لازال مشروع القانون الجنائي الذي تقدم به وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي وصادق عليه المجلس الحكومي الخميس الماضي، يثير جدلا في المغرب، حيث انتقدت أطراف حقوقية وحزبية وجمعيات حماية المال العام، مشروع القانون الجنائي الذي اعتبرت أن بعض بنوده تقيّد قدرة جمعيات المجتمع المدني على تقديم شكايات ضد المتورطين في قضايا الفساد ونهب المال العام.
واعتبرت الأطراف الحقوقية والحزبية، أن هذا المشروع يمثل “إجراء احترازيًا” هدفه حماية السياسيين الفاسدين ويقيّد دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد والرشوة والإثراء غير المشروع.
ووجهت الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد شكوى إلى الديوان الملكي ضد وزير العدل، بشأن سعيه لتعديل مجموعة من التصورات في القانون الجنائي بهدف منع جمعيات حماية المال العام من مقاضاة رؤساء البلديات، وتجريد مفهوم الحوكمة الجيدة من مضامينها الحقيقية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة.
واعتبرت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن المادة الثالثة من مشروع القانون الجنائي، التي تحرم الجمعيات الحقوقية المعنية من حقها في رصد وتتبع الخروقات وتقديم الشكاوى إلى الجهات المختصة بغية فتح تحقيق للوقوف على الإخلالات والخروقات الإدارية والمالية داخل المؤسسات المنتخبة والإدارات العمومية وشبه العمومية، يُعد “تراجعًا خطيرًا” في دور الجمعيات المهتمة برصد وتتبع الخروقات.
ووفق نص التعديلات التي تضمنها مشروع قانون المسطرة الجنائية في نسخته الجديدة، فإنه “إذا أقيمت الدعوى العمومية ضد موظف عمومي أو عون قضائي، يُبلغ الوكيل القضائي للمملكة كذلك بكل دعوى عمومية يكون موضوعها الاعتداء على أموال أو ممتلكات عمومية أو أشياء مخصصة للمنفعة العمومية أو الاعتداء على موظفين عموميين أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم.
ومع مراعاة مقتضيات الفقرة الخامسة من مشروع القانون الجنائي، تُبلغ الوكيل القضائي للجماعات الترابية الدعوى العمومية المقامة ضد أحد موظفيها أو عضو من أعضاء مجالسها أو هيئاتها، إذا كانت الدعوى العمومية تتعلق بالاعتداء على أموال أو ممتلكات تابعة لهذه الجماعات الترابية أو هيئاتها”.
وتؤكد أحكام المادة الثالثة من مشروع القانون الجنائي، أنه “لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسًا للنيابة العامة، بناءً على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناءً على طلب مشفوع بتقرير من المفتش العام للمالية أو المفتش العام للإدارة الترابية أو المفتشين العامين للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناءً على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو أي هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك”.
وأشار رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، في تصريح لـه، إلى أن “البند الذي أدرجه وزير العدل ضمن المادة 3 من مشروع الإجراءات الجنائية، يعكس توجهًا وإرادة جهات مستفيدة من زواج المال والسلطة، ومنزعجة من الأصوات الحرة، والهدف الحقيقي من هذه الخطوة تجريد المجتمع أفرادا وجماعات من كل الأدوات والإمكانيات القانونية والإجرائية والحقوقية للتصدي للفساد ولصوص المال العام، والمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة”.
معركة مكافحة الفساد والريع والرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة لا تنفصل مطلقا عن معركة الديمقراطية
من جهته أشار البدالي صافي الدين، عضو المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، إلى أن “هذا التشريع يأتي في وقت يتزايد فيه عدد البرلمانيين والمستشارين الجماعيين المتورطين في قضايا الفساد والرشوة ونهب المال العام، مما أثار قلق الرأي العام الوطني والدولي”، وأضاف أن “الحكومة تسعى من خلال هذا القانون إلى تحصين هؤلاء السياسيين من المتابعات القضائية، خاصة وأن أغلب المتورطين ينتمون للأغلبية الحكومية”.
كما استنكر البدالي بشدة ما وصفه بـ”تكميم الأفواه”، حيث يرى أن هذا المشروع يهدف إلى تضييق الخناق على جمعيات المجتمع المدني التي تعمل على كشف الفساد والممارسات غير القانونية داخل مؤسسات الدولة، وتساءل البدالي عن سبب محاربة هذه الجمعيات بدلاً من محاربة الفساد ذاته، مؤكدًا أن الحكومة تسعى لحماية أعضائها من المساءلة القانونية، مما يضر بمصداقية الدولة ويقوض جهود تخليق الحياة العامة.
وسبق لوزير العدل عبداللطيف وهبي أن رفض أمام البرلمان قيام جمعيات حماية المال العام بوضع شكايات أمام النيابة العامة ضد منتخبين وشخصيات في قضايا اختلاس المال العام، معبراً عن انزعاجه مما وصفه بالتوظيف السيئ لهذه الشكايات واستعمالها في تصفية الحسابات السياسية.
واتهم الوزير الجمعيات بممارسة الابتزاز ضد المنتخبين، وهو ما أثار حينها غضباً واسعاً في صفوف جمعيات حماية المال العام التي لم يعزز اتهاماته لها بوقائع ملموسة، في الوقت الذي تمت فيه متابعة عدد من المنتخبين قضائياً وإدانتهم بناء على شكايات حول الفساد ونهب المال العام وضعتها هذه الجمعيات.
وبينت دراسة منجزة من طرف الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عن “تصدر الفساد للعوائق التي تحول دون تحقيق التنمية، من خلال مساهمته في تعزيز الاقتصاد غير المهيكل وتوسيع دائرة اقتصاد الريع وتبديد الموارد وتغذية التفاوت الاجتماعي، ويحد من فعالية المنافسة الاقتصادية”.
ولفت محمد الغلوسي، إلى أن معركة مكافحة الفساد والريع والرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة لا تنفصل مطلقا عن معركة الديمقراطية، وهي بذلك معركة لا تهم الجمعية لوحدها بل تهم كل القوى الحية وكل الإرادات الصادقة المؤمنة بمغرب آخر ممكن، قائم على التوزيع العادل للثروة وفصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.