موجة ثانية من تفجيرات أجهزة لاسلكي قد تستغلها إسرائيل لتوسيع الحرب
انفجرت الأربعاء أجهزة اتصال لاسلكي من نوع ووكي توكي محمولة باليد ويستخدمها حزب الله في اتصالاته الداخلية، بعد مرور يوم على وقوع انفجارات مماثلة في أجهزة اتصال لاسلكي من نوع بيجر خاصة بالجماعة، ما يوحي بأن الهدف هو خلق حالة من الانقطاع والارتباك في التواصل بين مختلف أجهزة الحزب يمكن أن يستغلها الجيش الإسرائيلي لإطلاق حملته العسكرية الموسعة في جنوب لبنان.
وهدفت إسرائيل من وراء هجوم الأربعاء في خطوة أولى إلى استثمار الفوضى داخل حزب الله بعد هجوم الثلاثاء واستباق أي عملية فحص شاملة لكل الأجهزة يمكن أن يجريها حزب الله لمعرفة تفاصيل عملية التفجير تقنيا. كما أنها تكون بذلك قد وجهت ضربة قوية لنظام الاتصالات الخاص بالحزب ستؤثر على أدائه في أي حرب مقبلة مع الدولة العبرية.
وكان الحزب قد قال الثلاثاء إن أجهزته المختصة ستقوم بتحقيق واسع النطاق أمنيا وعلميا لمعرفة الأسباب التي أدت إلى الانفجارات المتزامنة. ويحقق الهجوم هدفا ثانيا لإسرائيل بأن يفقد عناصر حزب الله أي ثقة بمنظومتهم الأمنية والاتصالية بعد أن صاروا ينظرون إلى أي جهاز فيها نظرة شك، ولعلهم أطفأوا معظم الأجهزة تحسبا لاستهداف جديد. وبعد هذه التفجيرات لم يبق من خيار للحزب غير خطوط التمديدات الأرضية، وقد صار الاعتماد على الهواتف الذكية أمرا ممنوعا خشية تفجيرات جديدة.
وبهذه الضربات فقد حزب الله إحدى نقاط قوته، وهي التحرك الآمن وعدم انكشاف عمل عناصره الميدانية وقياداته، ما سيجعل من الصعب عليه التواصل البيني السهل والسريع لإيصال المعلومة وتغيير الخطط والتحركات بحسب الظرف الأمني. وكل هذا يمكن أن تستثمره إسرائيل إذا قررت شنّ هجوم مفاجئ على مواقع الحزب ومقاره الأمنية والسياسية في الضاحية الجنوبية.
وتأتي هذه الهجمات غير المسبوقة بعد عمليات موجهة استهدفت قادة أو مسؤولين في الحزب الشيعي اللبناني، من بينهم القائد العسكري فؤاد شكر الذي قُتل في غارة إسرائيلية بضاحية بيروت الجنوبية في 30 يوليو ضمن إستراتيجية لإضعاف الحزب في حال قررت إسرائيل توسيع دائرة الحرب.
وترى المحللة السياسية الخبيرة في شؤون حزب الله أمل سعد أن انفجارات أجهزة الاتصال “خرق تكنولوجي وأمني لحزب الله”، ما يعني أنه سيكون للهجوم “تأثير على القادة والسيطرة وسيتوجب عليهم إيجاد طرق جديدة لتجنب مثل هذه الأمور”.
واعتبر مدير ملف سوريا والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن كذلك أن حزب الله صار لزاما عليه “الآن أن يعيد تقييم نظامه للاتصالات (…) وأن يجد حلولا بديلة”.
الهجوم يبدد ثقة عناصر حزب الله بمنظومتهم بعد أن صاروا يرتابون من أي جهاز فيها، ولعلّهم أطفأوا معظم الأجهزة
وضمن الاستعداد لتوسيع الحرب أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأربعاء أن “مركز ثقل” الحرب “ينتقل إلى الشمال”، مضيفا “نحن ملتزمون بواجبنا، وننفذ مهماتنا بشكل متزامن” شمالا وجنوبا، و”مهمتنا واضحة: ضمان عودة سكان الشمال بخير إلى منازلهم”.
وعلى عكس ما يريده الإسرائيليون ويخططون له، يتجنب حزب الله خيار توسيع الحرب لأنه ليس في صالحه ولا في صالح إيران.
وقال مهند حاج علي، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، “حزب الله يريد تجنب حرب شاملة. ولا يزال يريد تجنبها. لكن بالنظر إلى نطاق هذا وتأثيره على العائلات وعلى المدنيين، سوف تكون هناك ضغوط من أجل رد أقوى”.
وبالإضافة إلى الضربة الموجهة إلى نظام الاتصالات، فإن حجم الخسائر البشرية التي تكبدها حزب الله منذ بدء التصعيد مع إسرائيل قبل نحو عام، كبير أيضا؛ فقد قتل أكثر من 400 من مقاتليه حتى الآن، من بينهم قياديون في الحزب.
ومع عدد الجرحى الكبير في انفجارات أجهزة الاتصال “هناك مئات ربما لن يكونوا قادرين على التحرك في الوقت الحالي، وغير قادرين على أداء مهامهم في الحزب”، وفق هايكو فيمن. وأضاف أن “ذلك سيكون عاملا معطلا بالتأكيد”.
وأوقعت الموجة الجديدة من تفجيرات أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله في لبنان الأربعاء تسعة قتلى و300 جريح في مختلف أنحاء البلاد، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
واعتبر مصدر مقرب من حزب الله أن تلك الانفجارات تعدّ “أقسى ضربة يتلقاها الحزب” من إسرائيل. ولاحظ المحللون أن هذه الخسائر من شأنها التأثير على إدارة عمليات حزب الله ضد إسرائيل.
وقال هايكو فيمن “في كل حرب، تعد الاتصالات أمرا حيويا. وإذا تمكن العدو من اختراق اتصالاتك، فإن ذلك يعني أنك في وضع حرج”.
وفي ما يتعلق بكيفية تأثير الانفجارات على قدرة حزب الله على خوض الحرب، ذكرت أمل سعد أن الأمر ستكون له تداعيات على “حسابات حزب الله العسكرية، إذ بات عليه أن يعيد النظر في نظام اتصالاته”.
وتختلف أجهزة الووكي توكي عن أجهزة البيجر؛ فهي تستعمل للتواصل القريب من دون الدخول في شبكة المحمول، وتستعمل عادة بين رجال الأمن ورجال الشرطة أو بين أفراد الحراسات. ويمكن اعتمادها لدى عناصر حماية شخصية مهمة يستخدمونها في ما بينهم، أو بين آمر وحدة وضباطه أو مقاتليه.
وهناك نوعان من هذه الأجهزة؛ فبعضها بطاقة ضئيلة محمولة باليد لتغطية مسافات قريبة وأخرى أقوى توضع في السيارات لتصل إلى مئة كيلومتر وربما أكثر قليلا لكنها لا تعتمد على منظومة تمرير مثل الموبايل.
ولا يحتاج الموبايل إلى طاقة عالية لأنه يتحدث مع أقرب برج بينما يقوم البرج بتمرير الاتصال عبر شبكته الخاصة. من ذلك أنه إذا كان هناك شخص جالس بجانبنا ولا توجد تغطية للموبايل فإننا لا نستطيع أن نكلمه أو نرن عليه بينما الووكي توكي يمكن أن نحادث من خلاله شخصا على الشبكة نفسها بعيدا عنا مسافة كيلومترات.