الانتخابات الجزائرية: المهم الشرعية الشعبية وليس الفائز المعروف مسبقا

ركزت آلة التعبئة والحشد الشعبي أنظارها على قياس توافد الجزائريين على صناديق الاقتراع، لانتخاب رئيس الجمهورية، أكثر من تركيزها على هوية المرشح المنتخب لمعرفتها مسبقا بأن الكفة تميل إلى مرشح السلطة عبدالمجيد تبون.

وظهر الحرص على نسبة المشاركة من خلال البث المفتوح الذي نظمه الإعلام الجزائري بنوعيه الحكومي والخاص لتغطية الاستحقاق الرئاسي، حيث تركزت نقاشات الضيوف ومداخلاتهم على ضرورة تحقيق نسبة مشاركة مقبولة، تفرز شرعية للرئيس القادم للبلاد، يستند عليها في سياساته وخياراته، بعد سنوات من تلويح المعارضة بعدم شرعية المؤسسات المنتخبة ومقاطعة الجزائريين لأجندات السلطة.

ولم تشذ نسبة المشاركة إلى غاية السادس من مساء السبت عن قاعدة النسب المسجلة خلال الاستحقاقات السابقة، مما دفع السلطة المستقلة للانتخابات للإعلان عن تسهيلات جديدة للناخبين، في حالة الأخطاء الإدارية، ووضعت أمامهم إمكانية الاقتراع بأيّ وثيقة هوية، إذا كان الاسم مدونا على اللائحة، ويفتقد صاحبها لبطاقة الناخب، وحتى استخراج الاسم من المنصة الإلكترونية إذا لم يكن مدوّنا على اللائحة.

 

محمد شرفي أعلن عن بلوغ نسبة المشاركة عند الواحدة ظهرا أكثر من 13 في المئة

وأعلن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي عن بلوغ نسبة المشاركة عند الواحدة ظهرا أكثر من 13 في المئة، وهي نسبة قيّمها البعض بـ”الأقل من المتوسط”، بينما راهنت مداخلات سياسية في بلاتوهات التلفزيونات على الفترة المسائية لارتفاع النسبة، وأجمعت على أنها لا تبتعد عن السلوك الانتخابي للفرد الجزائري، الذي يفضل أداء واجبه في الفترة المسائية.

وذكرت الهيئة المشرفة على الانتخابات لاحقا أن نسبة المشاركة بالاقتراع الرئاسي بلغت 26.45 في المئة قبل 3 ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع (التلفزيون الرسمي).

كما قررت الهيئة تمديد الاقتراع لساعة واحدة كمؤشر على عدم الرضا وعلى أمل استقطاب أكثر ما يمكن من الناخبين للرفع من نسبة المشاركة لتضاهي أو تفوق بقليل النسبة في انتخابات 2019 التي كانت في حدود أربعين في المئة.

ولم تخرج المشاركة الشعبية في الاقتراع عن الخارطة التقليدية المعروفة في الجزائر، حيث تسجل نسبا مقبولة في المناطق الداخلية والصحراوية، وتقل تدريجيا كلما تم التوجه نحو الشمال، حيث سجلت العاصمة والمدن الكبرى في الساعات الأولى مشاركة وصفت بـ”الضعيفة”.

غير أن اللافت هو كسر محافظتي تيزي وزو وبجاية في منطقة القبائل لحاجز المقاطعة التي سجلت في انتخابات العام 2019، حين لم تتجاوز النسبة النهائية سقف الواحد في المئة، حيث سجلت أكثر من 5 في المئة ظهرا، ورشحت لأن تكون أكثر مع إعلان نسب المشاركة التفصيلية.

وعزا متابعون ذلك إلى مرشح جبهة القوى الاشتراكية المنحدر من محافظة تيزي وزو، والذي أدلى بصوته في مسقط رأسه، فضلا عن زيارة تبون، خلال الأشهر الماضية إلى محافظة تيزي وزو، حيث تم مد روابط جديدة بين السلطة وبعض الأعيان المحليين، على غرار عاشور شلول أحد رموز الحركة الثقافية البربرية، ومليكة معطوب شقيقة المطرب القبائلي المعارض الراحل لوناس معطوب.

وقدرت اللجنة المستقلة للانتخابات الوعاء الانتخابي بنحو 24 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية، وقد تم تنظيم عملية الاقتراع في 63 ألف مكتب اقتراع أشرف عليها حوالي نصف مليون شخص، وتم تزويد العملية الانتخابية بكل الإمكانيات المادية واللوجيستية، تحسبا لأيّ طارئ، وهو ما كلف خزينة الدولة أكثر من 400 مليون دولار بحسب تقديرات رسمية.

 

نسبة المشاركة لم تشذ  عن المألوف، وسجلت  ارتفاعا في المناطق الداخلية والصحراوية، وتراجعا تدريجيا بالتوجه شمالا

ولأول مرة منذ عدة عقود جرى الاقتراع الرئاسي دون تسجيل أيّ حادث معيق أو عمل يستهدف عرقلة العملية، عدا تجاوزات محدودة في محافظتي برج بوعريريج ووادي سوف، مثلما أشار إلى ذلك أحمد صادوق مدير حملة عبدالعالي حساني شريف مرشح حركة حمس الإخوانية.

وظهر هاجس المشاركة الشعبية لدى المرشحين منذ بداية الحملة الانتخابية، التي تحولت إلى مسعى لاستمالة الشارع الجزائري أكثر منها فرصة لشرح برامجهم الانتخابية، الأمر الذي يعكس مدى اهتمام آلة التعبئة بالمشاركة بحثا عن الشرعية المطعون فيها، وليس عن هوية الرئيس المنتظر، بما أن مرشح السلطة يتواجد في رواق مفتوح لخلافة نفسه في قصر المرادية.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن مسألة المشاركة باتت رهانا مشتركا لجميع المرشحين، فمرشح السلطة يبحث عن ضخ شرعية شعبية لتزكية خيارات السلطة وسياساتها التي يقودها منذ خمس سنوات، بينما يبحث المرشحان المنافسان عن إثبات قدرتهما أمام الجزائريين وأمام قواعدهما على استقطاب جمهور جديد يضخ دماء جديدة في الآلة الانتخابية، الأمر الذي يؤهلهما لأداء أدوار جديدة في المستقبل سواء داخل أحزابهم أو أمام السلطة.

ويبدو أن التركيز موجه إلى استقطاب منطقة القبائل وإعادتها إلى المجموعة الوطنية، لقطع الطريق أمام محاولات الاستفراد بها ممن يستغلون خصوصياتها السياسية والثقافية لأغراض سياسية، سواء بالنسبة إلى القوى السياسية المحلية الشرعية، أو رموز الانفصال في حركة “ماك” الذين يزعمون في محافل داعمة لهم، تمثيل المنطقة وسكان القبائل، غير أن مطلعين على شؤون المنطقة يجزمون بأن “ماك” لا يمكنها تمرير طرحها الانفصالي داخل ما تزعم أنه قاعدتها الخلفية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: