ماذا تمثل انتخابات السابع من سبتمبر الحالي في الجزائر؟ استحقاقا «مصيريا للدولة والشعب» كما صرح بذلك المرشح الفائز فيها، لكن هل ستكون لذلك الاستحقاق تداعيات على العلاقات مع دول الجوار؟ بالطبع نعم.. فكثيرون في المنطقة يتطلعون الآن لما سيعقب التجديد للرئيس عبد المجيد تبون، ولعلهم ينتظرون ما قد تحمله الكلمة التي سيلقيها في حفل تنصيبه لعهدة رئاسية جديدة، من رسائل قد يوجهها في تلك المناسبة لأكثر من جهة خارجية.
وربما هناك من قد يتساءل حينها إن كان بوسع تبون، وفي ارتباط بأعقد قضية خلافية بين بلاده والمغرب، أن يكرر ما سبق أن قاله قبل خمس سنوات من الآن في خطاب استلامه للمنصب الرئاسي للمرة الأولى وهو، أن «مسألة الصحراء الغربية هي مسألة تصفية استعمار، وهي قضية بيد الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، وينبغي أن تظل بعيدة عن تعكير العلاقات الأخوية مع الاشقاء» أم أنه سيكون من المستبعد جدا أن يقدم على ذلك، خصوصا في ظل ما عرفته علاقة الجارتين في السنوات الأخيرة من تصدعات وتوترات حادة؟
طبيعة النظام الجزائري تجعل مركز الثقل الأساسي للسلطة بيد المؤسسة العسكرية، وأنها هي وحدها من تحدد الخطوط العريضة للسياسات الداخلية والخارجية للبلاد
وبغض النظر عن تلك المسألة، فمن الواضح جدا أن أهم سؤال قد يخامر الآن قسما واسعا من المغاربيين بشكل عام هو، بأي وجه ستظهر الجزائر في السنوات الخمس المقبلة؟ هل بوجه الدولة التي ستحاول إعادة بناء الجسور مع أكبر جاراتها، أي المغرب؟ أم بوجه من ستسعى الى تعميق القطيعة معها؟ إن إعلان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر الأحد الماضي، عن فوز من وصف بالمرشح الحر عبد المجيد تبون في الاقتراع الرئاسي، الذي جرى السبت الماضي وبأكثر من تسعين في المئة من الأصوات يحمل في هذا الصدد جوابا حاسما وصريحا، وهو أنها ستحافظ وبكل تأكيد على وجهها الحالي. وليس هناك شك في أن إصدار المرشحين الثلاثة، وفي وقت لاحق، لبيان مشترك عبروا من خلاله عن رفضهم للنتائج الأولية التي تم الإعلان عنها، من خلال إشارتهم إلى «ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة، وتناقض الأرقام المعلنة من طرف رئيس السلطة، مع مضمون محاضر فرز وتركيز الأصوات المسلّمة من طرف اللجان الانتخابية البلدية والولائية، وغموض بيان إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية، الذي غابت فيه جل المعطيات الأساسية التي يتناولها بيان إعلان النتائج، كما جرت عليه العادة في كل الاستحقاقات الوطنية المهمة والخلل المسجل في إعلان نسب كل مترشح» حسبما جاء في نص البيان لن يغير من تلك الحقيقة، فهو يبقى تفصيلا ثانويا لن يؤثر بأي حال على المآل النهائي للاقتراع. والواقع أنه لم يكن مفاجئا، أو صادما لأحد لا في الداخل ولا في الخارج أن يعلن عن فوز الرئيس تبون، فقد كان الجميع يعلم أنه كان في طريق مفتوحة لتحقيق فوز كاسح في تلك الانتخابات، وأن منافسيه لم يكونا مؤهلين أو قادرين ولعدة اعتبارات على أن يحولا دون ذلك، أو يظفرا ولو بنسب عالية نسبيا من أصوات الناخبين. لكن إن كانت الأمور معلومة ومحسومة بشكل مسبق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في تلك الحالة هو، هل اختار الجزائريون حقا رئيسهم؟ وهل صوتوا فعلا للمستقبل الذي يريدونه لهم ولأبنائهم؟ وهل قرروا بالتالي ولو ضمنيا أن تستمر القطيعة بين بلادهم والمغرب؟
لقد قاطع البعض منهم صناديق الاقتراع لأنه سلم باكرا بأنه لن يفوز بالاستحقاق الرئاسي أحد آخر غير الرئيس المنتهية ولايته. في ما شارك فيها البعض الآخر ليختار وبملء إرادته أن يمدد للرئيس عبد المجيد تبون لعهدة رئاسية ثانية، لأنه رأى وبالنظر ربما إلى الظروف والمعطيات الحالية، أنه كان الأقرب لتجسيم آماله وتطلعاته. وكان هناك بالطبع شق ثالث تبنى موقفا مغايرا تماما لكلا الفريقين، واعتبر أن ما حدث لم يكن في واقع الأمر سوى مشهد دعائي واستعراضي لجزائر أخرى كانت بنظره بعيدة جدا ومختلفة تمام الاختلاف عن الجزائر التي تعرفها الأغلبية الساحقة من أبنائها. وفي كل الأحوال فإن الثابت هو أنه ومهما اختلفت الآراء والتقييمات حول طبيعة تلك الانتخابات، وحول الظروف التي جرت فيها فإنه لم يكن لأحد آخر غير الجزائريين أن يحكم أو يقرر بدلا منهم، ما الذي كان يتعين عليهم فعله أو اختياره، فالقرار النهائي كان يعود لهم أولا وأخيرا، لكن تلك النتيجة ستنعكس وبالضرورة على جيرانهم وسيكونون معنيين بها. ففوز تبون بعهدة ثانية قد يحمل تحديا كبيرا بالنسبة الى المحيط القريب للجزائر، ولعل هناك من سيقلل من ذلك وسيقول إن طبيعة النظام الجزائري تجعل مركز الثقل الأساسي للسلطة بيد المؤسسة العسكرية، وأنها هي وحدها من تحدد الخطوط العريضة للسياسات الداخلية والخارجية للبلاد، وبالتالي فإنه سيكون من المبالغة تضخيم دور أي رئيس يصعد الى سدة الحكم، لكن إن أخذنا بعين الاعتبار المواقف المعلنة للمؤسسة العسكرية في القضايا التي تهم الجوار الجزائري، على الأقل، فهل يعني ذلك أن الجزائريين سيواصلون في المرحلة المقبلة اعتماد السياسة التي انتهجوها في العهدة الأولى لتبون، وأن الباب قد أغلق نهائيا وتماما بالتالي أمام أي فرصة أو إمكانية لتغييرها أو تعديلها؟ لقد كان من اللافت ما قاله المرشح الحر تبون في آخر اجتماع شعبي في حملته الانتخابية في سياق حديثه عن وجود مؤامرة خارجية تستهدف الجزائر وهو، «أن لا حل أمامهم ـ يقصد قوى خارجية لم يسمها – سوى التآمر على هذا البلد لتفجيره من الداخل». ومع أن الإشارات ظلت مبهمة وملتبسة بعض الشيء كلما تعلق الأمر بالخارج إلا أن أقواها وأوضحها بعد القضية الفلسطينية، التي تحدث عنها الرئيس الجزائري بحماسة شديدة وبلغة أثارت حينها قدرا واسعا من الجدل، حين تحدث عن جاهزية الجيش الجزائري وبمجرد فتح الحدود المصرية مع غزة لبناء ثلاثة مستشفيات ميدانية في عشرين يوما، كانت تلك المتعلقة بالحديث عن الملف الصحراوي، الذي لا يزال إلى الآن يشكل واحدة من أكبر العقبات التي تقف أمام تطبيع العلاقات الجزائرية المغربية، ففي ذلك الاجتماع لم يتردد الرئيس الجزائري في القول: «إننا لن نتخلى عن قضية الصحراء الغربية حتى تقرير المصير والدولة الصحراوية سوف تقوم حتى إن كان البعض يزور التاريخ والآخر يعمل وفق أجندته الخاصة» على حد تعبيره.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يشدد فيها تبون على ذلك الموقف، فقد سبق له أن صرح وفي عدة مناسبات بأن الجزائر لن تتخلى عن قضية الصحراء الغربية. غير أن تركيزه مجددا، وفي هذا الظرف بالذات على تلك القضية الخلافية، قد يشير إلى أن الجزائريين ربما لا يفكرون وعلى المدى القصير والمتوسط في تحسين علاقاتهم بجارتهم الغربية. لكن هل يعني ذلك أنهم باتوا يتهيؤون لتمديد القطيعة والدخول معها في مواجهة مباشرة؟ كثيرون يضعون أيديهم على قلوبهم ولا يتمنون أبدا حدوث ذلك.