حملة انتخابية بنكهة مسرحية: الوعي الشعبي يفضح أكاذيب النظام الجزائري
صباح يوم انطلاق الحملة الانتخابية في الجزائر، فاجأ النظام الحاكم المواطنين بمحاولة تشتيت انتباههم عن مشاكلهم اليومية من خلال إطلاق « قنبلة إعلامية » فارغة. اعتقد النظام أن هذه الحيلة ستثير اهتمام الشعب المنشغل بالبحث عن الماء والغذاء، إلا أن المفاجأة كانت في مستوى الوعي المرتفع لدى المواطنين، الذين أدركوا ألاعيب النظام الساعي للبقاء في السلطة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك بتهديد الشعب بتكرار أحداث « العشرية السوداء » إذا لم يصوتوا لمرشح الجيش، عبد المجيد تبون.
بسيناريو سيء الإعداد، عاد نظام العسكر المستولي على الحكم في الجزائر لنسج قصص وهمية بهدف جمع الصفوف وحشد الدعم للرئيس الحالي، عبد المجيد تبون، الذي يسعى الجيش لمنحه ولاية ثانية رغم معارضة الكثيرين.
فقد اختار الجنرالات العجزة بدء الحملة بأسلوبهم التقليدي المتمثل في التهديد والوعيد، فاختلقوا قصة رديئة لتشويه حركة تقرير مصير منطقة القبائل « الماك »، باتهامها بمحاولة تنفيذ عمليات إرهابية للتأثير على الانتخابات المقبلة.
فرحات مهني يفضح مسرحية النظام
فرحات مهني، زعيم حركة « الماك »، نفى كل ما تم الترويج له من قبل النظام الجزائري، مشيرا إلى أن هذا الأخير، عمد مرة أخرى إلى اختلاق « اتهامات مفبركة »، تهدف إلى تشويه سمعة الحركة وصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية التي تعصف بالجزائر.
وأشار مهني عبر تغريدة نشرها على حسابه الخاص بمنصة « إكس »، إلى أن الجزائر تحاول استغلال مزاعم تهريب الأسلحة لإلصاق التهم بحركة « الماك »، بعد أن تركت منطقة القبائل تواجه مصيرها المحتوم في ظل حرائق مستمرة على مدار أربع سنوات.
كما شدد زعيم الـ« ماك » على أن النظام الجزائري يروج لقضية تهريب أسلحة جديدة تم اكتشافها في ميناء « فغابت » ببجاية، عبر توجيه تهم مجانية للحركة، قبل أن يؤكد أن هذه المتهم الجاهزة والمفضوحة، إنما الهدف منها هو التغطية على فشل « الكابرانات » في معالجة الأزمات الداخلية والخارجية المتفاقمة، وكذا الضغط على الرأي العام الدولي من أجل تصنيف الـ« ماك » منظمة إرهابية.
مسرحية سيئة الإخراج
في مشهد أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الجزائرية، بثت السلطات مقطع فيديو يظهر اعترافات لأحد المشتبه بهم في الانتماء لحركة « الماك »، حاول وفق الرواية الرسمية إدخال أسلحة نارية بهدف تخريب الانتخابات المقبلة. هذا الفيديو، الذي يُعَدُ جزءاً من سلسلة أحداث اعتادت السلطة عرضها كلما اقتربت الانتخابات، قوبل بردود فعل غاضبة وساخرة من قبل المواطنين الجزائريين عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
« مسرحية سيئة الإخراج ولا ترقى حتى أن نقول عليها دحدوحية. لا سياسة لا ثقافة لا حتى تمثيل في المستوى. كيف يكون مستوى الشعب البسيط حينما يرى هرم السلطة مثل شنقريحة وتبون أميون؟ ولله في خلقه شؤون يكذبون الكذب ويصدقونه »، يقول المواطن محمد أمغار معلقا على الفيديو الذي بثته صفحة جريدة « الشروق » الواسعة الانتشار بالجزائر.
من هذا المنطلق، يرى أمغار أن هذه المحاولات البائسة للنظام في تقديم مسرحيات غير مقنعة تزيد من تدهور ثقة الشعب في مؤسساته.
بدوره علق خالد مؤكدا أن هذه المسرحيات ليست جديدة على المشهد الجزائري: « مسرحية تتجدد كل خمس سنوات والشعب المسكين يعاني ». هنا، يعكس خالد شعور الإحباط الذي يعاني منه المواطن الجزائري نتيجة للتكرار المستمر لنفس السيناريوهات البائسة دون تغيير ملموس في الواقع السياسي والاجتماعي.
مالك، من جهته، يرى أن النظام يلجأ دوماً إلى نفس الأساليب كلما اقتربت الانتخابات: « مع اقتراب الانتخابات يتم استخراج ورقة الدحدوحي والماك وبعض أشرطة العشرية السوداء.. نظام فاشل والشعب لم يعد مغيبا كما في السابق ». يبرز هنا تحليل مالك للطريقة التي يتعامل بها النظام مع التهديدات المصطنعة، لإبقاء الشعب في حالة خوف دائم.
وبحسب عبد الحق فإن النظام العسكري يكرر نفس السيناريوهات دون تغيير في الشخصيات أو الأحداث، حيث علق ساخرًا: « فيلم رائع وإرهابي أروع يحكي كل شيء بالتفصيل.. وكاتب السيناريو هو نفسه لم يتغير ».
استحمار الشعب
وفي تعبير صريح عن الاستياء، قال مولود: « عيب عليكم والله، إلى أين تريدون أن توصلوا هذه البلاد؟ غلاء المعيشة، الفقر، انعدام الحريات، الشباب يفر عبر الهجرة السرية، النيران مشتعلة في كل مكان، فرنسا معترفة بمغربية الصحراء، حفتر على الحدود الجزائرية الليبية، فاكنر على الحدود المالية الجزائرية، مشاكل داخلية فشل في كل القطاعات، وأخرى خارجية فشل في كل العلاقات الديبلوماسية، والنظام وإعلامه ماض يستحمر فينا بهذه المسرحيات الدحدوحية ». يعكس هذا التصريح الشامل مدى استياء المواطنين من سياسات النظام الداخلية والخارجية.
أما سفيان فقد كتب معلقا باستهزاء: « هذا فيلم هندي.. وإن كانت بوليوود ستخجل من إخراج سيناريو مثل هذا ». ووافقه في رأيه إسماعيل، الذي علق هو الآخر ساخرا: « كلشي على الموسيقى التصويرية.. مسرحيات تبونية هههه.. يحيا عمي تبووون وإنشاء الله عهدة ثانية وثالثة ».
وهو ما اعتبره حميد في تعليقه « استحمارا واستغباء للشعب » الذي لم فتح أمامه باب الهجرة لهاجر الجميع بلا عودة: « استحمار واستغباء.. اعطونا الفيزا بالعائلة وإذا عدنا فنحن ظالمون ».
وتساءل قادر مستغربًا في تعليقه، مشيرا إلى الشكوك حول مصداقية القصة برمتها: « كيف استطعتم تهريب السلاح من فرنسا إلى الجزائر؟ كيف استطعتم اختراق أجهزة الكشف عن الممنوعات في الحدود الفرنسية؟ احترموا عقولنا عند كتابة أفلامكم الغبية ».
تهديد بالعشرية الثانية
اعتبر مصطفى أن النظام يوجه تهديدا للشعب من خلال اختلاق بعبع الإرهاب إذا لم يرضخ لرغبته: « إما أن تتبعونا وإما ستعيشون عشرية ثانية.. الله يذلكم راكم وليتو أطفال كلشي واضح ».
أما مهدي فقد شكك في نزاهة الانتخابات وعبر عن خيبة الأمل في الوضع السياسي، حيث كتب يقول: « الشعب كله يعرف من سيفوز في الانتخابات الرئاسية، ليتكم وضعتم الملايير التي ستصرف خلال الحملة في خدمة البلاد ».
وعلق شوقي بالفيضيل بغضب قائلا: « قتلتونا بلخرطي احكونا كاش مشاريع تنموية للشباب كاش شريكات فتحت مناصب شغل ما تحكيليش على الكدب والفابريكاسيو يا العصابة الجديدة ». يطالب شوقي هنا بمشاريع تنموية حقيقية بدلاً من المسرحيات الإعلامية.
يا أمة أضحكت كل الأمم
أبرز مواطن يدعى محمد مدى شعور المواطنين بأن الفقر والمعاناة جزء من خطة النظام للحفاظ على السيطرة، حيث كتب يقول: « تريدون أن تقنعونا بأن الفقر الذي نعيشه في بلاد الخير ليس مخططا له، وحسب هذا الفيلم فإننا مجبرون على العيش في الفقر أو الموت ».
وعبر جلال في تعليقه المواطنين كلهم، حتى كبار السن الذين كانت تنطلي عليهم أكاذيب النظام العسكري، استفاقوا من الغفلة وما عادوا يصدقون الأكاذيب: « لقد أضحكتم فينا كل الأجناس.. أمي تبلغ من العمر 77 سنة وقالت لي إنهم يكذبون».
واستأثرت غالبية تعليقات الجزائريين حول هذا الموضوع بالثناء على « الممثل » (موسى زايدي الذي أدانه الإعلام بتهمة الإرهاب حتى قبل محاكمته)، لكونه قبل لعب دور « الإرهابي » في هذا « الفيلم الرديء »، متوقعين له « مستقبلاً زاهراً » في عالم هوليوود، نظرا لبراعته المذهلة في تشويق المشاهد خلال سرده لأحداث الأكشن.
إن هذه التعليقات تجسد مدى استياء الشعب الجزائري من محاولات النظام لتضليلهم بمسرحيات هزلية، في وقت تتفاقم فيه الأزمات الداخلية والخارجية، متسائلين عن مدى جدية وصدق وقدرة النظام على معالجة القضايا الحقيقية التي تواجه البلاد.