ولاية رئاسية ثانية لتبون تئد آمال التغيير في الجزائر
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يخوض سباقا رئاسيا محسوما مسبقا. وبتقلده ولاية ثانية لمدة خمس سنوات تتبدد أهم مطالب الحراك الشعبي الذي طالب بالتغيير. وسخّر تبون خلال حملته الانتخابية كل إمكانيات الدولة لتأمين فوزه وهو ما قوبل بانتقادات شديدة داخليا وخارجيا.
انطلقت، الاثنين، عملية تصويت الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم السابع من سبتمبر الجاري، حيث سيواجه الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون منافسين ضعيفين.
وانتخب تبون لأول مرة في انتخابات مثيرة للجدل في عام 2019 نُظمت على خلفية الحراك الشعبي الذي طالب بقيادة جديدة.
وكانت الدعوة إلى الانتقال الديمقراطي تحديا مباشرا للنظام السياسي الحاكم في البلاد، لكن بعد خمس سنوات، لم تتم معالجة هذه المطالب الشعبية بقيادة جديدة إلا بشكل سطحي.
ومع ذلك من المؤكد تقريبا أن يفوز تبون بإعادة انتخابه لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، مما يخيب آمال العديد من الجزائريين الذين يتوقون إلى وجوه جديدة وتفكير جديد في قيادة البلاد.
ويعتبر تبون، أحد الخريجين الأوفياء لمنظومة السلطة التي تدير البلاد، حيث عاصر أغلب رؤساء الدولة، منذ أن كان رئيس دائرة، ثم واليا، ثم وزيرا، ثم رئيس وزراء، قبل أن يطاح به بعد 80 يوما من العام 2017، ويوضع على الرف بعد عقود من خدمة النظام القائم.
وشكل انتخابه نهاية العام 2019، بداية الهجوم المضاد الذي شنته السلطة ضد احتجاجات الحراك الشعبي، وخلال عهده تم حظر المظاهرات التي نظمها الحراك، كما تم تكثيف ملاحقات النشطاء المعارضين والصحافيين والأكاديميين، مستفيدا من القيود المفروضة على التجمّعات خلال جائحة كوفيد.
من المؤكد أن يفوز تبون بولاية ثانية مما يخيب آمال العديد من الجزائريين الذين يتوقون إلى تفكير جديد في قيادة البلاد
وفي شهر فبراير الماضي قالت منظمة العفو الدولية إن “بعد خمس سنوات على اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، لا تزال السلطات الجزائرية تقيد الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي”.
وأوضحت المنظمة في تقرير يستند إلى شهادات معتقلين وعائلات ومحامين أن “السلطات الجزائرية صعّدت قمعها للمعارضة السلمية” منذ قضت على احتجاجات الحراك في أوائل العام 2020.
وقالت مديرة منظمة العفو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هبة مرايف “إنها لمأساة أنه بعد خمس سنوات من نزول الجزائريين الشجعان إلى الشوارع بأعداد كبيرة للمطالبة بالتغيير السياسي وبإصلاحات، تواصل السلطات شن حملة قمع مروّعة، وأن مئات الأشخاص اعتقلوا بشكل تعسّفي”، مضيفة أن “صحافيين وناشطين ما زالوا خلف القضبان”.
ويقول أندرو جي فاراند، وهو زميل أول غير مقيم في برامج الشرق الأوسط، في تقرير نشره المجلس الأطلسي إن خلال السنوات الخمس التي قضاها كرئيس، بنى تبون إرثا متقلبا.
وبعد أشهر قليلة من تنصيبه، دمر جائحة كوفيد – 19 نظام الرعاية الصحية في البلاد. وفي غضون ذلك، غادر تبون إلى ألمانيا لتلقي العلاج عندما أصيب بالفايروس.
ومع اندفاع أوروبا لتأمين بدائل للطاقة الروسية، ارتفع الطلب على النفط والغاز الجزائريين، حيث توافد القادة الأوروبيون على الجزائر لتوقيع صفقات طاقة جديدة، مما جلب تدفقا نقديا كان يحتاجه بشدة لموازنته.
تبون ضاعف موازنة الجيش بأكثر من الضعف ، ووسع الإنفاق الاجتماعي، وأرجأ تخفيضات الدعم المخطط لها
واستخدم تبون هذه المكاسب غير المتوقعة لشراء الدعم والتعويض عن شرعيته الانتخابية المحدودة.
وضاعف تبون موازنة الجيش بأكثر من الضعف (من 10 مليارات دولار في عام 2022 إلى ما يقرب من 22 مليار دولار اليوم)، ووسع الإنفاق الاجتماعي، وأرجأ تخفيضات الدعم المخطط لها. لكنه كافح للسيطرة على التضخم وفشل في تحقيق أهداف نمو الصادرات.
وفي الوقت نفسه، فرض تبون قيودا صارمة على الحريات العامة لقمع الحراك الشعبي ومنع عودته. فأخمد الاحتجاجات الأخيرة، وعدل قانون العقوبات لتسهيل اعتقال المعارضين بتهم سياسية، وسجن الصحافيين، وأغلق المنافذ الإعلامية غير المواتية، وحل منظمات حقوق الإنسان الرائدة في البلاد. كما أقر دستورا جديدا عزز سلطات الرئيس.
وعملت هذه التدابير على تعميق التناقض القائم منذ فترة طويلة. واليوم، يكتفي أولئك الذين يكتفون بإبقاء رؤوسهم منخفضة وأفواههم مغلقة، ويقبلون بعض الدور المحدود في الاقتصاد الذي تهيمن عليه الدولة، بالبقاء والقيام بما يُؤمرون به.
وفي الوقت نفسه، يغضب الجزائريون الأكثر طموحا من القيود، حيث يفرّ العديد منهم في نهاية المطاف إلى الخارج أو ينتهي بهم المطاف خلف القضبان.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، فشل تبون في الاستفادة من الشعبية الجديدة التي اكتسبتها الجزائر لتعزيز أولويات السياسة الخارجية الرئيسية ــ الحصول على القبول في تحالف البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في عام 2023، وحماية الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي، والدفاع عن الصحراويين، أو الحفاظ على مجال نفوذ الجزائر في منطقة الساحل.
ويقدم سجل تبون الكثير من الأسباب التي قد تجعل الجزائريين يرغبون في التصويت لإبعاده عن منصبه. لكن هذه الانتخابات لا تقدم سوى القليل من الأمل في انتقال السلطة.
وتم استقطاب كل مؤسسة وطنية ذات أهمية واستغلالها كذراع لحملة تبون، بما في ذلك جبهة التحرير الوطني الحاكمة السابقة والأحزاب المتحالفة معها، والمنظمات الوطنية للنساء والمحاربين القدامى، والمجالس الوطنية للشباب والمجتمع المدني التي أنشأها تبون.
وتم أيضا تهميش أي شخص يمكنه تهديد فرص إعادة انتخاب تبون بالفعل. لقد تم دفع وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة إلى منصب مبعوث الأمم المتحدة في الخارج، وتم تمديد الحكم الزائف بالسجن على الجنرال علي غديري، وتم حبس الناشط اليساري كريم طابو في حيه ومنعه من ممارسة السياسة، وهرب المرشح السابق رشيد نكاز إلى الولايات المتحدة، ويقبع الصحافي إحسان القاضي في السجن.
وأعلن آخرون اعتزالهم السياسي مبكرا لتجنب مصير مماثل. كما منع الحزب الإسلامي الرائد في الجزائر، حركة مجتمع السلم، رئيسه المنتهية ولايته عبدالرزاق مقري من الترشح في ما بدا أنه صفقة منظمة مع السلطة.
وعلى الرغم من المخاطر، كان أكثر من ثلاثين مرشحا يأملون في تحدي تبون. وفي نهاية المطاف، وافقت السلطات على اثنين فقط، في حين لاحقت عدة مرشحين آخرين بتهمة الاحتيال بشأن أوراقهم.
ويتمتع المرشحان المعتمدان؛ عبدالعالي حسني شريف، الإسلامي الذي خلف مقري في رئاسة حركة مجتمع السلم العام الماضي، ويوسف عوشيش، الزعيم الشاب لجبهة القوى الاشتراكية، بآلية حملة قوية لكنهما سيواجهان صعوبة في جذب الدعم إلى ما هو أبعد من قواعدهما الانتخابية المحدودة.
ويتوقع فاراند أن يفوز تبون بأغلبية ساحقة في الجولة الأولى، مما يلغي الحاجة إلى جولة ثانية.
ولا يزال عدم الرضا عن النخبة الحاكمة ورفضها تقاسم السلطة الذي دفع الجزائريين إلى الشوارع في عام 2019 دون معالجة إلى حد كبير. كما أن ضعف قائمة المرشحين البدلاء واليقين شبه المؤكد بفوز تبون لن يفعل الكثير لإلهام المشاركة.