خطة مغربية لإشراك الكفاءات المهاجرة في النهضة التنموية
يراهن المغرب على انخراط أدمغته المهاجرة، التي تتبوأ مراكز مهمة في مجالات مختلفة بدول المهجر، في المساعدة على التنمية الاقتصادية، لاسيما في مجال الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر. وتستهدف الرباط تعبئة 10 آلاف كفاءة و500 ألف مستثمر من مغاربة العالم في أفق عام 2030، بغية تعزيز مساهمتهم في النهضة الشاملة.
يعمل المغرب على المسارين القانوني والمؤسساتي من أجل استقطاب الكفاءات المغربية في المهجر للاستفادة من خبراتهم وتوظيف كفاءاتهم في النهضة التنموية التي تشهدها البلاد. وكشفت تقارير أوروبية مؤخرا النقاب عن خطة مغربية لجذب الكفاءات العاملة في الشركات والمؤسسات العالمية بعد أن اجتذبتها الفرص المتعددة التي أصبح يتيحها المغرب. وتأتي خطة إشراك الجالية في مسار التنمية الشاملة تنزيلا لدعوات العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وفي 20 أغسطس 2022 دعا العاهل المغربي إلى “إقامة علاقة هيكلية مع الكفاءات وحاملي المشاريع المغاربة المقيمين بالخارج، ووضع آلية خاصة لمواكبتهم ودعم مبادراتهم ومشاريعهم، فالجالية المغربية بالخارج معروفة بتوفرها على كفاءات عالمية في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية وغيرها. وهذا مبعث فخر للمغرب والمغاربة جميعا. وقد حان الوقت لتمكينها من المواكبة الضرورية، والظروف والإمكانات، لتعطي أفضل ما لديها لصالح البلاد وتنميتها”.
ولتحفيز ومواكبة عددا من مزدوجي الجنسية من حملة الشهادات في عدد من التخصصات ومنها خاصة المجال الرقمي إلى العودة، قامت الحكومة المغربية بإشراك الكفاءات وحاملي المشاريع المغاربة المقيمين بالخارج في تصميم وتنفيذ “الألية الخاصة لتعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج ودعم حاملي المشاريع”، ومناقشة الوسائل التي من شأنها الاستجابة لانتظارات وتطلعات هذه الفئات، إضافة إلى إحداث فضاء لتبادل الخبرات والأفكار والمبادرات بين شبكات الكفاءات الجغرافية والموضوعاتية ومختلف الشركاء المؤسساتيين.
وأكد تقرير للبنك الدولي صدر مؤخرا، أن المملكة انخرطت في برنامج إصلاحات مهم وتدعم “نموذج نمو لخلق فرص الشغل بفضل القطاع الخاص”، وأن المغرب طور كذلك سياسة لمواكبة الكفاءات والمواهب القادمة من الخارج”.
وقال الكاتب العام لقطاع المغاربة المقيمين بالخارج، التابع لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إسماعيل المغاري، إن المغاربة المقيمين بالخارج يحظون باهتمام ورعاية خاصة من طرف العاهل المغربي، مشيرا إلى أن التوجه الجديد للقطاع ينبني على ضرورة الارتقاء بمستوى الخدمات الموجهة لهذه الفئة، والرقي بمستوى التدبير وتحسين الحكامة، ونسج علاقات هيكلية مع الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج وحاملي المشاريع منهم، وذلك قصد تسهيل مشاركتهم في إنجاز أوراش التنمية بالمغرب.
ويشجع المغرب بإشراف ملكي الشباب وحاملي المشاريع المغاربة المقيمين بالخارج للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة ، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد.
وأكد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية، عبد الله بوصوف، على ضرورة انفتاح البحث العلمي بالمغرب بشكل أكبر على المعارف العلمية والتكنولوجيات المتطورة في العالم، وتوسيع القدرة على استيعاب “التكنولوجيات المستوردة” بناء على نموذج مغربي-مغربي مبني على الاحتياجات الوطنية والاستثمار في تطوير الخصوصيات الوطنية لتصبح موارد وفرصا للتنافس على الصعيد الدولي.
ونوه، بوصوف في تصريح لـه، إلى أهمية التعامل مع إشراك الكفاءات المهاجرة في التنمية الوطنية بمبدأ “رابح-رابح”، من أجل إنجاح مساهمتها في الأوراش التنموية للمملكة، مشيرا إلى أن قرار عودة هذه الكفاءات إلى المغرب من أجل الاستثمار أو نقل الخبرات مرتبط بضمانات مؤسساتية واضحة، وتقليص للمخاطر بالنسبة لهم ولأسرهم.
وسجل بوصوف أنه “وبعد توفير الإطار القانوني والاقتصادي والاجتماعي لاستقطاب الكفاءات ووضع سياسات عمومية موجهة إليها من أجل تقوية مساهمتها في الأوراش الوطنية، تأتي مسألة العقلنة والحكامة الجيدة، وتنسيق المجهودات، وتسهيل التواصل، مسجلا أن إشراك الكفاءات المهاجرة يتطلب كذلك تدابير على مستوى التشريعات، ووضع سياسات عمومية شاملة موجهة لهذه الفئات، خصوصا في مجال التعليم، والسكن، والتغطية الاجتماعية والصحية، والوضع المهني، والاعتراف بالشهادات والخبرة المحصلة.
ولتسليط الضوء على الكفاءات المغربية تم في مايو الماضي تنظيم النسخة الـ12 من “ديوان أواردز” التي تحتفي بتميز كفاءات الجالية المغربية المقيمة في بلجيكا، وتسلط الضوء على كفاءات ذات أصول مغربية تتألق في مختلف المجالات بفضل عملها والقيم التي تتحلى بها ومساهمتها الإيجابية في المجتمع، مع التركيز على المواهب الشابة، بحضور رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دو كرو، وسفير المغرب ببلجيكا والدوقية الكبرى للوكسمبورغ.
وأوضح جيريمي ماندان، الباحث في جامعة لييج، أن هذه الظاهرة تنجم بالخصوص عن الرغبة في الالتحاق بمناطق حيوية ومدن معولمة وعالمية، توفر فرصا عديدة، معتبرا أن الأمر ينطبق على “دبي ومونتريال، وبشكل متزايد، المغرب، وفي ما يتعلق بالبلجيكيين – المغاربة، فإن عودتهم إلى البلاد ترجع أيضا إلى أسباب عاطفية، ودينية وثقافية ومهنية.
وصرح مسؤول بلجيكي كبير من أصل مغربي لصحيفة “ل ليبر بلجيك” “نعم، إنهم يواصلون التشبث ببلجيكا التي ترعرعوا فيها، لكنني على يقين من أنه كلما تطور المغرب، اتخذت ظاهرة العودة المزيد من الزخم”. وأضاف “كما تعلمون، فحتى مسار منتخب المغرب إلى غاية بلوغ نصف نهائي كأس العالم 2022 ساهم في مثل هذه الحركية، تلك الملحمة ولدت شعورا كبيرا بالاعتزاز والانتماء والانجذاب للوطن”.
وكتبت الصحيفة أن “عودة جانب من أفراد الجالية يندرج في إطار “دينامية أكثر اتساعا تهم فرنسيين، وإسبان وإيطاليين وروانديين، من المهنيين الشباب والطلبة والعاملين في المجال الرقمي عن بعد، من مختلف الأصول يلتحقون لأسباب مختلفة بالمغرب”.
ويزخر المغرب بمؤهلات مهمة يمكنه الاعتماد عليها من أجل النهوض بتنميته وتسريع وتيرتها. ومن هذه المؤهلات الهامة التي يحبل بها المغرب ثراء رأسماله المادي وغير المادي، وتاريخه وإشعاعه الدولي، وموقعه الجغرافي، عند ملتقى الحضارات. وقد أظهر المغرب قدرة على الصمود في وجه الأزمات الإقليمية متعددة الأشكال بفضل صمام الأمان الذي تجسده المؤسسة الملكية.