محور الجزائر – إيران: التصعيد ضد المغرب من بوابة القضية الفلسطينية

ماموني

استهداف إيران للمغرب ليس بالجديد، فهو في كل مرة يكتسب غطاءً مختلفًا. هذه المرة جاء الدور على جماعة أنصارالله، ذراع طهران في اليمن، للتدخل في شؤون المملكة الداخلية وسيادتها. قبل أيام، شن عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة، خلال خطاب بثته قناة “المسيرة”، هجومًا على الموقف الرسمي للمملكة من القضية الفلسطينية، قائلاً إن “المغرب رفع من مستوى تعاونه الاقتصادي مع إسرائيل، وهذا شيء مؤسف جدًا. لكن على المستوى الشعبي، هناك تحرك مستمر وينتشر في كافة المدن المغربية”، مسجلًا أن “الفجوة كبيرة بين أبناء الأمة، وعلى رأسها الأنظمة المتخاذلة والمتواطئة، وبين قرآنها وإسلامها وقيمها وأخلاقها، وهي مسألة خطيرة”.

خطاب تحريضي تتبناه جماعة الحوثي، وهي أداة من أدوات طهران، وليس هناك أفضل من القضية الفلسطينية لتمرير هذا الخطاب.. القضية الفلسطينية التي تبناها المغرب ودافع عنها قلبًا وقالبًا قبل ظهور النظام الإيراني في العام 1979، وقبل أن تكون هناك جماعة الحوثي. المملكة دافعت عن الحق الفلسطيني في كل المحافل وتحمّلت الأعباء المادية والدبلوماسية من أجل هذا الحق، وليس هناك ما يثبت أو يشير إلى أن المغرب وظف القضية الفلسطينية للمزايدة السياسية أو بيع المواقف لأجل مكاسب في سوق المصالح.

ليست هناك فجوة بين الخطاب الرسمي والشعبي المغربي في هذه القضية التي أنزلتها المملكة منزلة القضية الوطنية؛ الموقف الشعبي والرسمي في هذا على قلب واحد. والمواقف السيادية التي تتخذها الدولة لا يمكن أن تكون محل مزايدة إلا من طرف من يريد اقتناص الفرص لتسجيل نقاط سياسية ضد المغرب، البلد الذي يحترم سيادة الدول ولا يتدخل في شؤونها، عكس طهران المحرك الأساسي لجماعة الحوثي وغيرها من الأدوات الموظفة للتدخل في منطقة الشرق الأوسط. وها هي الجزائر وبوليساريو يلعبان نفس دور جماعة الحوثي في تهديد الوحدة الترابية للمملكة.

◄ الهدف الذي يتفق عليه المحور الإيراني – الجزائري هو التضييق على المغرب من خلال دعم بوليساريو، والأخطر من ذلك هو استقطاب موريتانيا واستغلال موقعها الجغرافي

الجزائر حليف لطهران، تجمعهما علاقات معمقة، لا مشكلة في ذلك، لكن أن يجتمعا على تهديد سيادة المغرب والتحريض عليه، فهذا بمثابة تصعيد ضد بلد يريد تحصين وحدته والدفاع عن مصالحه.

إيران والجزائر استغلتا معًا القضية الفلسطينية للدعاية والمزايدة، فهما لا تملكان القدرة والحجة لمنازلة إسرائيل. لقد سمعنا تصريحات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون التي يقول فيها إنه لو تم فتح الحدود المصرية للجيش الشعبي الجزائري لتم تحرير فلسطين، مع أن البحر الأبيض المتوسط مفتوح أمام الأسطول البحري والطائرات النفاثة والصواريخ الجزائرية لتحرير فلسطين من يد إسرائيل. ولماذا الرد الإيراني على هجوم إسرائيل لم يتعدَ رشقات مسيّرات لم تحدث أيّ فرق في موازين القوى.

الدعاية شيء والفعل على الأرض موضوع آخر مختلف. لماذا التحريض الإيراني ضد المغرب في هذا التوقيت؟ الجواب بسيط، وهو أن المغرب استطاع صناعة الفرق في المنطقة وداخل العمق الأفريقي، وهو يراكم الإنجازات الدبلوماسية والسياسية وينوّع الحلفاء ويقوّي العلاقات مع الشركاء والأصدقاء ويقدّم الحلول، ويدافع عن قضاياه العادلة بإصرار وصبر. النتيجة اعتراف القوى الكبرى بسيادته على صحرائه، وكان آخرها فرنسا التي صدمت الجزائر، حليف طهران التي تقدم الدعم اللوجيستي والعسكري لبوليساريو الانفصالية دون أن تحقق المراد من ذلك، واعترفت بسيادة المغرب على الصحراء بعدما اقتنعت بأنها الطريق الأسهل والعملي لإعادة العلاقات مع المغرب إلى سابق عهدها، وكذلك فعلت إسبانيا من قبل.

هل استطاع الحوثيون أن يكونوا البديل الأفضل لنظام علي عبدالله صالح؟ أبدًا، لسبب بسيط لأنهم يمثلون وجه إيران التدخلي التقسيمي الشعبوي. هذا أقصى ما يمكن للجماعة أن تقدمه للشعب اليمني: لا تنمية، لا ديمقراطية، لا كرامة، لا استقلال، لا قرار سياديا.

لقد رهن الحوثي القرار اليمني ووضعه في يد الحرس الثوري الإيراني. مثل هذا نظام وأدواته في المنطقة وبسياسته الدعائية الشعبوية التحريضية، لا تحق له المزايدة على المغرب في دعم القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين بالطريقة التي يراها مناسبة وعملية وفعالة.

نعود إلى الجزائر الطرف الآخر في المعادلة، فهذا النظام تخلى عن تنمية بلده وشرع يبدد ثروة الشعب الجزائري في مناهضة المملكة المغربية ومعاكسة مصالحها والإصرار على تفكيك وحدتها، ولا يهم أن يتحالف مع الشيطان لأجل تحقيق هذا الهدف، وإقامة دولة وهمية في خاصرة التراب المغربي. ولم يتورع النظام الجزائري عن فعل أيّ شيء من أجل تحقيق ما يصبو إليه، ولم يتورع عن استخدام الدعم الإيراني وأذرعه بكافة تشكيلاتها، في الوقت الذي دأب فيه المغرب على مد يد الحوار لهذا النظام دون نتيجة.

◄ الجزائر حليف لطهران، تجمعهما علاقات معمقة، لا مشكلة في ذلك، لكن أن يجتمعا على تهديد سيادة المغرب والتحريض عليه، فهذا بمثابة تصعيد ضد بلد يريد تحصين وحدته والدفاع عن مصالحه

وشهد محور الجزائر – إيران زخمًا لافتًا خلال الأشهر الأخيرة، وشاهدنا زيارات متبادلة من قبل مسؤولين كبار في الدولتين، على غرار زيارة رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي، ووزير الخارجية أحمد عطاف، وانعقاد لجنة الصداقة البرلمانية في طهران، ثم الدعوة التي وجّهها الرئيس الإيراني إلى نظيره الجزائري من أجل زيارة بلاده، لتكون طهران قد نجحت بمهارة في توسيع شبكات وكلائها لتوطين مصالحها الإستراتيجية، خصوصًا أن الجزائر تعاني إخفاقات إعلامية ودبلوماسية وسياسية متعاقبة.

علاقات إيران ببغداد وصنعاء ودمشق وبيروت مبنية على التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول وخلق الفوضى ودعم كل أشكال التمرد، بالاعتماد على النفوذ السياسي والأيديولوجي والحرب بالوكالة في هذه المناطق، وهذا يزيد من رغبة إيران لتوظيف الجزائر بوابة للقارة الأفريقية، لكن المغرب يشكل حاجزًا رئيسيًا لمشروع طهران التوسعي بغرب أفريقيا وشمالها.

لقد عملت طهران بانتهازية على بناء شبكة متنوعة من الأذرع المسلحة، مستغلة نقاط الضعف السياسية والعسكرية لدى جيرانها وغفلة النظام الجزائري الذي رهن مقدرات البلد لمحاربة المغرب في كافة الاتجاهات. وبعد وصول المسيّرات الإيرانية إلى حدود المغرب، حذر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من حيازة الجماعات الإرهابية والانفصالية للمسيّرات المحملة بالذخائر واستخدامها.

منذ تأسيس “الجمهورية الإسلامية” في الأول من أبريل 1979، التزم النظام الإيراني بنشر أيديولوجيته الثورية، التي تستغل القضية الفلسطينية والشعارات الدينية وتدعو للقضاء على إسرائيل، للتأثير في محيطها وخلق شبكة من الوكلاء في دول عديدة منها الجزائر. فبعد دعمها لحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، لعبت إيران دورًا خطيرا في غرب أفريقيا، وهو ما تنبّه له المغرب واستطاع أن يحد من توسع نفوذ الإيرانيين داخل العمق الحيوي للمملكة، وهو ما ردت عليه طهران بدعم بوليساريو بهدف زعزعة استقرار المنطقة خدمة لمشروعها التوسعي.

الهدف الذي يتفق عليه المحور الإيراني – الجزائري هو التضييق على المغرب من خلال دعم بوليساريو، والأخطر من ذلك هو استقطاب موريتانيا واستغلال موقعها الجغرافي في محاولة لخنق المملكة جنوبًا وقطع صلتها بعمقها الأفريقي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: