إعفاء الأطفال الجانحين من المسؤولية الجنائية في المغرب يهدف إلى حمايتهم

طوع المشرّعُ المغربيُّ القانونَ لخدمة الطفولة الجانحة وأقر صيغة جديدة للقانون الجنائي تتلاءم وطبيعة تلك الشريحة من الأطفال فأعفاها من المسؤولية الجنائية يهدف إلى حمايتها واستبدل العقوبة السالبة للحرية بتدبير أو أكثر من تدابير الحماية والتهذيب. كما جاء مشروع القانون الجديد بتعديل يتعلق بـ”إضافة “الأسر البديلة” إلى تدابير نظام الحراسة المؤقتة التي يتخذها القاضي في قضايا الجنح المرتبطة بالأحداث.

تحرص الحكومة المغربية على توفير الحماية اللازمة للأطفال بمن فيهم الجانحين وتم لذلك تسخير القوانين والتشريعات وتجديدها، وذلك حفاظا على التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وحماية لها من التشتت.

وتضمن مشروع القانون الجنائي في صيغته الجديدة عددا من الإجراءات التي تخول الحماية القانونية للأحداث المتورطين في ارتكاب جرائم، تصل حد منعهم من إيداع السجن والإعفاء من المسؤولية الجنائية، إضافة لإتاحة إمكانية تسليمهم للأسر البديلة، التي تراعي طبيعة هذه الفئة وتركيبتها النفسية”.

وأقر التعديل، مجموعة من التدابير الحمائية للأحداث، أبرزها “منع إيداع الحدث الذي لم يبلغ أربع عشرة سنة كاملة بالنسبة  للجنايات وست عشرة سنة كاملة بالنسبة الجنح. ولو بصفة مؤقتة، ومهما كان نوع الجريمة”.

وإذا كانت الأفعال المنسوبة لحدث يقل عمره عن 12 سنة كاملة، فإن النيابة العامة تتخذ قرارا بحفظ القضية لانعدام المسؤولية الجنائية للحدث وتسلمه لأبويه أو الوصي عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته، كما نصت التعديلات الجديدة على وجوب تعليل قرار إيداع الحدث الذي يتراوح عمره بين ست عشرة وثمان عشرة سنة في السجن مع التأكيد على ضرورة بيان الأسباب التي تحول دون تطبيق تدابير الحماية”.

وأكد مشروع القانون الجنائي على المصلحة الفضلى للحدث وتغليبها في تقدير القرارات المتخذة في حقه، إضافة إلى حذف إمكانية تمديد مدة الاحتفاظ بالنسبة للجرائم المرتكبة من طرف الأحداث ما عدا الجرائم الواردة في المادة 108، كما أقر عدم إمكانية تمديد اعتقال الحدث احتياطيا في الجنح إلا في حدود مرة واحدة لمدة شهر وفي الجنايات في حدود مرتين لمدة شهرين، ويمكن تمديدها ثلاث مرات ولنفس المدة بالنسبة للجنايات المنصوص عليها في المادة 108”.

رفع التجريم عن بعض الأفعال يجعل المؤسسات السجنية فضاءات إصلاحيةً فعالةً تسهم في تقليل معدلات الجريمة

وجاء مشروع القانون الجنائي بتعديل جديد يتعلق بـ”إضافة ‘الأسر البديلة’ إلى تدابير نظام الحراسة المؤقتة التي يتخذها القاضي في قضايا الجنح المرتبطة بالأحداث”، مع “إضافة مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات إلى الجهات التي يمكن لها تقديم ملتمس بشأن استبدال العقوبة السالبة للحرية بتدبير أو أكثر من تدابير الحماية والتهذيب المنصوص عليه في المادة 481”.

ولفتت التعديلات الجديدة إلى التأكيد على أن محاكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية، وأن الأجهزة القضائية تراعي المصلحة الفضلى للحدث في تقدير التدبير الملائم له”، إضافة إلى “إسناد مهمة إجراء الأبحاث الاجتماعية إلى مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحاكم، وأتاح مشروع القانون “إمكانية استبدال العقوبة المحكوم بها في حق الحدث من طرف آخر هيئة قضائية نظرت فيها بتدابير تربوية”، مع التنصيص على “تمديد الحماية المكفولة للأطفال الموجودين في وضعية صعبة إلى حين بلوغهم 18 سنة”.

وقال وزير العدل عبداللطيف وهبي، إنه “حينما نكون أمام جريمة يرتكبها الطفل، فهي بالنسبة لنا حالة مرضية وليست فعلاً إجراميا، مبينا أن الطفل لا يرتكب جرائم، وليست عليه واجبات، ولكنْ له حقوق فقط، والدولة مطالبة بمنحه هذه الحقوق، في حين تبدأ واجباته في سن الثامنة عشر، أي عندما يكون مسؤولا ومؤهّلا، وهو ما يتعين أن نبحث له عن حلول، لكون الحدث حين يرتكب جريمة هو ضحية لتلك الجريمة التي ارتكبت”.

وفي ندوة نظمها “المركز الوطني لمحاكم الولايات”، بالشراكة مع وزارة العدل والمندوبية العامة لإدارة السجون، ضرب المسؤول الحكومي المثال بالأطفال المدمنين على المخدرات، قائلا، “حين نعتقل شابا أو طفلا وندينه بالسجن بسبب المخدرات، فهذا أمر غريب، فالإدمان على المخدرات ليس جريمة، بل هو حالة مرضية، ولكننا نضيف لها قرارا مرضيا آخر هو الاعتقال، مشيراً إلى أن قضايا الطفل مازالت معقدة، لكوننا علينا أن نحسم هل نحن كمجتمع متقدم ومتطور على مستوى قيمنا نقوم فعلا بحماية الطفل بينما تجذبنا القضايا الدينية فيما يخص النسب أو في ما يخص تزويج القاصر”.

وطالب رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات على الأطفال، خالد الشرقاوي السموني، في تصريح لـه، بوضع قانون خاص يتعلق بالعنف والاعتداءات على الأطفال، وتحديد كل الأفعال التي تدخل في مجال الاعتداء الجنسي، من دون حصرها فقط بجريمة هتك العرض، وإنشاء جهاز متخصص في الشرطة يضم عناصر يتمتعون بخبرة ودراية واسعة في علم النفس، ومهارات في استنطاق الأطفال الضحايا، من أجل إجراء تحقيقات دقيقة في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال. ومن الضروري أيضاً توسيع دائرة الحصول على أدلة وإثباتات من خلال الخروج تدريجاً عن صرامة القواعد القانونية التقنية، واعتماد ليونة أكبر تتلاءم مع طبيعة الاعتداءات.

وحسب معطيات وفرتها المندوبية العامة لإدارة السجون، بلغ عدد الأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية إلى غاية 5 يونيو الجاري ما مجموعه 1069 معتقلا، 4 في المئة منهم إناث، وربع هذه الفئة موضوع رهن الاعتقال بمركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بالبيضاء، والبقية موزعون على 42 مؤسسة سجنية، وفي ما يخص التوزيع حسب السن فأورد المتحدث ذاته أن متوسط أعمار هذه الفئة بلغ 17 سنة، مضيفا أن أصغر حدث موضوع رهن الاعتقال لا يتجاوز عمره 12 سنة و9 أشهر، وهو الآن رهن الاعتقال الاحتياطي (بتهمة السرقة وحيازة السلاح في ظروف من شأنها تهديد سلامة الأشخاص والأموال).

 

انطلاقة بريئة إلى حياة جديدة

وقال محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون، إن الحماية الفعالة للأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية تتطلب بالضرورة إصلاح القوانين والتشريعات لضمان حقوق هذه الفئة وتحسين ظروف الاحتجاز، وأكد أن الإصلاحات القانونية يمكن أن تحد من حدة الاكتظاظ وتحسين ظروف الاعتقال والتأهيل والإصلاح داخل المؤسسات السجنية، والوقاية من العنف وتأمين الصحة الجسدية والنفسية العامة للسجناء، وبالأخص الأحداث منهم، وتوسيع دائرة الاستفادة من مختلف البرامج التأهيلية وتفريدها بما يمكن من إكساب النزلاء الأحداث المهارات اللازمة لإعادة اندماجهم في المجتمع، وبالتالي تقليل معدلات العود في صفوفهم.

واعتبر التامك في افتتاح اللقاء الوطني للمساهمة في تتبع مخرجات المناظرة الوطنية حول “حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق”، الذي نظتمه رئاسة النيابة العامة بشراكة مع منظمة “يونسيف”، أن رفع التجريم عن بعض الأفعال سيسمح بجعل المؤسسات السجنية فضاءات إصلاحيةً فعالةً تسهم في تقليل معدلات الجريمة، وتساهم في تحسين الأمان الاجتماعي؛ كما تعتبر مراجعة نظام الحرية المراقبة وسيلة لتفادي الاعتقال في صفوف الأحداث الذي يجب أن يبقى اللجوء إليه كحل أقصى.

وطالبت منظمة “ماتقيش ولدي”، المتخصصة في الدفاع عن حقوق الطفل بالمغرب، بالحاجة الملحة لعدالة الأحداث كنظام متكامل ليضمن حقوق الطفل في جميع المراحل القضائية، ويؤمن له الحماية اللازمة، ودراسة وتقييم انعكاسات القوانين والتشريعات والسياسات المحلية على حياة الناشئة قبل وخلال وبعد تطبيق المشروع، مع التركيز على التدابير التربوية والوقائية من خلال الإشراك الفعلي للأطفال في عملية التأهيل، ثم تعزيز آليات تأهيل وإعادة إدماج ضحايا الاستغلال والاتجار، وكذا دور الدفاع ضمانا لمحاكمة عادلة للأطفال المتورطين في الاتجار.

وشددت المنظمة على ضرورة اضطلاع المجتمع المدني بأدواره المكفولة دستوريا في التوعية والتحسيس بالمخاطر المحدقة بالطفولة ورصد الاختلالات ومعالجتها، وخلق وتفعيل آليات التظلم والتبليغ والرصد في كل المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين ومراكز الإيداع، وبمرافقة الضحايا وأوليائهم في جميع مراحل الدعوى العمومية، وتوفير المصاحبة النفسية والاجتماعية لضحايا الاتجار، وللأطفال في نزاع أو تماس مع القانون، مع توعيتهم بالحقوق المخولة لهم.

وفي ما يتعلق بالوقاية من الجنوح، لفتت المنظمة إلى ضرورة إشراك الأطفال والشباب عبر تشجيعهم على الاهتمام بشكل إيجابي بالقضايا التي تهمهم وتهمّ مجتمعهم، والإنصات إلى وجهات نظرهم، والأخذ بعين الاعتبار آراءهم في صياغة القرار، ثم وضع إستراتيجيات محلية من أجل حقوق الطفل والشباب، وترجمة القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية الموقع عليها من قبل المغرب إلى قرارات محلية، والتفعيل المحلي لآليات الحماية المنصوص عليها في الظهائر الملكية والمراسيم الحكومية، وخلق آلية للتنسيق وهياكل وخلايا محلية لتفعيل وضمان واحترام حقوق الطفل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: