الحاملات تغادر: اغتيال هنية يقود إلى انكشاف محدودية استعراض القوة الإيراني
طهران قد تختار التخلي عن كبريائها وعدم اتخاذ أي إجراء فوري ضد إسرائيل، ويعكس هذا التغيير عدم تيقّن النظام من فائدة أي إجراء على المدى القصير.
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن مغادرة حاملة الطائرات روزفلت الشرق الأوسط وإعادتها إلى قاعدتها، وذلك بعد تعزيز واشنطن وجودها العسكري في المنطقة لحماية إسرائيل من الهجمات الإيرانية المحتملة.
ويشير انسحاب حاملة الطائرات إلى أن واشنطن قد ثبّتت وجودها العسكري والاستخباري في المنطقة بشكل يحد من مخاطر أي رد إيراني محتمل انتقاما لمقتل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في الحادي والثلاثين من يوليو. ومثّل الاغتيال انتصارا تكتيكيا ودعائيا لإسرائيل، وكشف محدودية استعراض القوة الذي دأبت إيران على إظهاره.
وأظهرت تصفية هنية قدرة إسرائيل على اختراق إيران خلال حدث سياسي دولي كبير تمثل في تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان. وحمل الاغتيال رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل تستطيع استهداف أي زعيم موال لإيران. كما أشار إلى رغبة إسرائيلية في إذلال النظام الإيراني أمام ضيوفه الدوليين بعد انكشاف محدودية رده على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق.
اغتيال هنية كشف عن نقاط ضعف استخباراتية في إيران، وعجزها عن منع اختراق إسرائيلي في الداخل
وشن الجانب الإيراني في 13 أبريل هجوما غير مسبوق على إسرائيل. واعتمد 300 طائرة دون طيار وصواريخ في استعراض للقوة لم يلحق أية خسائر تذكر بإسرائيل. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن طهران تبنّت موقفا متشدّدا في مطلع أبريل، لكنها أخرت موعد هجماتها الصاروخية وأطلعت الغرب على مخططها المحتمل وهو ما أتاح للولايات المتحدة وحلفائها زمنا كافيا للتدخل ومنع إلحاق أضرار كبيرة بإسرائيل.
ويشير الكاتب رضا بارشيزاده في تقرير لفائدة مؤسسة جايمس تاون إلى أن اغتيال هنية كشف عن نقاط ضعف النظام الإيراني الأمنية والاستخباراتية، وعجزه عن منع العمليات الإسرائيلية داخل حدوده.
وإذا قررت السلطات الإيرانية في النهاية الانتقام لاغتيال هنية بهجمات تشبه تلك التي شهدتها تل أبيب في 13 أبريل، فقد تشن مرة أخرى ضربة واسعة النطاق بحجم مماثل. لكن طهران يمكن أن تسعى هذه المرة إلى تعظيم التأثير من خلال اعتماد نهج أكثر سرية، وشن الهجوم دون إعلان مسبق، بما يعزز عنصر المفاجأة.
وقد تركز إستراتيجية الإيرانيين على استهداف البنية التحتية العسكرية والمدنية الإسرائيلية مع محاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وهو جهد محسوب لإلحاق أضرار كبيرة دون إثارة إدانة دولية واسعة النطاق.
وقد تعتبر السلطات الإيرانية أن اغتيال زعيم إحدى الجماعات الوكيلة لها عملا يستدعي ردا متناسبا. وسيتطلب هذا السيناريو التزاما كاملا من قواتها الوكيلة في جميع أنحاء المنطقة. وقد تنسق إيران هجوما متعدد الجبهات ضد إسرائيل، يشارك فيه حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، والقوات المتبقية من حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويسعى الرد الإيراني -من جملة أهدافه- إلى إجبار إسرائيل على التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة كطريقة أخرى للرد على اغتيال هنية.
ويمكن أن تعزز الوساطة الناجحة لوقف إطلاق النار هيبة النظام الإيراني، وهو ما يسمح لطهران بإظهار النفوذ الذي تمارسه من خلال ادعاء النصر الدبلوماسي لكل من حلفائها وخصومها. وهذا ما يمكن أن يبعث رسالة قوية إلى دول العالم العربي مفادها أن “استعداد إيران للتصعيد نحو مواجهة شاملة ضمن نصرا طال انتظاره بعد أن فشلت جهودهم في إرساء الحقوق الفلسطينية خلال سنوات من التسوية مع إسرائيل”. ويعتبر النظام هذا الخيار هو الأكثر فائدة لأنه يسمح بادعاء انتصار كبير دون حرب واسعة النطاق.
وقد تختار طهران التخلي عن كبريائها وعدم اتخاذ أي إجراء فوري ضد إسرائيل. وتحدث المرشد الأعلى علي خامنئي مؤخرا عن مزايا “التراجع التكتيكي”، وتحول خطاب النظام العام من “الانتقام الصعب” إلى “الرد المحسوب”. ويعكس هذا التغيير عدم تيقّن النظام من فائدة أي إجراء على المدى القصير.
السلطات الإيرانية تدرك أن أي محاولة لإشعال صراع أكبر في الشرق الأوسط ستترتب عليها تداعيات غير مرغوب فيها، بما في ذلك التداعيات التي ستنعكس على الانتخابات الأميركية المقبلة
وتدرك السلطات الإيرانية أن أي محاولة لإشعال صراع أكبر في الشرق الأوسط ستترتب عليها تداعيات غير مرغوب فيها، بما في ذلك التداعيات التي ستنعكس على الانتخابات الأميركية المقبلة.
ومن المرجح أن تضر حرب واسعة النطاق بمرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس وتعزز احتمالات استعادة دونالد ترامب الرئاسة. وقد تفضل طهران الانتظار لترى نتيجة الانتخابات الأميركية قبل اتخاذ أي إجراء آخر، نظرا إلى التقارب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة ترامب وموقفها العدواني السابق تجاه إيران.
وتعهد المرشد الأعلى، بعد ساعات قليلة من اغتيال هنية، بأن الجمهورية الإسلامية “ستنتقم لدماء ضيفنا العزيز”. وتوعد القادة العسكريون والسياسيون والقضائيون والدينيون منذ ذلك الحين بـ”رد كاسح” و”انتقام بالمثل” و”انتقام شديد”.
ولم يرد النظام بعد على الاغتيال رغم هذا الخطاب الناري. ويخاطر أي انتقام حاد بإثارة رد فعل شديد من إسرائيل وحلفائها، ما قد يخلف عواقب وخيمة على النظام. ويتخوّف خامنئي وأنصاره من عدم الاستقرار والانتفاضات الداخلية، إذا ألحقت ضربة مضادة أضرارا جسيمة بالبنية التحتية الإيرانية.
وأكد خامنئي وأنصاره، على مدى عقود، قدرتهم على إبقاء إيران في سلام. وصوّروا ذلك إنجازا كبيرا. لكن اغتيال هنية على الأراضي الإيرانية قوض هذا الادعاء، وأضر بمصداقية النظام. وقد يؤثر هذا الحادث سلبا على علاقة طهران بقواتها الوكيلة أيضا؛ فإذا لم يتمكن النظام من حماية شخص مهم في عاصمته خلال حفل تنصيب الرئيس، فإلى أي مدى يمكنه حمايتهم؟ وقد يضعف ذلك سيطرة طهران على وكلائها، وهو ما قد يدفعهم نحو البحث عن تسويات مع خصومهم من أجل البقاء.