انتقال المغرب إلى المدن الخضراء يتلقى قوة دفع أوروبية
يرجح خبراء أن يساعد استمرار تدفق الدعم الأوروبي إلى السوق المغربية على إعطاء الحكومة قوة دفع كبيرة لتنفيذ إستراتيجيتها في الانتقال إلى المدن الخضراء، والتي تتضمن مشاريع مستدامة تترجم جهود مكافحة تغير المناخ.
أعطى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تحفيزا جديدا للمغرب من أجل ترجمة تطلعاته في بناء مدن صديقة للبيئة عبر استكشاف الفرص لتمويل مشاريع مستدامة جديدة، ضمن تصور يتسق مع الاتجاهات الراهنة في العديد من بلدان العالم.
وتبدو الحكومة المغربية حريصة على السير بأقصى سرعة في خططها الواعدة عبر فتح الأبواب أمام المقرضين الدوليين، وخاصة من أوروبا، لضخ تمويلات في مشاريع ستهيئ البلد بشكل تدريجي للانتقال إلى المستقبل بسلالة من أجل تحقيق غاية الحياد الكربوني.
ونظم الأوروبي لإعادة الإعمار الخميس الماضي بالرباط لقاء مع ممثلي عدد من المسؤولين من مختلف جهات المغرب بهدف تسليط الضوء على برنامجه “مدن خضراء”، المخصص لتمويل مشاريع مستدامة.
ويهدف اللقاء، الذي عرف مشاركة خبراء من المديرية العامة للجماعات الترابية والهيئة المغربية لسوق الرساميل، إلى إبراز الدور المحوري للمدن في تذليل التحديات المرتبطة بالتغير المناخي وتسليط الضوء على نماذج التمويل المتاحة لدعم برامجها الاستثمارية.
وشمل اللقاء جلستي مناقشة، الأولى تتمحور حول “أي مساعدات تقنية لازمة لمواكبة الإعداد والتنفيذ المستدام لمشاريع لفائدة الجماعات الترابية المغربية؟”، و”السندات الإلزامية، أداة تمويل مستقبلية لتمويل الجماعات الترابية”.
وقال مدير البنك بالمغرب أنطوان ساليه دو شو إن “برنامج مدن خضراء موجه للبلدان التي ينشط فيها البنك”، مشيرا إلى أن الهدف هو مواكبة تطوير برامجها الاستثمارية لمواجهة التحديات الناجمة عن تغير المناخ وتحول الطاقة.
ونقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن شو تأكيده أن هذا البرنامج، الذي يتم تنفيذه في 50 مدينة عبر العالم، يعبئ تمويلا بقيمة 5 مليارات يورو مخصصة لتعزيز البنى التحتية للتنمية المستدامة، لاسيما في مجالات التنقل المستدام والإنارة العمومية والماء.
وكان البنك الأوروبي لإعادة الإعمار قد أطلق برنامجه الطموح في أغادير، وأيضا بجهة كلميم – واد نون، ومن المتوقع أن يواصل نشاطه في مدن مغربية أخرى خلال المرحلة المقبلة.
وقالت رئيسة مجلس جهة كلميم – واد نون مباركة بوعيدة إن التعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار “يندرج في إطار تنويع مصادر التمويل من أجل معالجة إشكالية قلة الموارد المائية”. وسبق أن أبرم مجلس الجهة اتفاقية قرض بقيمة 131 مليون درهم (13 مليون دولار) مع هذه المؤسسة المالية الأوروبية بغرض تزويد المناطق القروية بالماء، وتحديث محطات معالجة المياه العادمة.
وأوضحت بوعيدة أن هذه الشراكة لا تهدف إلى تمويل هذه المشاريع المهيكلة فحسب، بل تريد أيضا توفير مواكبة تقنية مهمة بالنظر إلى التجربة الدولية للبنك الأوروبي، فضلا عن تنفيذ برنامج “مدن خضراء ذكية” التابع لهذه المؤسسة في الأقاليم الأربعة للجهة. وكانت أغادير أول مدينة مغربية تلجأ إلى الأسواق المالية (سندات إلزامية) لتمويل مخططها للتنمية الحضرية.
وأوضح النائب الأول لرئيس جماعة أكادير مصطفى بودرقة أن الأمر يتعلق ببرنامج استثماري كبير في المدينة، وذي أثر ملموس على السكان وأغادير التي أضحت أكثر جاذبية بفضل التدفق الكبير للسياح.
◙ أغادير أول مدينة مغربية تلجأ إلى أسواق الدين لتمويل مخطط التنمية الحضرية، 40 في المئة منه غطاها الأوروبي للإعمار
وأشار إلى أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار قام بتغطية نحو 40 في المئة من هذه السندات، أي حوالي 400 مليون درهم (39.8 مليون دولار) على مدى عشر سنوات. وتساهم المدن والعواصم بنحو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل أيضا حوالي 70 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية، وتستهلك أكثر من 60 في المئة من موارد الطاقة العالمية.
واعتبر رئيس مجلس جهة الرباط – سلا – القنيطرة رشيد العبدي اللقاء مناسبة لتبادل الآراء مع الخبراء من أجل “تعميق فهمنا لمقاربة تصميم المدن المستدامة والاستثمار فيها”. وأشار إلى أن بلده يواجه تحديات بيئية متزايدة، لاسيما التصحر وتلوث الهواء والإجهاد المائي، والتي تتعين مواجهتها “بعزم وبطرق مبتكرة”.
وأكد أن مفهوم “مدينة خضراء” يبرز كحل واعد لبناء مستقبل أكثر استدامة وانسجاما، مضيفا أن المغرب أبدى التزامه بالتنمية المستدامة عبر العديد من المبادرات والمشاريع المبتكرة، بما في ذلك إقامة محطات للطاقة الشمسية والنهوض بالزراعة المستدامة.
وشدد على ضرورة تكثيف هذه الجهود من أجل إنجاح الانتقال نحو مدن خضراء، مبرزا أن التحدي البيئي يوجد في قلب إستراتيجية مجلس جهة الرباط – سلا – القنيطرة، وأنه يتعين تشجيع الجماعات الترابية والشركات والمواطنين على تبني ممارسات مسؤولة بيئيا.
ويتسارع مخاض المغرب بحثا عن نموذج جديد للتنمية الاقتصادية، حيث تسعى الحكومة إلى تسليم القطاع الخاص قيادة خطط تطوير مدن مستدامة بما يخدم تطلعات العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي يقود ثورة شاملة في مختلف المجالات الحيوية بالبلاد.
وتطور شركة الفوسفات الحكومية حاليا مشروع مازاغان الذي سيكون أول نموذج لمدينة مستدامة في البلاد على مساحة 1300 هكتار، حيث سيتم تخصيص 300 هكتار للغابات والمساحات الخضراء، وتشمل منطقة سكنية تتكون من فلل وشقق.
كما تضم المدينة منطقة أكاديمية ضمنها قسم للبحث والابتكار، وأيضا مرافق للرياضة ولاستضافة الفعاليات الثقافية والفنية، ومنطقة مخصصة لأنشطة قطاع الخدمات والشركات الناشئة.
وهذه المدينة المستدامة واحدة من 4 مشاريع تعكف شركة الفوسفات على تشييدها مع شركاء أجانب، وهي القطب التكنولوجي فم الواد بمدينة العيون والمدينة الخضراء محمد السادس في مراكش والمنجم الأخضر في خريبكة.
وفي نوفمبر 2023 نالت مدينة العيون المرتبة الثانية في جائزة المدينة المستدامة والمرنة، ضمن جوائز الدورة الرابعة عشرة لجائزة منظمة المدن العربية، التي تم إعلان نتائجها بمقر مؤسسة الجائزة في الدوحة.
والعيون أهم مدينة في الصحراء المغربية، تمتد على طول الضفة اليسرى للساقية الحمراء، وتتميز بمبان مصممة بأسلوب عصري يحترم العمارة الكلاسيكية في الصحراء، بينما في الجزء السفلي من المدينة الحي القديم. وتوسعت المدينة بفضل إنجازات الحكومة فيها بإقامة مشاريع تنموية كبرى شاملة ومتواصلة في مختلف المجالات.