الإحباط يسيطر على الشباب الجزائريين في الانتخابات الرئاسية

مشاعر الإحباط الممزوجة بعدم الثقة في الوعود المقدمة، تسيطر على الشباب الجزائريين تجاه الانتخابات الرئاسية التي من المنتظر أن يقاطعها عدد كبير منهم. ويعتبر ارتفاع مؤشر البطالة والتضخم وغلاء الأسعار محددات رئيسية للحكم على الوعود السابقة.

دُعي أكثر من 24 مليون ناخب في الجزائر للتوجّه إلى صناديق الاقتراع اليوم السبت في انتخابات رئاسية يراهن عليها مرشح السلطة عبدالمجيد تبون الذي يبدو في طريق مفتوح للفوز بها، لتعزيز شرعيته الانتخابية وتحقيق نسبة تصويت مرتفعة مقارنة بنتائج ولايته الأولى المنتهية، لكن إحباط الشباب الذين يمثلون ثلث عدد الناخبين قد يحول دون تحقيق ذلك.

ويرى محللون أن الرهان الرئيسي الذي يواجه تبون يتمثّل في نسبة المشاركة مقارنة بانتخابات 2019 التي أوصلته إلى الرئاسة بـ58 في المئة من الأصوات وسط نسبة امتناع قياسية.

ويقول مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف الجزائري حسني عبيدي “الرئيس حريص على أن تكون نسبة المشاركة كبيرة. إنه الرهان الرئيسي بالنسبة له. يريد أن يكون رئيسا عاديا وليس رئيسا منتخبا بشكل يثير الجدل”.

وعلى الرغم من عدم توافر أرقام رسمية، إلا أنه يبدو واضحا أن عدد الشباب الذين لا يشاركون في الاقتراع كبير.

وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في خضم تظاهرات الحراك الحاشدة المطالبة بتغيير النظام الحاكم منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي في 1962، بلغت نسبة الامتناع عن التصويت 60 في المئة وهو رقم قياسي.

لا ننتظر تغييرا

 

صوت واحد

لا ينتظر الشباب في الجزائر تحقّق وعود الرئيس عبدالمجيد تبون الرئاسية هذه المرة أيضا، نتيجة حصيلته غير الكافية خلال ولايته الأولى والتي قدم فيها وعودا كثيرة لم يتحقق معظمها.

ويقول عبدالنور بن خروف، وهو حلاّق يبلغ 20 عاما، لوكالة فرانس برس “لم تحمل السنوات الخمس الماضية أي جديد. منذ العام 2019، لم نحقّق أي شيء ملموس”.

ومن جانبه، يقول كريم بلجودي (19 عاما) “بصراحة، خلال السنوات الخمس الماضية، لم نشهد أي تقدّم أو تطوّر في البلاد. لم يتغيّر شيء في وضعنا. منذ العام 2019، نعيش الروتين نفسه. عاما بعد عام، تمرّ السنوات من دون أن نتمكن من تحقيق شيء يذكر”.

ووعد عبدالمجيد تبون الذي يعوّل كثيرا على تصويت الشباب، في تجمّع قبل الانتخابات في وهران (غرب)، بتوفير 450 ألف وظيفة جديدة وزيادة منحة البطالة، وهي إعانة شهرية تم استحداثها في العام 2022 لمن تتراوح أعمارهم بين 19 و40 عاما، من 15 ألف دينار إلى 20 ألف دينار (135 دولارا) لتتساوى مع الحد الأدنى للأجور.

لكن بالنسبة لفؤاد الإبراهيمي، وهو رسام يبلغ 22 عاما، فإن الشباب يريدون “وظائف، لأن هذه الإعانة غير دائمة”. وكغيرها من الإعانات الاجتماعية، يتمّ تمويلها من المكاسب غير المتوقعة من الغاز الطبيعي الذي تعد البلاد أكبر مصدر له في أفريقيا والذي ارتفع منذ الحرب في أوكرانيا في العام 2022.

وبالنسبة لهذا الرسام الشاب، “لا يوجد تقدّم حقيقي في أي ميدان. يمكن القول إن الرئيس تبّون أعاد البلد جزئيا للوقوف على قدميه، ولكن كل ما يفعله هو مواصلة ما تبقى من المشاريع السابقة”.

ويمثّل الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاما أكثر من نصف عدد السكان في الجزائر – حوالي 23 مليونا – وكل شاب من ثلاثة عاطل عن العمل، بينما معدّل البطالة العام يقارب 12 في المئة.

ويقول سامي رحماني (39 عاما)، وهو عاطل عن العمل وكان قرب مكتب انتخابي للمرشح تبّون إنه يتردّد في الكلام، لأن البعض يصوّره على أنه “خائن للحراك” الذي كان “عضوا نشيطا فيه”.

60 في المئة من الشباب الجزائريين قاطعوا انتخابات 2019 وقد ترتفع هذه النسبة القياسية

ويضيف أنه “راض” عن “السنوات الخمس الماضية، لأن الرئيس بذل جهدا حقيقيا. وإن شاء الله سيبذل في السنوات القادمة المزيد من الجهد، وسيقدّم الدعم للشباب المهمّشين، لأننا نرى شبابا يحملون شهادات ولا يجدون عملا”.

ويضطر بعض أصحاب الشهادات العليا إلى العمل في وظائف بسيطة وبدون تأمين في قطاعات مثل توصيل الطلبات ونقل الأشخاص والبيع في الشارع.

ويعتقد إسحاق الشاذلي، وهو طالب يبلغ 21 عاما، بأن الولاية الأولى لتبون “تزامنت مع فترة كوفيد – 19، لذلك لم يتمكّن الرئيس من إنهاء المشاريع التي بدأها ووعدنا بها. سنتان أو ثلاث لم تكن كافية، فهو يحتاج إلى المزيد من الوقت وسنرى ما إذا كان سيفي بوعوده حقا”.

ودفعت الصعوبات الاقتصادية وغياب الآفاق المئات من الشباب كل عام إلى “الحَرقة”، وهو التعبير الشعبي للهجرة غير القانونية من خلال عبور البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا. ولإثنائهم عن ذلك، جرّمت السلطات محاولات الهجرة غير الشرعية.

ولم يخف عبدالنور وكريم إحباطهما. وينتقدان “كثرة الوعود من دون أن يتم الإيفاء بها”. وكلاهما لديه حلم واحد فقط: “الحَرقة”.

وبالنسبة للكثير من الجزائريين، فإن أكثر ما يشغل بالهم هو التحديات الاقتصادية وتحدّث كثيرون من الأشخاص عن ارتفاع تكاليف المعيشة، ولم يرغب أي منهم في ذكر اسم عائلته.

وقال محمد (22 عاما) “بصراحة، كلّ ما أريده هو الذهاب إلى بلد آخر. بمجرد أن أحصل على ما يكفي من المال لأدفع لمهرّب، سأغادر البلاد”.

وقالت عائشة (30 عاما)، إنها لا تعرف ما إذا كانت ستصوّت أم لا، مضيفة “سأقرّر ذلك يوم الانتخاب. أعلم أن علينا التصويت، لكن السياسيين لا يتذكّرون النساء إلا عندما تكون هناك انتخابات ويريدون أصواتهن. بعد ذلك، ينسونهن حتى الانتخابات التالية”.

عائدات مرتفعة للغاز لم تغير شيئا

 

ماذا تحرسون؟

أنهى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ولايته الرئاسية الأولى التي بدأت في التاسع عشر من ديسمبر 2019، في ظل تفاوت في تقييم هذه الفترة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لكنها تتقاطع في أن مستوى التطلعات الاقتصادية، مقارنة بالأسباب المادية المتوفرة لتحقيق جزء منها، كان أقل بكثير من الوعود.

وشهدت موازنة الجزائر مداخيل غير متوقعة بسبب ارتفاع أسعار الغاز منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

وشهدت فترة تبون (78 عاما) الرئاسية الأولى منذ انتخابه، في عام 2019، تحديات اقتصادية في مقدمتها ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم إلى أعلى مستوى منذ عقود، حسب بيانات البنك الدولي.

الشباب في الجزائر لا ينتظرون تحقّق وعود الرئيس عبدالمجيد تبون الرئاسية هذه المرة أيضا، نتيجة حصيلته غير الكافية خلال ولايته الأولى

وحسب بيانات البنك الدولي، بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للجزائر خلال عام 2023، نحو 239.9 مليار دولار، وهو ما يعني أنها تبتعد كثيرا عن الاقتصادات الكبرى في العالم.

وشهدت الجزائر التي تعتمد بشكل كبير على قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، كمصدر رئيسي للإيرادات، ارتفاعا في معدلات التضخم بوتيرة ملحوظة منذ تولي تبون الحكم قبل أربع سنوات، حتى بلغ، في عام 2023، أعلى مستوى منذ أكثر من عقدين عند 9.3 في المئة من 2 في المئة في 2019، قبل أن يتباطأ خلال الربع الأول من 2024 إلى 5 في المئة.

وقال صندوق النقد الدولي، عقب اختتام مشاورات اقتصادية مع مسؤولين جزائريين، في مارس الماضي، إن “التضخم في الجزائر لا يزال يُشكل مصدر قلق، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، واستمرار السياسة النقدية المتساهلة” في إشارة إلى معدلات الفائدة.

وحذّر صندوق النقد الدولي من المخاطر التي تحيط بالتوقعات الاقتصادية للجزائر في المدى المتوسط وعلى الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال، والقدرة على جذب الاستثمار الخاص.

وقال إن المخاطر تشمل “التضخم العنيد، وتقلب أسعار المحروقات العالمية، والمخاطر المالية الناجمة عن الالتزامات الطارئة، والاحتياجات المالية الضخمة للموازنة، وارتفاع الدين العام”.

وتعتبر الجزائر من بين الدول التي تلقى نصائح عدة من مؤسسات دولية لتنويع اقتصادها، الذي يعتمد بشكل كلي على إيرادات النفط والغاز منذ عقود، مع تدني مستوى الاستثمار الخاص والأجنبي المباشر.

وتقول مؤسسة “فيتش سوليوشنز” في تقرير لها، يناير الماضي، إن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بشكل أسرع من المتوقع قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط العالمية، مما قد يؤثر سلبا على إنتاج الهيدروكربونات في الجزائر، ويؤدي بدوره إلى إبطاء الإنفاق الحكومي.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تراجع من 0.7 في المئة في عام 2019 إلى (صفر) بحلول نهاية 2022.

وبحسب تقرير الاستثمار العالمي 2024 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الجزائر خلال السنوات الخمس الماضية، لتسجل في عام 2023 نحو 84 مليون دولار فقط.

ويتوقع صندوق النقد الدولي تراجع نمو الناتج الإجمالي الحقيقي للجزائر خلال الأعوام القليلة المقبلة إلى 3.8 في المئة في 2024 و3.1 في المئة في 2025 و2.5 في المئة في 2026، من 4.2 في المئة المسجل في العام الماضي.

لكن “فيتش سوليوشنز” تقول إنها تتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في الجزائر إلى 1.3 في المئة في عام 2024، وهو أقل من هدف النمو الحكومي البالغ 4.2 في المئة ومتوسط النمو خلال السنوات الخمس التي سبقت جائحة كورونا البالغ 2.1 في المئة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: