من يحاسبهم سيادتكم : خروقات مجلس الجالية و إخفاقات تحت إشرافكم
بعد أن فتح الخطاب الملكي النقاش حول قضايا المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، تسلطت الأضواء بشكل كبير على مجلس الجالية المغربية بالخارج، لا سيما بعد الخرجات المتواترة لأمينه العام عبد الله بوصوف، التي أعادت الجدل حول مدى نجاح المجلس في القيام بالمهام المسنودة له.
17 سنة مرت على تأسيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، تكفي بالنسبة لمتخصصين للحكم بفشله في القيام بمهامه المحددة ضمن القانون المؤسس، بينما هي غير كافية بالنسبة لمسؤولي المجلس الذين يتشبثون بـ”إنجازاتهم”، ويطمحون لقيادة المشاورات المقبلة المرتقبة حول قضايا المهاجرين، الأمر الذي يرفضه عدد من الفاعلين.
وراكم مجلس الجالية العديد من الإخفاقات طيلة عقد ونصف من الزمن، ذلك أنه فشل في تقديم الآراء الاستشارية والتقارير الاستراتيجية التي تعد جوهر عمله، إضافة إلى فشله على مستوى الحكامة والتسيير، بدليل عقده لجمع عام واحد منذ تأسيسه،بالإضافة إلى اشتغاله خارج منطق المحاسبة، والأكثر من ذلك وقوفه في وجه المشاركة السياسية لمغاربة الخارج انطلاقا من بلدان الإقامة.
كل هذه المستويات وأخرى، التي يتناول جوانبها هذا الملف، جعلت مجلس الجالية المغربية بالخارج من بين أكثر المؤسسات المساءلة من خلال الخطاب الملكي، إلى جانب مؤسسات أخرى، الأمر الذي يدعوه إلى إعادة النظر في تركيبته وتكوينه وطريقة اشتغاله، وفق فاعلين.
أسئلة الخطاب الملكي شاملة لجميع المؤسسات
فالخطاب الملكي رد الاعتبار للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، وفتح ورشا جديد السياسة المغربية فيما يخص المغاربة المقيمين بالخارج، وطرح عدة أسئلة موجهة للمؤسسات المعنية، دون ذكرها، ذلك أن الملك طلب إعادة النظر لتأهيل المؤسسات والمرافق المهتمة بقضايا الجالية.
و من بين هذه المؤسسات مرافق موجهة بصفة كاملة للجالية، مثل مؤسسة الحسنالثاني المغاربة المقيمين بالخارج، ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج،والمجلس الأوروبي للأئمة المغاربة فيما يخص التأطير الديني، وبنك العمل فيما يخصتشجيع الاستثمار بالنسبة لأفراد الجالية، ومن جهة أخرى هناك عدة مؤسساتوقطاعات حكومية ووكالات لها عدة أدوار منها المتجهة للجالية.
كما أن هناك، عدة وزارات معنية بالخطاب، منها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المهتمة بالتأطير الديني، ووزارة الشغل المكلفة بالمهاجرين المغاربة من أجل الشغل،ووزارة العدل وصندوق الضمان الاجتماعي الذي يهتم بالاتفاقيات الدولية فيما يخصحقوق الضمان الاجتماعي للمغاربة المقيمين بالخارج، ووزارة الداخلية المسؤولة عن مجموعة من الوثائق الإدارية وما يخص المشاركة السياسية والتمثيلة في مجلس النواب لمغاربة الخارج، وكذلك البرلمان المغربي فيما يخص التشريعات.
مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج هي الأخرى، وفق المتحدث بحاجة إلى الإصلاح وإلى تغيير في قانونها المنظم الذي صودق عليه في البرلمان في بداية التسعينات من القرن الماضي، لأنه تقادم في وقت حصلت مجموعة من التغيرات، ومن ناحية الحكامة التي ألح عليها الخطاب الملكي.
و يعيش مؤسسة الحسن الثاني العديد من الاختلالات، أولها على مستوى تكوين مجلسها الإداري، لكونه مكون من ممثلي القطاعات الحكومية والوزارات من جهة، ومن جهة أخرى ممثلي الجالية المجسدة في الوداديات القمعية المرتبطة بسنوات الرصاص، مضيفا أن “المغرب تقدم على مجموعة من الأصعدة، والتي لا يمكن أن تبقى مؤسسة جوهرية خاضعة لقانون قديم وغير ديمقراطي، والحكومة مطالبة بأن تهيئ قانون يغير القانون الحالي لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج وتقديمه للبرلمان”.
أما ثاني الاختلالات فيرى الباحث في شؤون الهجرة أن القانون المنظم يحتم على عقد اجتماعين للجنة الإدارية في السنة لعرض الميزانية والتقارير ومناسبة للنقاش حول وضعية الجالية، إلى أن هذا المجلس لم ينعقد منذ 2000 أي أنها ضيعت 46 اجتماعا.
إذن فالخطاب الملكي، ساءل مختلف هذه المؤسسات، كل حسب مجال تدخله فيمايخص المغاربة المقيمين بالخارج، لأن الخطاب الملكي وضع قضايا الجالية في إطارعام يجعل أسئلة الخطاب الملكي موجهة لها جميعا، وهذه المؤسسات جميعهامطالبة بإعادة تأهيل نفسها
.
مجلس الجالية.. نجاح في غير مهامه
و يتم الحكم على مجلس الجالية المغربية بالخارج بناء على نتائجه التي يجب دراستها بناء على مهامه المنصوص عليها في الظهير المؤسس،و رغم أن هناك بعض الأمور التي قام بها المجلس مثل الإشعاع الثقافي وإصدار الكتب والمشاركة في المعرض الدولي للنشر والكتاب، ولكن المجلس ليس فاعلا ثقافيا، وحتى ما يقوم به في هذا الجانب عليه مؤاخذات منها انتقائه للمشاركين وإقصاء البعض الآخر، إضافة للكثير من المحسوبية والزبونية.
مجلس الجالية ليست هذه مهمته الأساسية، فمهمته تقديم الآراء الاستشارية والتقارير الاستراتيجية والملتمسات وغيرها، أما بالنسبة للندوات والجانب الثقافي على أهميته توجد جهات أخرى تنشط فيه، لكن ما يصدر عنها لا يمكن تسميته آراء استشارية
دور مجلس الجالية في تمويل العديد من الجرائد
يبدو ان مجلس الجالية استغل ميزانيته في تمويل العديد من الجرائد الوطنية التي تعمل على التطبيل لمسؤوليه و عدم التطرق للخروقات التي تعرفها هذه المؤسسة ، كما ان بعض الصحفيين لمواقع مقربة من المؤسسة يقومون برحلات إلى دول أوروبية على حساب المؤسسة ، لمصاحبة مسؤوليه في لقاءات تنظم تحت غطاء مجلس الجالية
مجلس الجالية.. الحصيلة “صفر”!
وبينما قدم مجلس الجالية مجموعة من الكتابات المهتمة بقضايا المغاربة المقيمين بالخارج، إلا أن حصيلة مجلس الجالية فيما يخص الآراء الاستشارية والتقارير هي صفر،“لم يقدم أي رأي استشاري منذ تأسيسه، ولم يقدم أي تقرير استراتيجي الذي من المفروض أن يقدمه كل سنتين”.
هذا “فآلاراء الاستشارية ليست هي التدخلات الصحفية، أو إقامة ندوة والخروج بخلاصات أو غيرها، لكن الرأي الاستشاري “قائم على القيام بالمقارنات والمشاورات مع جميع الأطراف المعنية ويحدد البعد الزمني وغيرها من الأمور، ومن الضروري أن يتم طرح كل هذه الأمور خلال الجمع العام حتى يتمكن الأعضاء من مناقشتها والإضافة فيها وتعديلها وإغنائها، وفي الأخير التصويت عليها ومن ثمة يمكن أن تصبح رأيا استشاريا”.
المجلس إلى حدود اللحظة لم يقم بمهتمه، ولا يمكن أن يتم تعويضها بإنجاز كتب أو دراسات أو ما شابهها، فالطريقة التي يجب اعتمادها هي المصادقة عبر الجمع العام،لتكون النتيجة النهائية إجراءات وإصلاحات، وذلك يساعد السلطات المعنية في اتخاذ القرار لكن هذا غير موجود الآن
.
اختلالات التدبير والتسيير
، فبالرغم من أن المجلس مطالب بالاجتماع مرة في السنة، حيث ينص الظهير علىاجتماعه في شهر نونبر، إلا أنه لم يجتمع سوى مرة واحدة منذ شهر يونيو 2008.
الجمع العام، لديه إمكانية اقتراح نقطة على صاحب الجلالة وطلب إذنه لإدراجها في جدول الأعمال لمناقشتها، لكنهم لم يستغلوا هذه الإمكانية، لأنهم لم يجمعوا الجمع العام، لأن ذلك يتطلب إنجاز مجموعة من التقارير التي هم في غنى عنها. لأن الجمع العام يتطلب تحضير جدول أعمال يتضمن مناقشة الميزانية ومشروع العمل والآراء الاستشارية والتقرير المالي وتقرير المنجزات وغيرها.
مصير الميزانيات المرصودة
وحول سؤال ما إذا كان الجانب المالي هو المسؤول عن تخلف المجلس عن القيام بأدواره، أن هذا الجانب لم يكن عائقا أبدا لمجلس الجالية، لأن لديه ميزانية كبيرة معروفة رسميا، وتقدر بـ4.5 ملايير سنتيم سنويا، ما يعني أن ميزانية المجلس بلغت 76.5 مليار سنتيم طيلة 17 سنة من إنشائه.
ونتساءل حول ما أنجز بهذه الميزانية من طرف مجلس الجالية المغربية بالخارج،مقارنة بالمهام المنوطة به قانونيا، والحصيلة فارغة إلى حدود الساعة، مما يطرح تساؤلات حول مصير الميزانيات.
مجلس بلا رقابة!
وضعية المجلس من ناحية المراقبة تطرح العديد من التساؤلات، إذ يتضح أن المجلس خارج كل أشكال الرقابة الممكنة، سواء عبر المساءلة البرلمانية من طرف مجلس النواب، أو عبر افتحاصه من المجلس الأعلى للحسابات، كما يغيب عن المجلس مسألة الرقابة الداخلية، لأن الجمع العام لم يجتمع حتى يتمكن أعضاء المجلس من إبداء رأيهم.
وفي هذا السياق، فمجلس النواب عاش خلافات مع مجلس الجالية، بعد مطالبة النواب بامتثال رئيسه إدريس اليزمي أمامهم لمساءلته أمام اللجن، لكن الرئيس رفض بحجة أن المؤسسة مستقلة وفق الدستور وليس للبرلمان الحق مساءلته.
وبلغ الخلاف إلى درجة عرض الأمر على المحكمة الدستورية التي أكدت أن لمجلسالجالية الحق في عدم الامتثال. وهذا الجانب من الأمور التي يجب تغييرها، لأن مجموعة من المؤسسات والمرافق الحساسة ومن بينها الدفاع الوطني وغيرها تتم مناقشتها ومساءلتها في البرلمان.
كما أن المجلس الأعلى للحسابات بدوره لا يبت فيما يتعلق بالمؤسسات التي تعنى بقضايا الجالية، باستثناء إنجاز تقرير واحد حول العمل الثقافي، في حين أن باقي المؤسسات المكلفة بالهجرة لم تخضع لأي افتحاص.
الأمر الذي يجعل المجلس الأعلى للحسابات مسائلا بدوره من خلال الخطاب الملكي،لأن عمله دقيق ويمتلك الكفاءة والخبرة، ويدقق في إنجاز المهام الموكولة للمؤسسات ويراقب المردودية على جميع المستويات.
و إضافة لما سبق وفي غياب الجمع العام الذي يسمح بالنقاش الداخلي، تصبح“المساءلة غائبة سواء داخليا أو مؤسساتيا”.
النقص التشريعي
مجلس الجالية ضد التمثيلية الانتخابية لمغاربة الخارج
و رغم ان فرق برلمانية قدمت مقترحات قوانين فيما يخص مجلس الجالية، لكن لم تتم مناقشتها، وهناك أحزاب قدمت مقترحات ليكون للجالية حضور في البرلمان، لكن مجلس الجالية حاربها، بحجة أن المغاربة لا يريدون السياسة وأن البرلمان لا يجب أن يتدخل، ورفض دول الإقامة وغيرها من المبررات، وأصر مسؤلو مجلس الجالية في جميع تدخلاتهم على رفض الفكرة مقدمين أسباب واهية، رغم وجود أعضاء ضمن مجلس الجالية رحبوا بمشاركة الجالية.
ورغم وجود مجموعة من بلدان الجوار ينتخبون ممثلين للجالية، إلا أن مسؤولي مجلس الجالية يقولون أن عدد هذه الدول ليس كبيرا، دون طرح فكرة أن المغرب يجب أن يكون سباقا.
كما ان مسؤولي المجلس يقولون بأن الجالية يجب أن تندمج في دول الإقامة وتمارس السياسة بها، وأن مشاركتهم السياسية بوطنهم ستشكل تشويشا على اندماجهم بدوار الإقامة، ولهذا على السياسة المغربية أن تصاحب الاندماج هناك، وكأنهم لم يعودوا مواطنين مغاربة. والخطاب الملكي أرجع الأمور لنصابها بهذا الخصوص.
جميع المبررات التي يتم طرحها هي من أجل خلق البلبلة القطرية وفقط. لم يكتف مجلس الجالية بعدم تقديم رأي استشاري في الموضوع بل حارب الفكرة من الأساس،ولم يختلفوا فقط في آلية التنزيل بل أرجعوا النقاش إلى نقطة الصفر حول إذا ما كان على مغاربة الخارج أن يشاركوا أم لا، رغم أن دستور المملكة فصل في هذا الأمر. ومجلس الجالية نجح في حرمان الجالية من المشاركة في البرلمان وفي أن يكون لهاحق التصويت والترشيح، مدافعا عن الاكتفاء بفكرة التصويت بالوكالة.
ورغم تقديم مجموعة من التبريرات إلا أن مسؤولي مجلس الجالية، فضحوا أنفسهم في إحدى الجمل ضمن الكتاب الذي قدموه لتبرير استحالة المشاركة الانتخابية لمغاربة الخارج، بقولهم أن ذلك سيؤدي إلى اختلال التوازنات السياسية الداخلية،والكتاب المقدم ليس رأيا استشاريا.
قيادة المشاورات المقبلة
بعد الخطاب الملكي ظهرت مجموعة من المؤشرات حول إمكانية قيادة مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج للمشاورات المرتقبة حول وضعية المغاربة المقيمين بالخارج، الأمر الذي يؤكد أن مجلس الجالية “غير قادر على قيادة المشاورات في المرحلة المقبلة، لأنه أخفق في مهامه من قبل”، فالملك طالبهم من قبل بإنجاز آراء استشارية ومشاورات لكنهم لم يقوموا بمهامهم.
وفيما يخص المشاورات المقبلة، يجب أن ينظمها البرلمان تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، وأن يشارك مجلس الجالية في المشاورات كغيره من المؤسسات، دون أن يتكلف بقيادة هذه المشاورات، لأن هذه الأخيرة يجب أن تتسم بالمصداقية واحترام التعددية وغيرها من المبادئ.ة
حلول مستقبلية
وإذا كان الخطاب الملكي ل6 نونبر 2007، قد نص “على استبعاد التعيين المباشر،لأسباب مبدئية، لأن الأمر يتعلق بهيأة تمثيلية، وليس بوظيفة إدارية أو منصب سياسي،لذلك، نعتبر أن الانتخاب يظل هو المنطلق والمبتغى في إقامة هذه المؤسسة” .
حلول مستقبلية
والمطلوب خلال المرحلة المقبلة أن يكون هناك قطاع وزاري لوحده مكلف بمغاربة العالم خلال التعديل الوزاري المحتمل، وحتى لا يكون تعدد في القطاعات يجب أنتكون الوزارة المنتدبة مهتمة بقضايا الهجرة واللجوء لتفادي تعدد الوزارات.
ووجود وزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بمغاربة الخارج سيحل الكثير منالمشاكل، لأن رئيس الحكومة، هو من بإمكانه القيام بعدة إصلاحات، ووجود وزيرمنتدب لديه مكلف بالهجرة سيساعد في إيجاد الحلول، حتى يكون التنسيق بين مختلفالقطاعات ضمن اللجنة الوزارية المختلطة”.
كما يلزم وضع مخطط عمل تشريعي بين الحكومة والبرلمان، لبرمجة القوانين الواجب تهييئها، ومنها قانون مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج والقانون المعدل لقانون مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج والقانون التنظيمي لمجلس النواب في شقه المتعلق بالمغاربة المقمين بالخارج، والتنسيق البرلماني لوضع المدة الكافية لمناقشة القوانين والمصادقة عليها.