زعيم بوليساريو متورط في فضيحة اختلاس المساعدات الموجهة لسكان مخيمات تندوف
ليس سرا خفيا أن المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة للسكان الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف كانت دائما تُستخدم كوسيلة للتربح الشخصي وكأول مصدر للإثراء غير المشروع لقادة البوليساريو. إلا أن هذه الفضيحة اكتسبت اليوم بُعدا جديدا، حيث كشف وسيلة إعلامية تابعة للبوليساريو أن إبراهيم غالي هو المتورط الرئيسي والمستفيد الأول من هذه المساعدات. وتُعد مئات الأطنان من الوقود التي تُقدّم شهريا من الجزائر إلى الانفصاليين مثالا واضحا على ذلك، والتي جعل منها غالي منطقة نفوذ خاصة به.
وقد كشفت تحقيقات وشهادات ميدانية، تلاها تقارير مفصلة وموثقة من منظمات أوروبية مستقلة، عن الفساد الذي يمارسه قادة البوليساريو. ويُعتبر التقرير الذي نشره مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي (OLAF) في عام 2015 مثالا بارزا في هذا السياق، حيث فتح أعين الدول الأوروبية والعالم على كيفية اختلاس قادة البوليساريو لمعظم المساعدات الإنسانية الدولية الموجهة للمدنيين في مخيمات تندوف.
وهذه المرة، كشف موقع « فوتورو صحراوي »، وهو صوت من داخل البوليساريو، بالأرقام كيف أن إبراهيم غالي، عبر أفراد من عائلته، استولى على مئات الأطنان من الوقود التي تُقدّم شهريا من النظام الجزائري إلى ميليشيات البوليساريو، حيث تتولى شركة سوناطراك الجزائرية نقلها بانتظام وتخزينها في خزانات تحت الأرض في الرابوني.
أصبح من المؤكد الآن أن المتورط الرئيسي في هذا التهريب ليس سوى بنبطوش، الذي يعمل تحت حماية مشددة من الجيش الجزائري، والذي وفّر له حتى نقاط حدودية مؤمنة لهذا الغرض.
هذا التهريب يُعدّ مربحا للغاية، حيث يساهم بشكل مستمر في زيادة الأرصدة البنكية والمخازن السرية لرئيس الانفصاليين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاقتصاديات الخفية التي يستفيد منها أيضا بعض الجنرالات الجزائريين، قد أشاد بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حيث اعتبرها نموذجاً لتجارة المقايضة والمناطق الحرة الحدودية التي تعتبر رافعة جديدة لـ »الجزائر الجديدة » في تعاملها مع دول الساح ومع ذلك، عندما تم تعيين إبراهيم غالي من قبل النظام الجزائري على رأس البوليساريو، كان قد تعهد بإنهاء تجارة الوقود غير المشروعة.
وقد جاء هذا التعهد في عام 2018، حيث حاول غالي من خلاله محو سمعته السيئة كرائد في تجارة الوقود والأسلحة في الفترة التي كان فيها وزيراً للدفاع، وهو المنصب الذي شغله لأكثر من 15 عاماً خلال السبعينيات والثمانينيات. ومع ذلك، لا تزال ثروات الشعب الجزائري تتبخر في هذا الوزارة الوهمية لصالح قادة البوليساريو.
أكثر من 340 طنا من الوقود تُسلم شهريا
يتم تسليم حوالي 340 طنا من الوقود شهريا، وأحيانا أكثر بحسب طلبات قيادة البوليساريو، لوزارة الدفاع التابعة للانفصاليين وحدها. وخلال السنوات الأخيرة، وبعد توسع أنشطة التنقيب عن الذهب في الدول المجاورة للجزائر، طلب البوليساريو من حاميه الجزائري توفير كميات إضافية من الوقود في شكل بنزين، في حين كان الغازوال هو الشحنة الرئيسية للتسليمات الشهرية.
وبخصوص طريقة تهريب الوقود الجزائري، يستخدم إبراهيم غالي عائلته المقربة وقادة ما يسمى بـ »المناطق العسكرية » الستة الموزعة على غرار النظام العسكري الجزائري.
يتلقى قادة كل منطقة ما بين 20 و30 طنا من الوقود شهريا، لكن نصف هذه الحصص تُحوّل مباشرة لتزويد محطات الوقود المملوكة لإبراهيم غالي. ويتم إفراغ هذه المحطات، سواء كانت في مخيمات تندوف أو على الحدود مع موريتانيا، قبل كل شحنة جديدة من خلال شراء المخزون المتبقي، لخلق نقص في الوقود لبضعة أيام ورفع الأسعار في المحطات بشكل مستمر.
شبكات تهريب الوقود
لكل منطقة عسكرية زبائنها الخاصين لتصريف الوقود المهرب. فمثلاً، تقوم المنطقة العسكرية الرابعة ببيع ثلاثة أرباع حصتها الشهرية من الوقود لتجار ومنقبين موريتانيين، بينما تبيع المنطقة العسكرية السادسة الوقود المهرب لتجار المخدرات في موقع بين بير لحلو ومنطقة عين بنتيلي، الواقعة في أقصى شمال موريتانيا. وتستخدم صهاريج كبيرة السعة في هذا التهريب.
من ناحية أخرى، يمتلك أحد إخوة إبراهيم غالي حق احتكار بيع الوقود لقوافل بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) التي تزور المنطقة لمراقبة وقف إطلاق النار الجاري منذ عام 1991. ويصل إجمالي فاتورة الوقود التي تدفعها المينورسو إلى حوالي 365 ألف دولار سنوياً (ما يعادل 1000 دولار تدخل جيب بنبطوش يومياً).
سواء تم بيع الوقود المهرب في موريتانيا أو مالي أو تندوف أو للمينورسو، فإن شخصاً واحداً مسؤول عن تنسيق هذه العمليات وتحصيل الأموال الهائلة الناتجة عن هذا التهريب. هذا الشخص، الذي يشغل رسمياً منصب مستشار في وزارة المياه المزعومة، هو في الواقع ابن عم إبراهيم غالي. والنظام الجزائري على علم تام بكل هذه الانتهاكات، ولكنه يغض الطرف عنها أو حتى يشجعها، لأنها الثمن المطلوب للاستمرار في السيطرة على قادة البوليساريو واستدامة صراع مفتعل يثري زعماء الانفصاليين.
دعوات للتمرد والانشقاقات
في أبريل الماضي، تمرد عشرات من عناصر ميليشيات البوليساريو ضد فساد قيادتهم في المنطقة العسكرية الأولى، وذلك بعد اختلاس 25 طنا من الوقود تم بيعها لمهربين. ونظم المتمردون اعتصاما داخل ثكنتهم للمطالبة بمعاقبة قائدهم. وفي النهاية، قام بنبطوش بتنفيذ تغييرات، مع الإبقاء على قائد المنطقة العسكرية الأولى، وهو ما اعتبره عشرات الميليشيات إهانة، ليعلنوا انشقاقهم بشكل نهائي.
وفي منتصف يوليوز الماضي، أعلن أكثر من 90 عنصرا آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي انشقاقهم، متهمين إبراهيم غالي بتأسيس نظام فساد بمساعدة النظام الجزائري، وداعين إلى إزاحته عن قيادة البوليساريو، حتى لو كان ذلك عبر انقلاب عسكري.
ويطالب العديد من المعارضين السياسيين لإبراهيم غالي، ومن بينهم مستشاره السابق بشير مصطفى السيد الذي استقال مؤخرا، بعقد مؤتمر استثنائي لاختيار قيادة جديدة للبوليساريو، تكون خالية من زعيم الانفصاليين الحالي.