ليلة إعلان إفلاس حكومة أخنوش على أبواب سبتة
بينما كان أعضاء المنظمة الشبابية لحزب رئيس الحكومة المغربي يرقصون ويغنّون على أنغام وكلمات أغنية لفنان «راب»، كان هناك مئات الشباب والمراهقين وحتى القاصرين يشدّون الرحال في اتجاه مدينة سبتة المحتلّة، أملاً في «الهروب الكبير»، لتحقيق ما يعتبرونه هم حلمًا، ويعتبره آخرون وَهْمًا ومُخاطرة.
في مدينة أغادير، كان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يشارك أبناء حزبه الانتشاءَ بـ»المنجزات الحكومية» كما يتخيّلها بعيدًا عن الواقع؛ ضاربًا صفحًا عن الرمز السحري (15/09) الذي انتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
كما لو أنهم يعيشون في كوكب آخر، كان شباب حزب «التجمع الوطني للأحرار» منغمسين في أجواء أغنية: «مهبول أنا غادي فلوطوروت»، ومعناها: (أنا أبله… وأمشي في الطريق السيار)، حتى خُيّل لمن شاهد أولئك الشباب، وهم مندمجون في الأغنية غناءً ورقصًا حتى الثمالة، أن الأمر يتعلق بشعار جديد للحزب السياسي الذي ظفر بالرتبة الأولى في انتخابات سبتمبر/ أيلول 2021!
أكان ذلك استهانة بأكبر عملية «هجرة سرية» في المغرب، صارت مكشوفة للعلن؟ أم أن الحكومة وأحزابها الثلاثة لديها أولويات واهتمامات أخرى، غير قضية شباب ومراهقين أنهكهم اليأس وفشل السياسة وتخبّط منظومة التعليم، فقرروا ركوب أمواج البحر، لعلّهم يصلون إلى «الفردوس الأوربي»، عبر مدينة سبتة المغربية المحتلة من طرف الإسبان منذ قرون؟
ألم يبلغ إلى علم حكومة عزيز أخنوش المعطى الصادم الذي كشف عنه أحدث استطلاعٍ للرأي، إذ توصل إلى أن 55 في المئة من الشباب المغاربة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة، عبّروا عن رغبتهم في الهجرة خارج البلاد، وفق ما ذكر «البارومتر العربي»؟
بعض مَن علّقوا على الحدث الذي شهدته المناطق المغربية القريبة من المدينة السليبة سبتة، اختاروا أسهل الحلول، أي الارتكان إلى «نظرية المؤامرة»، من خلال الإشارة بأصابع الاتهام إلى الجزائر التي باتت تشهر عداوتها لجارها الغربي، المغرب؛ ودليلهم في ذلك كثرة الحسابات الافتراضية التي روّجت للموعد المشار إليه (15/09) أو تلك التي اختارت التشفّي من «المرّوك» (ذَمًّا للمغرب)، إثر ذلك الإنزال البشري الضخم؛ فضلاً عن التركيز الإعلامي الجزائري على الحدث نفسه. كما استدلّ مُعلّقون على المسألة بوجود مواطنين جزائريين ضمن الراغبين في الهجرة السرية، بجانب آخرين من المغرب وسوريا وبلدان إفريقية من جنوب الصحراء.
كل ذلك صحيح. وصحيح أيضًا ما توقّف عنده مدوّنون من وجود أطفال قاصرين بين «الحرّاكة» المحتمَلين (الحرّاكة مصطلح محلي يحيل على المهاجرين السريين).
واختار المُعلّقون أن ينحوا باللائمة على الآباء، كونهم لم يوفّروا أرضية تربوية لأبنائهم، تجنّبهم التفكير في الهجرة السرية، خاصةً وأن أولئك القاصرين ليست لهم بعد القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، بين الخطأ والصواب، بين الإشاعة والخبر اليقين.
بيد أن هذه التفسيرات والتعليقات والتبريرات تغاضت عن مكمن الداء وأصل كل هذا المشهد المحزن؛ إنه فشل حكومة أخنوش، وقد دخلت عامها الثالث، في الاستجابة لمطالب الشعب الملحة في تحقيق ظروف العيش الكريم، وتوفير العمل للعاطلين، والحد من الارتفاع الصاروخي غير المسبوق لأثمان المواد الاستهلاكية.
ومن ثم، ليس صحيحًا ولا مستساغًا أن نُحمّل المسؤولية للآباء، بل تتحملّها الحكومة الليبرالية الحالية التي أغدقت على المغاربة «الوعود العرقوبية»، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام واقع مُرّ، سمته الأساس: تفقير الشعب والزيادة في ثراء المتحكمين في دواليب الاقتصاد. ومع ذلك، هناك مَن يحاول التغطية عن هذا الواقع، تارةً بمبرر الجفاف، وتارةً أخرى بمبرر التضخم، وثالثة بمخلّفات وباء «كورونا»!
تُرى، لو كان هؤلاء الشباب وجدوا تعليما جيدا يقود إلى الوظيفة، ووجدوا مناصب عمل قارة، ووجدوا ظروف عيش كريم لهم ولأسرهم، هل سيفكّرون في المخاطرة بالهجرة غير محمودة العواقب؟ ألم يقل المغاربة قديما: «حتى مش ما كيهرب من دار العرس» (أي أن القطط لا تفرّ من الأماكن التي تقام فيها الأعراس، حيث توجد الولائم)، كنايةً عن أن المرء لا يفرّ من وضع ما إذا كان أحسن وأريح.
أما القاصرون الذين اندسّوا وسط أفواج الحالمين بالهجرة، فإنهم فتحوا أعينهم على بيئة متذمّرة من بؤس الواقع وإفلاس السياسة الحكومية. وبذلك، انساقوا هم أيضا، تحت تأثير إغراء شبكات التواصل الاجتماعي، نحو عملية «الهروب الكبير». فيما اختارت الحكومة الجنوح إلى «صمت الحملان» (استعارةً من عنوان الفيلم الشهير)، تاركةً القوات الأمنية تحاول جاهدةً التعامل مع الوضع المتأزّم ومع صعوباته ومفاجآته غير السارة، في مواجهة أفواج بشرية، عيونها منجذبة إلى بريق «الإلدورادو» على بعد خطوات… وخلفها وطن عزيز، يعبث فيه المُفسدون والانتهازيون وتجار السياسة!
تطوّرنا… ولم يبق غير «الغولف»!
تقول الحكاية إن الملكة ماري أنطوانيت (1755 ـ 1793) زوجة الملك لويس السادس عشر، حين رأت الفرنسيين خارجين للاحتجاج، سألت أحد المقربين منها: «ماذا يريد هؤلاء؟» أجابها: «إنهم يريدون الخبز»، فقالت: «إذا لم يجدوا الخبز، فليأكلوا البسكويت»!
وهكذا، فعلى منوال هذه الحكاية إنْ كانت صحيحة، سوف نساير وزير التعليم المغربي في شطحاته، ونصوغ الشعار التالي: «إذا لم تجد ثمن اقتناء كتاب، فلتلعب الغولف»! تجسيدًا للمثل الشعبي الشائع: «آش خاصك آلعريان؟ خاتم آمولاي»! (معناه: ماذا تحتاج أيها العاري؟ خاتم يا مولاي).
فمن المضحكات/ المبكيات في الحكومة الحالية، أن «عبقرية» وزيرها في التعليم تفتّقت عن فكرة خارقة، من شأنها الارتقاء بالمدرسة المغربية وجلب السعادة إلى نفوس طلابها في مختلف مناطق البلاد. تتمثل الفكرة في إصدار مذكرة تدعو المسؤولين المحليين للوزارة إلى تشجيع الطلاب على ممارسة «الغولف» والانخراط في الأندية المخصصة لهذه الرياضة!
معنى هذه المذكرة، إذنْ، أن المدرسة المغربية تخلّصت من كل المشكلات، ولم يتبقّ لها سوى الترويح على الطلاب بلعبة النخبة؛ تخلّصت من مشكلة المناهج الدراسية البئيسة التي تقوم على التلقين والشحن، عوض التشجيع على التفكير والإبداع؛ تخلصت من مشكلة تردّي البنايات والتجهيزات في الكثير من المناطق النائية؛ تخلصت من شكاوى المدرّسين والمدرسات، ووفرت لهم ظروف عمل مناسبة؛ تخلصت من المحفظات الضخمة التي تثقل كاهل الطلاب وتثقب جيوب آبائهم، نتيجة غلاء الكتب المدرسية… لقد تطوّرنا كثيرًا يا ناس… ولم يبق لنا سوى «الغولف»!
«وزير الميدان» !
وعشنا، حتى رأينا وزيرًا مغربيا ومعه مسؤولون آخرون، يزورون المنطقة المنكوبة جراء الفيضانات، وهم يرتدون ربطات عنق ولباسا رسميا «آخر شياكة». وتمجيدًا لما قام به وزير الفلاحة (الزراعة) بزيارته لإقليم ورزازات، أطلقت عليه صحيفة إلكترونية وصف «وزير الميدان»!
أفتونا في هذا يا ناس !هل من اللائق أن تكون الزيارة الرسمية المواسية لأهالي منطقة منكوبة، تضررت منازلهم وضاعت أغراضهم، وبعضهم توفي أفراد من أسرهم، بربطات عنق ولباس المكاتب والاجتماعات؟!
هل من اللائق أن يتجوّل «وزير الميدان» وسط الأوحال والحجارة والأشجار المتساقطة في قرى غمرتها المياه، بذلك اللباس الذي لا يصلح للميدان نفسه؟ ألم يقولوا «لكل مقام مقال»، أو بالأحرى «لكل حالة لباس»؟!