تعداد السكان في المغرب يعزز صنع السياسات وجلب الاستثمارات

لا يمكن صياغة إستراتيجيات فعّالة وتخصيص أفضل للموارد دون بيانات موثوقة.

يعد الإحصاء أداة قيمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما يسمح للحكومات والجهات الفاعلة الأخرى بالاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات السكان. وسيقدم الإحصاء العام للسكان والسكنى عدة مزايا للمغرب من أجل تنزيل البرامج والإصلاحات الكبرى.

أطلق المغرب عملية إحصاء عام للسكان بمختلف مناطقه مطلع سبتمبر الجاري؛ بهدف تحديث البيانات المتعلقة بالأسر والأنشطة الاقتصادية.

ويأتي هذا الإحصاء الذي يُجرى كل عقد لتوفير قاعدة بيانات دقيقة وشاملة تسهم في صياغة سياسات عمومية مستنيرة تلبي احتياجات المواطنين المتجددة، وتدعم مسيرة التنمية الشاملة.

ويعتبر محللون اقتصاديون أن الإحصاء سيلعب دورا محوريا في التخطيط حيث لا يمكن صياغة إستراتيجيات فعّالة في هذا الصدد وتخصيص أفضل للموارد دون بيانات موثوقة، لافتين إلى أن الخطوة مهمة أيضا للمساهمة في جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

ويؤكد مسؤولون مغاربة أن نتائج الإحصاء ستسهم في فهم أفضل لاحتياجات المواطنين، وصياغة سياسات حكومية تتناسب معها.

وتعد العملية الجديدة للإحصاء العام للسكان والسكنى السابعة منذ عام 1952، وتهدف إلى أن تكون مختلفة عن سابقاتها وخلاقة وطموحة، وفق ما جاء في رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم 20 يونيو الماضي، مشددا على أن عملية الإحصاء العام للسكان برسم 2024 يجب أن يتم “تنظيمها على نطاق واسع يشمل موضوعات جديدة، خاصة الحماية الاجتماعية، ما يجعل المشاركة أمرا واجبا على السكّان لكي تمر في أحسن الظروف وتكتمل أهدافها”.

وأنجز آخر إحصاء عام للسكان بالمغرب في عام 2014، وبلغ عدد السكان وفق معطياته أكثر من 33.8 مليون نسمة منهم حوالي 33.7 مليون مغربي وحوالي 86 ألف أجنبي، وهو سادس إحصاء عرفته المملكة بعد الإحصاءات التي جرت في سنوات 1960 و1971 و1982 و1994 و2004.

وتزايد عدد المدن المليونية بالمغرب إلى 5 مدن، هي الدار البيضاء وطنجة وسلا ومراكش وفاس، بعدما تجاوز عدد سكانها مليون نسمة، بحسب إحصائيات حديثة قدمتها المندوبية السامية للتخطيط خلال 2021.

نتائج الإحصاء ستسهم في فهم أفضل لاحتياجات المواطنين وصياغة سياسات حكومية تتناسب معها

وبلغ عدد سكان مدينة الدار البيضاء 3 ملايين و566 ألفا و20 نسمة، مقابل مليون و229 ألفا و103 في فاس، ومليون و152 ألفا و215 في طنجة أصيلة، ومليون و44 ألفا و494 بمراكش، ثم مليون و24 ألفا و99 نسمة بسلا، علما أن هذه الأرقام تشمل السكان الحضريين فقط دون سكان الجماعات القروية التابعة لتلك المدن.

وستتواصل عملية الإحصاء العام للسكان حتى نهاية سبتمبر. وفي هذا الإطار يتولى موظفو الإحصاء زيارة المنازل والأسواق في مختلف المدن لجمع البيانات من المواطنين.

وأوضح رئيس المندوبية أحمد الحليمي، خلال مؤتمر صحفي قبيل بدء الإحصاء، أن نحو 55 ألف فرد يشاركون في عملية الإحصاء، مشيرا إلى أن المكلفين بجمع البيانات سيستخدمون لوحات إلكترونية لتسريع عملية جمع المعلومات.

وأضاف أنه تم تقسيم البلاد إلى 38 ألف منطقة صغيرة تسمى “مناطق إحصاء”، لتسهيل عملية جمع البيانات، حيث سيتم في كل منطقة إحصاء المساكن والأنشطة الاقتصادية والمساجد والأسواق.

وتنبع أهمية تعداد السكان من كونه العملية الإحصائية الوحيدة التي تجرى بالحصر الشامل، وهو عبارة عن صورة فوتوغرافية متكاملة عن المجتمع خلال لحظة زمنية محددة في إطار المتغيرات الكثيرة والمتعددة والمستمرة، والتي لا يمكن بطرق جمع البيانات الأخرى تحديدها، ما يوفر قاعدة من البيانات الملائمة لإجراء المقارنات والإسقاطات للبيانات الديمغرافية. كما تمثل بيانات التعداد قاعدة رئيسية لإحصاءات السكان والمساكن والمنشآت.

ويهدف التعداد إلى قياس التغير في التركيبة السكانية حسب الجنس والعمر والأسر، ومعرفة ارتباطاتها المكانية حسب البلديات والمناطق، وغيرها من التقسيمات الجغرافية أو الوظيفية أو التخطيطية.

ويهدف أيضا إلى التعرف على مناطق التركز السكاني حسب الجنسية والجنس والعمر وغيرها من المتغيرات الأُخرى، وعلى التغير في الظروف السكنية والمباني ومنشآت الأعمال ونشاطها الاقتصادي.

ويمكّن التعداد من بناء أطر إحصائية حديثة تستخدم في إجراء المسوح الأسرية المتعلقة بقوة العمل والنشاط الاقتصادي والصحة والتعليم وغير ذلك.

تخطيط مستنير وجلب استثمارات

 

نتائج الإحصاء ستسهم في فهم أفضل لاحتياجات المواطنين
كيف يمكن قياس التغير في التركيبة السكانية

 

يقول الخبير الاقتصادي المغربي سامي أمين إن الإحصاء يلعب دورا حيويا في استشراف المستقبل ومواجهة التحديات المقبلة، مثل أمن الطاقة والغذاء والماء، فضلا عن التغير المناخي.

وأوضح أمين أن الإحصاء له أهمية كبيرة في مجال التخطيط والتنمية الوطنية، حيث لا يمكن وضع خطط وسياسات فعّالة في هذا الصدد دون بيانات دقيقة وموثوقة ومحدثة عن “السكان” و”السكنى”.

و”السكان” و”السكنى” مصطلحان أساسيان في مجال الإحصاء السكاني؛ حيث يُقصد بالأول جميع المواطنين وخصائصهم الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية، بينما يشير الثاني إلى المساكن التي يسكنها المواطنون، بما يشمل عناصر مثل نوعية المساكن وحالتها ومرافقها.

وأكد أمين أن هذه المعلومات ضرورية للفاعل السياسي والإدارات العمومية لصنع سياسات وبرامج حكومية مناسبة، والإعداد للمستقبل واستشرافه بشكل جيد.

وبحسب أمين، فإن الإحصاء سيوفر بيانات مفصلة حول المستوى الجغرافي الدقيق (البلديات والأحياء) لتحسين التخطيط والتنمية المحلية، بالإضافة إلى تحديد الاحتياجات والفجوات في الخدمات والبنى التحتية على المستوى المحلي والوطني؛ ما سيساعد في تخصيص وتوزيع الموارد بشكل أفضل، من أجل تحقيق العدالة بين المناطق.

واعتبر أمين كذلك أن نتائج الإحصاء ستساهم في تعزيز جاذبية الاستثمار، من خلال توفير قاعدة بيانات دقيقة ومحدثة عن الرأسمال البشري والتوزيع الجغرافي.

وهذا سيوفر للمستثمرين الأجانب صورة واضحة تساعدهم في اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة، وبالتالي دعم تطوير مناخ الأعمال الوطني.

مقدمة لصنع السياسات

على الطريق الصحيح

أوضح المدير الجهوي للمندوبية السامية للتخطيط بمدينة الداخلة (جنوب)، الشيخ محمد ماء العينين، أن هذا الإحصاء سيوفر صورة شاملة عن احتياجات المواطنين ومستوى التنمية في مختلف المناطق، وهو ما من شأنه أن يساهم في وضع سياسات عمومية ملائمة.

وأضاف ماء العينين، عبر مقطع مصور نشرته المندوبية على فيسبوك، أن الإحصاء سيمكن من تحسين الخدمات في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة وسوق العمل، من خلال توفير بيانات دقيقة حول مؤشرات مثل مستوى التعليم واللغات المستعملة، والتأمين الصحي، ومعدلات الولادات والوفيات.

ووفقا لبيان سابق صدر عن المندوبية، سيتضمن الإحصاء جمع بيانات ديمغرافية تشمل صلة القرابة مع رب الأسرة والنوع والجنسية والعمر والحالة الاجتماعية والسن عند الزواج الأول ومكان الولادة.

كما يستهدف الإحصاء جمع بيانات عن حالة الإسكان (امتلاك أو استئجار) ونوع المسكن، والمسافة بين المسكن والمرافق الأساسية بالمناطق الريفية مثل الطرق والمدارس والمؤسسات التعليمية والمستشفيات، فضلا عن بيانات حول معدل الخصوبة.

وستشمل البيانات كذلك مدى توفر التأمين الصحي، والاستفادة من الخدمات الصحية، وكذلك معدلات الأمية والتعليم، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنشاط الاقتصادي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: