تستعد القوات البحرية المغربية لإجراء مناورات عسكرية قبالة السواحل الأطلسية، بداية من شهر سبتمبر المقبل، وستستمر إلى غاية نهاية العام، ما أثار قلق مسؤولي جزر الكناري التابعة للسيادة الإسبانية.
وفي الوقت الذي يرى فيه متابعون أن المناورات العسكرية تأتي في إطار اعتيادي، بهدف زيادة مستويات جاهزية قواتها، عبّرت سلطات جزر الكناري عن قلقها من تلك المناورات.
ووصفت وزيرة الرئاسة والأمن بحكومة جزر الكناري نيفيس ليدي باريتو المناورات العسكرية بالقرب من الجزر بأنها “ليست عادية”.
لكن الصحافة الإسبانية، في جزر الكناري، أشارت إلى وجود آمال بأن تساهم المناورات في تخفيف ضغط الهجرة على الجزر، كما لا تخفي دور تلك القوات المغربية في التصدي لمحاولات الهجرة السرية.
وحسب راديو وتلفزيون جزر الكناري، ستكون قضية الهجرة محط نقاش في أجندة رئيس الحكومة المحلية لجزر الكناري فيرناندو كالفيخو، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي يزور جزر الكناري الجمعة، بعدما ارتفع منسوب الهجرة غير النظامية نحو الجزر، إذ تصل قوارب بشكل شبه يومي إلى سواحل الجزر، من موريتانيا ومالي والسنغال، مما دفع بمسؤولي الجزر إلى مطالبة السلطات المركزية في إسبانيا بضرورة التدخل.
وتتزامن زيارة رئيس حكومة إسبانيا مع قرب بدء مناورات عسكرية داخل المجال البحري المغربي وعلى مقربة من سواحل جزر الكناري، ما دفع حكومة وأحزاب جزر الكناري إلى الاعتراض على هذه المناورات، التي تُشكل تهديدا مغربيا على الجزر، حسب زعمهم، بالرغم من العلاقات الجيدة التي تجمع حاليا بين الرباط ومدريد.
واعتبرت الصحافة الإسبانية أن المناورات البحرية التي أجرتها القوات البحرية الملكية في أبريل الماضي، قللت من محاولات الهجرة السرية نحو جزر الكناري، وتأمل حكومة جزر الكناري في أن تساهم المناورات المغربية التي ستستمر لمدة 3 أشهر، في الحد من تدفق قوارب المهاجرين.
وأوضح هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في الشؤون الإستراتيجية، أن “المناورات والتدريبات العسكرية البحرية التي سيجريها المغرب قبالة سواحله الأطلسية تكتسي أهمية إستراتيجية كبرى نظرا لموقع المغرب الجغرافي الحيوي على المحيط الأطلسي، كما ستتيح للقوات المسلحة المغربية الفرصة لتعزيز سيطرتها على حدودها البحرية وحماية مصالحها الاقتصادية، ومراقبة المدى البحري الذي يصل إلى جزر الكناري، في ضوء التحديات الأمنية والتهديدات البحرية المحتملة، منها الهجرة غير الشرعية والتهريب، وهذا ما تعيه جيدا الحكومة المركزية وحكومة وأحزاب جزر الكناري”.
وفي جوابها على سؤال برلماني حول التعاون مع المملكة المغربية لاحتواء تدفق المهاجرين غير النظاميين، أكدت الحكومة الإسبانية، في يونيو الماضي، أنها “تعمل بشكل وثيق مع المغرب، باعتباره شريكا مخلصا يواجه مسؤولية كبيرة كبلد منشأ وعبور ومقصد، وأن الأساس القانوني لهذا التعاون هو اتفاقية التعاون الثنائي في مجال الأمن ومكافحة الجريمة”.
من المرتقب أن تشهد المناورات البحرية المغربية بالقرب من جزر الكناري، إجراء العديد من التدريبات باستعمال الذخيرة الحية
ووصف وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي مارلاسكا خلال زيارته إلى المغرب في فبراير الماضي، التعاون بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والتعاون الأمني، أفضل نموذج للتعاون ومعروف بين أوروبا وأفريقيا، في ظل ضغط الهجرة المتزايد والتهديدات الإرهابية المتزايدة والمحتملة جراء التوترات التي يعرفها الشرق الأوسط.
واعتبرت وزارة الداخلية الإسبانية أن تدفقات الهجرة غير النظامية من سواحل الصحراء المغربية إلى جزر الكناري، شهدت تراجعا خلال السنة الجارية، مقابل تزايد تدفق المهاجرين القادمين من سواحل موريتانيا والسنغال.
وكشفت بيانات حديثة للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) عن زيادة حركة الهجرة غير النظامية عبر طريق غرب أفريقيا، الذي يسلكه الأشخاص الساعون إلى الوصول إلى جزر الكناري، بنسبة فاقت 300 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مسجلة رصد ما يقرب من 18 حالة عبور خلال الفترة ذاتها، خاصة من موريتانيا والسنغال ومالي.
وسبق أن وقّعت إسبانيا مع هذه البلدان عددا من الاتفاقيات من أجل مكافحة الهجرة غير النظامية، إلا أنه بالرغم من التعاون الأمني فإن تدفقات الهجرة غير النظامية على جزر الكناري لم تتوقف، بل استفحلت الظاهرة بشكل كبير في الشهور الأخيرة.
ونقلت الصحيفة الإسبانية “إل دياريو” تصريحا لوزيرة الرئاسة والأمن بحكومة جزر الكناري قالت فيه “في الوقت الذي طلبت فيه وزارة الخارجية معلومات عن المناورات في بداية العملية، اتصل وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس برئيس جزر الكناري فرناندو كلافيخو للإشارة إلى أنها كانت ذات طبيعة عادية”.
وسيجري المغرب مناورات عسكرية، بحسب وسائل إعلام إسبانية، بالقرب من مدينة العيون، على بعد حوالي 140 كيلومترا من الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة “فويرتيفنتورا” التابعة لأرخبيل الكناري، وهي المناورات الثانية التي تجريها المملكة خلال العام الجاري بالقرب من الجزر الإسبانية.
ومن المرتقب أن تشهد المناورات البحرية المغربية المرتقبة بالقرب من جزر الكناري، إجراء العديد من التدريبات باستعمال الذخيرة الحية.
وقال محمد الطيار الخبير الأمني والإستراتيجي في تصريح لـه إن “هذه المناورات تعاملت معها الصحافة الإسبانية اليمينية وأطراف داخل حكومة جزر الكناري، بخطاب يقوم على التهويل ويستند على تخويف الشعب الإسباني من قدرات المغرب العسكرية بمناسبة أي مناورات عسكرية تقوم بها المملكة”.
وبالإضافة إلى مشكلة الهجرة، تم إدراج القضايا الخلافية ضمن أجندة اللجنة العليا المشتركة بين المغرب وإسبانيا، مثل المياه الإقليمية، حيث أكد النص المشترك بين مدريد والرباط أن “مجموعة العمل المعنية بتعيين حدود المساحات البحرية على واجهة المحيط الأطلسي ستتم إعادة تنشيطها بهدف تحقيق تقدم ملموس، إذ تعتبر مسألة ترسيم الحدود البحرية بين الرباط ومدريد قضية شائكة، ومسألة المنطقة الاقتصادية الخالصة في الأطلسي والتداخل مع جزر الكناري”.
وتراهن إسبانيا على المزيد من التنسيق مع المغرب كشريك إستراتيجي وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين بعد توقيعها لاتفاقيات تعاون ثنائية في مجال الهجرة والأمن، إذ تجمع البلدين شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد تشمل كافة المجالات منها الأمن والهجرة وغيرهما، وذلك بفضل خارطة الطريق المعتمدة في أبريل 2022، بمناسبة زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب بدعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس.