فنانون مغاربة يشتكون التهميش في مهرجانات محلية: انتهى الصيف ولم تنته حرقة «الإقصاء»
انتهى الصيف الفني في المغرب، ورحل بعد أن جمع كل أنغامه التي صدحت بها الشواطئ والمنصات والمسارح، بأصوات فنانين منهم المغاربة وبعضهم عرب وأجانب، لكن الحرقة لم ترحل بالنسبة لعدد من المطربين المحليين، الذين قالوا إنهم «تجرعوا مرارة الاقصاء» من المشاركة في أي من تلك التظاهرات الفنية، ولا يعرفون لذلك سببا إلا أن الدعوة لم توجه إليهم، كما يشكّون في أن توجه إليهم مستقبلا إذا لم يكن هناك أي تدخل من طرف الجهات الوصية، والحديث هنا عن وزارة الثقافة.
وبرز وجه حزين في فرحة الصيف في مدينة أغادير، حين تقدم المكتب الجهوي «للنقابة المغربية للمهن الفنية» في جهة سوس ماسة، بشكاية إلى والي الجهة (الولاية تضم عدة محافظات) سعيد أمزازي، أعلنوا فيها الغضب والاستياء مما وصفوه «التهميش الذي طال مجموعة من فناني المنطقة، والإقصاء الذي لحقهم من منظمي المهرجانات والتظاهرات الفنية».
واعتبرت النقابة المذكورة أن «احتجاج العديد من فناني الجهة على التهميش، ومعاناتهم من غياب الإنصاف في اختيار المشاركين في الفعاليات الجهوية» بمثابة «ممارسات تتعارض مع التوجهات الوطنية التي تدعو إلى تعزيز الثقافة المحلية ودعم التنوع الفني» كما أن «الإقصاء المتواصل للفنانين السوسيين (نسبة إلى منطقة سوس) لا يمكن اعتباره سوى انتهاك لحقوقهم الثقافية والمهنية».
وزادت النقابة موضحة في شكايتها أن عددا كبيرا من الفنانين المنتمين لمنطقة سوس «يجدون أنفسهم محرومين من فرص المشاركة في المهرجانات التي تقام بالجهة، رغم كونهم يتمتعون بقدرات إبداعية متميزة وتجربة طويلة في الميدان الفني».
كما أن هذه الظاهرة «أصبحت قاعدة» تشمل العديد من الفنانين من أصحاب الصيت المحلي والوطني، «مما يثير التساؤلات حول معايير الاختيار ومدى شفافيتها» مطالبة الوالي أمزازي بـ «التدخل العاجل لوقف هذه الممارسات اللاموضوعية».
الصيف نفسه عرف احتجاج آخر لفنانين من منطقة سيدي مومن في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حين أكدوا أنهم يعانون «الاقصاء» من المهرجانات المنظمة في تراب المنطقة التي ينتمون إليها، كما أنهم لا يستفيدون من الحركية الفنية التي تعرفها خلال موسم الصيف وغيره من المواسم حين تنشط التظاهرات الفنية.
بين الدار البيضاء وأكادير، مسافة بعيدة جغرافيا، لكنها قريبة فنيا، من حيث مطالب الفنانين المحليين الذين لم يعجبهم «استمرار اقصائهم» من مهرجانات تنظم وتقام في مدنهم، بل في مناطق اقامتهم، رغم أنها تمول من المال العام، ووفق تعبير البعض، فهم أولى بنصيب من «الكعكة» ومن حقهم «الاشتغال» بدل «العيش في بطالة فنية».
بعض الفنانين الأمازيغ المنتمين لمنطقة سوس، فضلوا الاحتجاج بطريقة فنية أيضا، وأبدعوا مقطوعات غنائية في الموضوع، ومنهم محمد إحيحي، الذي أطلق في شهر غشت أغنية «تحاكرت» والتي تعني «الحقرة» وعبر فيها عن موقفه من «الإقصاء الذي تعرض له العديد من الفنانين الأمازيغ من قبل سماسرة المهرجانات والسهرات».
فرع النقابة الفنية صاحبة الشكاية الموجهة إلى والي أغادير، كتب رئيسها تدوينة على صفحته بفيسبوك، أكد فيها أن «إقصاء الفنانين المحليين من المشاركة في المهرجانات المنظمة بالجهة، يشكل ظاهرة مقلقة تعكس تهميشًا واضحًا للطاقات الإبداعية المتواجدة بالمنطقة.
ورغم أن هذه المهرجانات تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي والفني وإبراز التنوع والثراء الثقافي للجهة، فإن استمرار هذا الإقصاء يعيق تحقيق هذه الأهداف».
وحسب رئيس «النقابة المغربية للمهن الفنية» فإن «عدم إشراك الفنانين المحليين في هذه المهرجانات يساهم في تكريس الفجوة بين المشهد الفني المحلي وبين الجمهور، حيث يصبح من الصعب على الفنانين الوصول إلى جمهور واسع والتعريف بفنهم على نطاق أوسع. كما أن هذا الإقصاء يحرم الجمهور من اكتشاف مواهب جديدة والاستمتاع بتجارب فنية متنوعة».
وبالنسبة لرئيس النقابة، «فإنه من الضروري إعادة النظر في طريقة تنظيم هذه المهرجانات واعتماد معايير أكثر شفافية وإنصافًا في اختيار الفنانين المشاركين» مبرزا أنه «ينبغي فتح المجال أمام الجميع، خصوصًا الفنانين الناشئين والذين يملكون أفكارًا جديدة يمكنها إثراء المشهد الفني المحلي. ودون ذلك، ستبقى هذه المهرجانات محصورة في دائرة ضيقة، عاجزة عن تحقيق الهدف الحقيقي منها وهو تعزيز وتطوير الثقافة المحلية وإبرازها في أفضل صورها».
تدوينات عديدة خاضت في الموضوع، ومنها تلك التي اختارت التعبير عنه بشكل مباشر وصريح متحدثة عن «التهميش والاقصاء من مهرجانات الصيف» فيما استعرضت صفحات أخرى على فيسبوك دائما، نماذج لهذا الاقصاء، وهو ما ذكرته «منوعات سانية الرمل» بخصوص «إقصاء المجموعات الغيوانية التطوانية (نسبة إلى مدينة تطوان) من مهرجان مراكش للظاهرة الغيوانية» مؤكدة أن ذلك «أثار استياء واسعاً بين عشاق وفناني هذا اللون الموسيقي في مدينة تطوان».
وطالبت الصفحة في تدوينتها «بضرورة توضيح الأسباب الحقيقية وراء هذا الإقصاء» معتبرة «استبعادهم يهدد التنوع الثقافي ويُعَد إغفالا لتاريخهم وإسهاماتهم في تطوير الموسيقى الغيوانية» متمنية «أن تسهم هذه القضية في فتح نقاش أوسع حول سياسات اختيار الفرق والمجموعات في المهرجانات الثقافية الكبرى ودور المدن في حفظ وتطوير التراث الموسيقي».
بعض التوضيحات جاءت من أصحاب الشأن، مثل الفنان عبد العالي الغاوي، الذي صرح لموقع «غالية» بأن «السبب وراء هذا الإقصاء يعود لبعض السماسرة، الذين يطلبون من الفنان نسبة 70 في المئة من مستحقات الحفلات من أجل استدعائه للمهرجانات».
الاقصاء نفسه، لكن من زاوية شعرية هذه المرة، تطرق إليه الشاعر علي أزحاف، الذي كتب تدوينة على صفحته بفيسبوك، قال فيها إنه «كما أن هناك (مطربي المهرجانات) هنالك أيضا (شعراء المهرجانات)» لذلك «فلا تشكو صديقي الشاعر من الإقصاء، فاللهم في إقصاء في هامشيتك، أفضل من إخصاء في مشاركتك».
وبالعودة إلى الغناء، نذكر تدوينة عبدو أنور، الذي كتب غاضبا، بالدارجة المغربية ما معناه «رأينا عددا كبيرا من المهرجانات نظمتها البلديات تم فيها إقصاء الفنانين المحليين» مشددا على أن «الأولوية للفنان المحلى الذي يدفع الضرائب ويصوت» خاتما بما يشبه الصرخة «كفى من الإقصاء كفى من التهميش».
الأمر لا يقتصر على فنانين لهم صيت محلي، بل أسماء وازنة على الصعيد المغربي، في مجالات غنائية متنوعة، أعلنت غضبها من هذا الاقصاء» ومنهم فنانة الملحون ماجدة اليحياوي في تصريح لموقع «برلمان كوم» حين أكدت «نحن الفنانين مقموعين في المهرجانات المغربية» وفي صنف غنائي آخر وهو الراب، قال أحد نجومه وهو طه فحصي الشهير بلقب «الغراندي طوطو» إن قاعدته الجماهيرية كبيرة عبر العالم ومطلوب خارج المغرب، وكل حفلاته تحقق نجاحا باهرا لكنه يعاني من الاقصاء من المهرجانات المغربية.
صرخة أخرى كانت قد أطلقتها المطربة شيماء عبد العزيز، عبر لايف على حسابها في إنستغرام، أكدت فيه بالدارجة المغربية ما معناه «فنان واحد لديه 60 مهرجانا، ونحن نشوي الذرة» (نشوي لكبال مصطلح مغربي على البطالة والانتظار) متسائلة هل «نحن لا نعرف الغناء وكيف نلبس القفطان، أو ليس لدينا صوت» وأضافت «هذا كثيرا جدا، لقد اقتربنا من أن نبيع الذرة، لقد تعبت».