ داخل السلطة في السنوات الأخيرة، خاصة منذ استقدامه من دائرة محاربة التشويش إلى هرم مديرية الاستخبارات الخارجية، حيث كان يمثل ظل جهاز الاستخبارات القديم، لاسيما وأنه يعد أحد رجالات المدير السابق للجهاز الجنرال توفيق.
ويعد التغيير المذكور خطوة فارقة في طريق ترجيح كفة التوازنات داخل السلطة لصالح تبون، وفريق المقربين والمستشارين داخل المؤسسة الرئاسية، على اعتبار أنها لم تكن تملك المبادرة الكاملة في الخيارات والسياسات المنتهجة خاصة على الصعيد الخارجي.
وكان الجنرال مهنا واحدا من الضباط السامين الذين سجنوا خلال عام 2019، بإيعاز من قائد أركان الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح في إطار التحولات التي أراد الرجل إرساءها داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، وتصفية حسابات عميقة مع جهاز الاستخبارات التقليدي.
غير أن وفاة أحمد قايد صالح عام 2020 سرعان ما أعادت رموز الجهاز المذكور، حيث أطلق سراح العديد منهم، وعلى رأسهم اللواء المتقاعد توفيق، وعاد البعض الآخر إلى شغل مناصب هامة في الجهاز الأمني، كما هو الشأن بالنسبة إلى جبار مهنا، والجنرال عبدالقادر حداد، والعديد من الضباط، وهو ما اعتبر عودة قوية لما يعرف بجناح الصقور داخل المؤسسة الاستخباراتية.
وساد صراع غير معلن في السنوات الأخيرة عبر عنه الرئيس تبون في أكثر من مناسبة بـ”اللوبيات التي تعمل على إجهاض برنامجه السياسي وتأليب الشارع على السلطة العمومية”، في تبرير للفشل الذي طال بعض المشروعات والمخططات وافتعال بعض الأحداث الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
جانب من الإخفاقات الدبلوماسية المسجلة يعود إلى أداء جهاز الاستخبارات الخارجية ودوره، لاسيما ما تعلق بالفشل في استشراف التحولات العميقة التي عرفها محيط الجزائر
ولا يستبعد مراقبون أن تلحق تنحية جبار مهنا حملة موازية لترتيب الأوراق داخل المديرية بشكل يعيد الانضباط والانسجام مع باقي المؤسسات، وذلك بحركة أخرى من الإقالات والتعيينات تمهد الطريق أمام رئاسة الجمهورية لاستعادة المبادرة وفرض التراتبية داخل مؤسسات الدولة.
ويرى هؤلاء أن مؤسسة الرئاسة تريد التخلص من القيود وتغلغل نفوذ الدوائر الفاعلة في صنع القرار والخيارات الكبرى التي رسمها الفريق الرئاسي خاصة خلال الولاية الرئاسية الثانية، ويكون سقوط الجنرال مهنا فاتحة مرحلة جديدة لاستعادة الصلاحيات وهامش المناورة في مؤسسة الرئاسة.
وأعطت حقبة الرجل على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية مفعولا عكسيا على الجهاز الدبلوماسي بعدما تحول إلى صانع للعديد من المواقف والخيارات، الأمر الذي أحرج كوادر ومسؤولي الجهاز الدبلوماسي، كما كان تأخره في توفير المعلومات والمعطيات اللازمة حول مختلف الملفات الإقليمية والدولية عائقا أمام صدور القرار الدبلوماسي.
ويعزو محللون سياسيون جزءا من الإخفاقات الدبلوماسية المسجلة في السنوات الأخيرة إلى أداء جهاز الاستخبارات الخارجية ودوره، لاسيما ما تعلق بالفشل في استشراف التحولات العميقة التي عرفها محيط الجزائر خاصة في منطقة الساحل الصحراوي، حيث فشل الجهاز في رصد وتيرة الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي جاءت بقيادات جديدة تناصب الجزائر العداء.
وشهدت الجزائر خلال حقبة الجنرال مهنا ارتفاع منسوب الروايات التآمرية التي كانت تسرب إلى وسائل الإعلام على أنها مخططات تحاك في عواصم معادية ومدعومة من طرف أنظمة سياسية وحكومات تستهدف أمن البلاد واستقرارها، كما كان الشأن مؤخرا مع قضية “النجم السادس”، التي نشرتها صحيفة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية.