دعوات برلمانية لحظر تيك توك في المغرب
تتصاعد الدعوات إلى حظر تيك توك في المغرب، قائلة إنه أحدث ضررا كبيرا بالقيم المجتمعية وهناك محتويات خطيرة يتمّ ترويجها من قبيل التشهير والتسول الإلكتروني وغير ذلك، وهو ما يستدعي أن تفتح المؤسسة التشريعية نقاشا جديا بهذا الخصوص.
أفادت مصادر مطلعة أنه من المتوقع أن تشهد الدورة البرلمانية المقبلة في المغرب نقاشات مكثفة حول موضوع حظر تيك توك، إذ يسعى برلمانيون إلى إعادة إحياء مقترح القانون بعد تزايد المخاوف من تأثير هذه المنصة على القيم المجتمعية وتفاعلا مع انتقادات العديد من المغاربة الذين يشعرون بالقلق إزاء المحتوى الذي يعرض للشباب عبر هذه المنصة والانفلات الذي يجري فيها.
وكان وزير العدل عبداللطيف وهبي قد أشار في تصريح له عقب الإعلان عن التقدم بالمقترح، إلى صعوبة منع أو إغلاق تيك توك وفيسبوك كون هاتين المنصتين تابعتان لشركات عالمية تقع خارج حدود السلطة المغربية، غير أن تصريحات الوزير لم تنه الحديث عن الموضوع وظل يثار بين حين وآخر مع انتشار المحتوى المسيء للمجتمع، وفق وصف الكثير من المغاربة.
وتصاعدت مؤخرا الدعوات إلى حظر تطبيق تيك توك الصيني في المغرب، بعد مشاركة أشخاص أغلبهم من جيل الشباب من الجنسين، فيديوهات وهم يرقصون أو ينفذون تحدّيات مقترحة من متابعيهم لا تخلو حسب منتقديها، من مشاهد حاطة بالكرامة أو عنيفة أو ذات إيحاءات جنسية.
ويبرر الداعون إلى حظر التطبيق الصيني بالمغرب هذه الحملة بالمخاطر المترتبة على استهلاك المغاربة، خاصة الأطفال والمراهقين، لهذه المحتويات على المستوى النفسي والقيمي، فضلا عن تأثير ذلك على صورة المغرب دولياً، رافضين استغلال الأطفال والجسد في ما وصفوه بـ”تسول الأرباح المادية”.
وأيد إدريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب مبادرة اقتراح حظر تيك توك من جديد، معلنا أن الفريق الذي يرأسه يمكن أن ينخرط في هذه المبادرة وفي هذا النقاش لفائدة حجب هذا التطبيق بالمغرب، لكونه أحدث ضررا كبيرا بالقيم المجتمعية وبالحقيقة، مضيفا أن “هناك محتويات خطيرة يتمّ ترويجها من قبيل التشهير والتسول الإلكتروني وغير ذلك، وهو ما يستدعي أن تفتح المؤسسة التشريعية نقاشا جديا بهذا الخصوص”.
وقال السنتيسي، في تصريح له، إن “الأمر سيطرح فعلاً نوعا من صعوبة التقنين، ولكن يمكن أن نسير في اتجاه الحظر النهائي لتيك توك للحفاظ على ممارسات سليمة داخل الويب المغربي”، واصفاً ما صار يحدث بكونه “كوارث” لها تأثيرات غير سويّة على بعض الفئات العمرية الحساسة، لاسيما الشباب والمراهقين، كما أن المضامين المنتشرة فيها صارت تسيء إلى صورة المغرب.
ويشكل حظر تطبيق تيك توك في المغرب قضية معقدة تتداخل فيها الاعتبارات الاجتماعية والثقافية والأمنية والاقتصادية. ومن المتوقع أن يستمر الجدل حول هذا الموضوع لفترة طويلة، مع تداعياته الواسعة على مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب والعالم.
وشدد السنتيسي على أهمية تداول الموضوع في الدخول السياسي المقبل، معتبرا أن “الأمر صار يستدعي التكتل بما أن الوضع يحتاج إلى علاج فعلي. بعض المغاربة يقضون ساعات كثيرة في هذه التطبيقات، ومن يلجأ إلى تيك توك لترويج الأكاذيب يجب غلق الطريق أمامه حتى لا نضر بقنوات النقاش العمومي الحقيقية ولا بصورة المؤسسات؛ فالعديد من القضايا التي تدور في فلك هذا التطبيق تكشف أن مجال تداولها هو القضاء”.
ويطالب المدافعون عن الحظر بالاستعجال لإحداث ترسانة قانونية صارمة في مواجهة المحتويات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، ورقابة على المحتوى المسيء للمغرب والمغاربة، بالموازاة مع “التوعية بثقافة تبليغ المواطن عمّا يراه مسيئاً لصورة المغرب من أجل تحقيق أرباح مادية”.
الداعون إلى حظر التطبيق بالمغرب يبررون هذه الحملة بالمخاطر المترتبة على استهلاك المغاربة، خاصة الأطفال والمراهقين
وكان المرصد المغربي للسيادة الرقمية من الأوائل الذين دقوا ناقوس الخطر بشأن “الانحدار الخطير الذي تشهده محتويات منصات التواصل الافتراضي بالمغرب، كما دعا إلى تدخل عاجل للسلطات الحكومية والأمنية من أجل وقف تداعياتها على الصحة النفسية للأفراد بالمجتمع المغربي والسمعة الرقمية للمغرب”.
وأضاف المرصد، في بيان سابق أنه “بقدر ما ساهمت هذه المنصات في تعزيز التواصل بين مختلف الفئات وجعل العالم قرية صغيرة لا تؤمن بالحدود الجغرافية، اللغوية ولا الثقافية، بقدر ما أصبحت تطرح تحديات حقيقية لمختلف الدول من قبيل استعمال المعطيات الشخصية للمستخدمين، الترويج للأخبار الكاذبة وتسخير هذه المنصات للتسويق لمحتويات تتنافى وصرح القيم المجتمعية لمجموعة من الدول، مما خلق حالة من الفوضى على مستوى هذه الفضاءات”.
وقال جمال حدادي، أستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، إنه “بغض النظر عن مساهمة منصة تيك توك في خلق فضاء للتعبير والإبداع والابتكار، بالإضافة إلى أنها وسيلة للتواصل، فإن خطورتها تتجلى في هشاشة بنيتها من حيث حماية المعطيات الشخصية وانعدام تقنين استعمالها، ما حوّلها إلى وسيلة فاضحة لعورات مستعمليها، وبؤرة للروتين اليومي الفاضح والمتسلل للبيوت، وواجهة للأجساد والأطفال والنساء خاصة، بدعوى التحرر والتعبير”.
ويرى حدادي أن “الدعوة إلى تقنين استعمال هذا التطبيق وترشيد استغلاله وحسن استثماره، تستوجب تدخل هيئات لتعقب المستخدمين، بشكل توعوي تحسيسي أولا بمحاسن التطبيق وتبيان الفرص التي يفوّتها بعضهم في حسن استثماره كمنصة للإبداع والابتكار والتواصل، ثم توضيح مساوئه ومغبات استعماله الاستعمال الخاطئ في ما يؤدي إلى عقوبات ومتابعات قضائية”.
حظر تيك توك في المغرب يشكل قضية معقدة تتداخل فيها الاعتبارات الاجتماعية والثقافية والأمنية والاقتصادية
وعبّر العديد من النواب عن قلقهم واستنكارهم الشديد من المستوى الذي وصل إليه بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي وتحديدا تيك توك.
ووجهت حنان أتركين عضو الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، سؤالا كتابيا إلى وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، في شأن حماية مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي من تأثيراتها السلبية، خاصة القاصرين منهم. وقالت أتركين إن “العديد من التطبيقات المتنافسة على استقطاب أوسع جمهور، تنتشر فيها ممارسات وسلوكيات مجرّمة بمقتضى القوانين السارية، لكنها تنفلت من الرقابة لارتكابها بالفضاء الأزرق، الذي يعرف انتشار ظواهر التسول، والتحرش، والاتجار دون التقيد بالمقتضيات القانونية، وتقديم الاستشارات الطبية دون ترخيص وغيرها من الظواهر التي يصعب حصرها”.
من جهته، وجه البرلماني نبيل الدخش سؤالا كتابيا لوزير الثقافة والشباب والتواصل بهدف التدخل لتقنين التطبيق المثير للجدل وجاء في السؤال “انتشر استخدام منصة تيك توك في الآونة الأخيرة مما دفع بالعديد من الدول لاتخاذ إجراءات سواء بتقنين المنصة أو منعها نهائيا، وذلك حماية للأطفال والمراهقين والشباب والمواطنين الذين أدمنوا على الولوج إليها”.
وحذر الدخش من المخاطر الاجتماعية والصحية لتيك توك وباقي المنصات، وانعكاساتها النفسية والمعرفية على مستخدميها، مطالبا وزير الثقافة والتواصل باتخاذ إجراءات لتقنين استعمالها.
ويحظى تطبيق تيك توك الذي تملكه شركة “بايت دانس” الصينية وأطلقته عام 2018 بشعبية واسعة في الصين والعالم.
وتشعر العديد من الدول بالقلق إزاء أمن تيك توك وعلاقات المنصة بالصين وعلى رأسها الولايات المتحدة، ففي شهر مارس 2024 أقر مجلس النواب الأميركي بغالبية ساحقة مشروع قانون يرغم تيك توك على الانفصال عن الشركة الصينية الأم تحت طائلة حظره في الولايات المتحدة.
كما حظرت العديد من الدول تيك توك على الأجهزة الحكومية خوفا من تعرض معلومات حساسة عند تنزيل التطبيق، في ما تنفي تيك توك الاتهامات بأنها تجمع بيانات مستخدمين أكثر من شركات الوسائط الاجتماعية الأخرى ووصفت الحظر بأنه “معلومات مضللة أساسية”، قائلة إنه تم اتخاذ هذا القرار “دون مداولات أو أدلة”.