لماذا التردد البريطاني في الاعتراف بمغربية الصحراء

ماموني

البريطانيون يصفون المغرب بأنه ثاني أقدم حليف وشريك موثوق به، وهذا يدعو المملكة المتحدة لدعم سيادة المغرب على صحرائه. أصحاب القرار السياسي يملكون كافة المعطيات على أن المملكة المغربية لن تتنازل قيد أنملة عن ترابها وحدودها. حلفاء بريطانيا اعترفوا بهذه السيادة، ولم يتبقَ للبريطانيين سوى المرور إلى الخطوة التي سبقتهم إليها واشنطن وبرلين وإسبانيا وآخرها فرنسا التي كابرت كثيرًا. هذا البلد الأوروبي بنى قراره من خلال الموازين الجيوسياسية التي مالت كفتها نحو المغرب.

هناك تردد غير مُجدٍ في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء من طرف صانع القرار البريطاني. كل القراءات تقول إن الاستمرار في هذا الاتجاه يعتبر خطأ في الحسابات البريطانية. وما كان مشجعًا في قرب الاعتراف البريطاني هو الارتباط العضوي بين لندن وواشنطن، ومع اعتراف الأخيرة لا يمكن لبريطانيا أن تتخلف هي الأخرى. لكنْ هناك سياسيون يمسكون بالجانب الآخر من القرار البريطاني داخل مجلس العموم وبعض المؤسسات الأخرى، يراهنون على أن تكون هذه الاعترافات سحابة صيف. نعم، هناك من لا يزال يجهل أن قضية الصحراء بكل مكوناتها الثقافية والتاريخية، والقانونية والسياسية، والاقتصادية هي مسألة وجود بالنسبة إلى المغرب.

العائق الوحيد حاليا في العلاقات المغربية – البريطانية هو بعض السياسيين النافذين الذين لم يستطيعوا بعد الحسم في قرار مغربية الصحراء. ونقتبس كلام النائب المحافظ دانييل كاوتشينسكي عندما يقول “إن المغرب هو أفضل دولة عربية يمكن التعامل معها، فهو يتمتع بالمجتمع الأكثر تقدمًا، والأهم من ذلك كله أنه يتقاسم قيمنا، وهو شريك إستراتيجي موثوق، يسعى إلى تحقيق كل سمات الديمقراطية الحديثة”.

اعتراف فرنسا مؤخرًا بالسيادة المغربية على الصحراء أضاف رقمًا مؤيدا داخل مجلس الأمن تم تأمينه بفعل الجهود التي بذلتها الدبلوماسية المغربية. ولا خيار أمام معارضي مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي أو المترددين في الحسم كبعض سياسيي بريطانيا سوى الاكتفاء بترديد أن المغرب بلد صديق وحليف، لكن في نفس الوقت لا يضعون التصريحات قيد التنفيذ بتأييد ما هو الأكثر ملاءمة.

◄ مواقف لندن لم تكن معادية للرباط، لكن هذا لا يعني أن الوقت قد حان لتجاوز التردد النابع من أزمة سياسيين وليس أزمة دولة ترى في المغرب بوابة أفريقيا التي تتوق إلى الاستفادة من فرص الاستثمار فيها

مؤشرات عديدة تقول إن المملكة المتحدة ستكون على نفس طريق باريس وإسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة. نذكر هنا رفض محكمة الاستئناف بلندن الذي أصدرته في مايو 2022، طلب استئناف تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة لبوليساريو من أجل إبطال اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب ببريطانيا منذ عام 2020. أي أن الاجتهاد القضائي يدعم الجهد التنموي الكبير الذي تقوم به المملكة المغربية داخل أقاليمها الجنوبية. قرار قانوني دعّمته مبادرة سياسية من طرف عدد من البرلمانيين يطالبون بالمرور إلى الاعتراف الحاسم بمغربية الصحراء.

الرسالة الموقعة من 30 عضوًا في البرلمان البريطاني يمكن اعتبارها مرافعة سياسية استشرافية للوضع الذي على أساسه يجب أن تخرج الحكومة البريطانية من وضعية المتردد. النواب الثلاثون يصرون على أنه في مشهد العلاقات الدولية هناك مناطق قليلة تمثل فرصة حاسمة للتأثير الإيجابي والمنفعة المتبادلة، مثل الصحراء في المغرب. واعتبروا أنه في خضم الاضطرابات التي نشهدها على مستوى العالم أصبح من المهم أكثر من أيّ وقت مضى بالنسبة إلى المملكة المتحدة أن تعزز تحالفاتها مع الدول المستقرة ذات التفكير المماثل، لتعزيز الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي.

النواب الذين يملكون الآن أرضية سياسية ثابتة تدعم الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، تعززها تقارير دولية وأخرى اشتغلت عليها مؤسسات تفكير إستراتيجي بريطانية تضع الأقاليم الجنوبية في خانة المنطقة الآمنة المشجعة على تدفق الرساميل الأجنبية. بيئة جاذبة للمستثمر العالمي لا يمكن التخلف عن الانضمام إلى الركب بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. ذات التقارير تقول في المقابل إن بوليساريو ومن يدعمها في انحدار تام، وتم تحذير أصحاب القرار البريطاني من تفاقم الوضع الإنساني والحقوقي والأمني داخل مخيمات تندوف، وانخراط ميليشيات بوليساريو في مشروع يهدف إلى تقويض الأمن والاستقرار بالمنطقة بتحالف مع الجماعات الإرهابية وفتح الباب أمام إيران للعبث بالمنطقة التي تمتد إلى دول أفريقية أخرى.

رغم أن هناك اتجاهًا يحث على الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، إلا أن الحسم في هذه المسألة يحتاج إلى قرار سياسي لا تغلبه هواجس السياسة وعدم اليقين الاقتصادي والضبابية التي تمر بها بريطانيا. فمنذ قرارها الخروج من حضن الاتحاد الأوروبي رغبة في استعادة القرار الاقتصادي والدبلوماسي، يجتاح المملكة المتحدة نوع من عدم اليقين ازداد بالهزيمة التي مني بها حزب المحافظين في الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد مؤخرا والتي حصد فيها حزب العمّال أغلبية أهلت كير ستارمر لقيادة الحكومة. وهو الآن أمام التبعات السياسية والاقتصادية لتناول الحكومات السابقة لملفات داخلية وخارجية شائكة. كما أثار غضب أنصار بريكست عندما لمّح إلى فتح باب جديد للشركات البريطانية للتعاون مع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الصدمات الاقتصادية وغلاء المعيشة والحرب في أوكرانيا.

هناك أزمات كثيرة تعبّر عن أزمة قيادة داخل المملكة المتحدة تلخصها ليز تراس صاحبة أقصر مدة في رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا، استقالت بعد 44 يومًا فقط، وسط أزمات اقتصادية وخلافات سياسية عاصفة. والآن، بعد استقالتها واستقالة بوريس جونسون من قبلها، حدد حزب العمال أولوياته التي تم انتخابه على أساسها وتتمثل في شعار “من أجل اقتصادنا، من أجل النمو، من أجل العمال”، وربطها بالأمن القومي للبلد.

مواقف لندن لم تكن معادية للرباط، لكن هذا لا يعني أن الوقت قد حان لتجاوز التردد النابع من أزمة سياسيين وليس أزمة دولة ترى في المغرب بوابة أفريقيا التي تتوق إلى الاستفادة من فرص الاستثمار فيها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: