بسبب انقطاع مياه الشرب.. المواطن الجزائري بين مطرقة العطش وسندان التسمم
في خضم أزمة العطش التي تعصف بالجزائر نتيجة الانقطاعات المتوالية لمياه الشرب، يضطر المواطنون إلى شراء مياه مخزنة في صهاريج بلاستيكية متسخة أو معدنية صدئة. هذا الوضع يعرض صحة المواطنين لمخاطر جسيمة جراء استهلاك هذه المياه، التي تصبح مع مرور الوقت مرتعاً لتجمع البكتيريا والجراثيم ومسببات الأمراض المختلفة.
كتبت جريدة « الشروق » الجزائرية مقالاً تحت عنوان « مياه الصهاريج البلاستيكية خطر يهدد جزائريين بالتسمم »، محذرة من المخاطر الصحية التي تسببها هذه الصهاريج التي يلجأ إليها الجزائريون لتخزين مياه الصنابير بسبب الانقطاعات المتوالية.
أورد المقال أن هذه الصهاريج، سواء المثبتة على أسطح المنازل أو التي تُقتنى من الشاحنات الخاصة بتزويد الأحياء بالمياه الصالحة للشرب، تتحول مع مرور الوقت إلى بيئات خصبة لتجمع البكتيريا والجراثيم.
ونقلت الجريدة تحذيرات الأطباء ومصالح الحماية المدنية من المضاعفات الصحية الخطيرة نتيجة استهلاك هذه المياه المخزنة، مثل الأمراض الناتجة عن تعرضها لدرجات الحرارة العالية وإهمال تنظيفها وتعقيمها.
وذكر المقال بعض السلوكيات السيئة لبعض أصحاب الشاحنات الذين يضعون الصهاريج في أماكن تجمع النفايات، مما يتسبب في تلوث المياه، أو يستخدمونها بطريقة عشوائية وفوضوية.
كما حذر المقال أيضاً من استخدام الصهاريج البلاستيكية التي كانت تُستخدم سابقاً في نقل المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية، لأنها قد تتحول إلى مواد مسرطنة ويصعب تنظيفها بشكل كامل.
غضب وإحباط
تعليقات المواطنين على مقال جريدة الشروق على منصات التواصل الاجتماعي عكست حالة الغضب والإحباط من الوضع الحالي. حيث علق البعض منهم بمرارة على الوضع الراهن، معربين عن استيائهم من تكرار الانقطاعات المائية وغياب الحلول المستدامة.
وكتب أحد المواطنين، يدعى رضا، قائلاً: « إذا كنتم تخافون حقاً على صحتنا، يكفي أن تكفوا عن قطع مياه الحنفية يومياً حتى لا نضطر إلى اللجوء إلى الصهاريج »، قبل أن يختم تعليقه بنبرة المغلوب على أمره قائلا: « حسبنا الله ونعم الوكيل ». وكتب محسن تعليقا ساخرا يشكك في جودة المياه التي تصل إلى المنازل من خلال الصنابير، مشيراً إلى أن المشكلة تتعدى مجرد الانقطاعات لتشمل أيضاً نوعية المياه المتوفرة، يقول: « وكأن الماء الذي جف من الحنفية خال من الجراثيم والبكتيريا؟ أنتم تتاجرون في كل شيء ولم يبق لكم سوى المتاجرة في الهواء ».
وأعرب مواطن يدعى عزيز عن إحباطه من الوضع العام في البلاد، مشيرا بطريقة ساخرة إلى الدور الذي تلعبه هذه الصهاريج في الوقت بالذات، قائلاً: « لولا شاحنات بيع المياه لمات سكان الجزائر عطشاً.. تبا للجزائر الجديدة ».
أما محمد بلقاسم مبروك فقد ذهب إلى القول بأن الانقطاعات المتكررة للماء هي جزء من مؤامرة لترويج تجارة الصهاريج، معبراً عن عدم ثقته في نوايا السلطات التي يتهمها بالتلاعب في قضية المياه، حيث كتب يقول: « أصلاً قطع الماء وإنقاصه هو لترويج تجارة الصهاريج بمختلف أنواعها، لأن عصابة صنع الصهاريج أرادت ذلك… وكان لها ما أرادت… مزيد من العطش، يعني زيادة رواج الصهاريج حتى في المدن الكبيرة، فالصهريج البلاستيكي هو سيد الموقف… ماء الحنفية رمز التمدن ».
وعبر آخر يدعى داوود عن استيائه من التأخير في تحذير المواطنين من المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام الصهاريج البلاستيكية، وأعرب عن شعوره بأن السلطات لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الصحة العامة في الوقت المناسب. حيث تساءل في تعليقه باستنكار قائلا: « لماذا لم تخبرونا من قبل بهذه المخاطر؟ هل كنتم تنتظرون أن يموت الشعب؟ »
ويرى الأمين الصادق أن المواطنين الجزائريين محاصرون بمشكلات صحية واجتماعية متعددة، معبرا عن شعور شامل بالإحباط والقلق من جميع النواحي، حيث كتب يقول: « الجزائريون مهددون من كل الجهات: الأيادي الخارجية والأيادي الداخلية. التفاح مسرطن والدجاج مسرطن والماء ملوث والمطاعم ملوثة والنساء يطلقن الرجال وووو أين المفر؟ »
لكن المواطن عمار عمار له رأي آخر، حيث اعتبر أن الأزمة المائية ليست سوى جزء من مشكلات أعمق تعاني منها البلاد: « أخطر ما يهدد الشعب الجزائري هو الفقر الذي يعيش فيه… »، إذ يعتبر عمار أن الفقر هو التهديد الأكبر الذي يواجه المواطنين.
وتعكس هذه التعليقات مدى الغضب والإحباط الذي يشعر به المواطنون الجزائريون تجاه أزمة المياه المستمرة والانقطاعات المتكررة. بين مطالبات بحلول جذرية وتشكيك في نوايا السلطات، يبدو أن المواطنين يشعرون بأن صحتهم ورفاههم ليست على رأس أولويات النظام الحاكم المنشغل فقط بإشعال الفتن بين دول الجوار.
سرقة المياه
أمام الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب، يضطر الجزائريون إلى البحث عن بدائل أخرى لقطرات المياه التي خاصمت صنابيرهم منذ أمد طويل. وبينما يضطر الكثير منهم إلى تخصيص ميزانية من رواتبهم لشراء لترات معدودة من المياه المجهولة المصدر التي يتم ترويجها من طرف من «عصابات» مقابل أسعار باهضة عبر «سيتيرنات» حديدية صدئة وأخرى بلاستيكية متسخة.. يقضي آخرون يومهم بحثا عن آبار عشوائية تتيح لهم الحصول على بعض القارورات التي لا تكاد تغطي حاجياتهم من المأكل والمشرب، أما النظافة والاستحمام فذلك آخر هم هؤلاء المواطنين الذين ينهكهم العطش في رحلات البحث عن قطرة الماء…
من جانب آخر، رصدت عدة مقاطع مصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي كيف أدى هذا الصراع اليومي في سبيل الحصول على الماء إلى ظهور سلوكات مشينة بين المواطنين الجزائريين، من قبيل سرقة المياه التي باتت عملة نادرة في « الجزائر الجديدة »، التي يحلم بتحقيقها مرشح نظام العسكر عبد المجيد تبون.
نظام لا يبالي بصحة المواطن
رغم أن بعض الأصوات المهتمة بالدفاع عن صحة المستهلك في الجزائر قد طالبت السلطات الولائية بسحب هذه الصهاريج المسرطنة من الشوارع والأسواق ومنع استعمالها نهائياً في نقل وتخزين مياه الشرب، إلا أن هذه المطالب لم تلقَ آذاناً صاغية.
وفي ظل هذه الظروف، يظل المواطن الجزائري المغلوب على أمره في مواجهة خطر دائم على صحته وحياته اليومية: بين مطرقة العطش وسندان التسمم.