جردت المحكمة الدستورية في المغرب عددا من البرلمانيين المحسوبين على قوى سياسية من المعارضة والأغلبية، من عضويتهم، آخرهم عبدالرحيم واسلم بن محمد المنتخب عن الدائرة الانتخابية المحلية “الرباط – المحيط”.
ويرتبط قرار المحكمة بتورط هؤلاء في قضايا ذات طابع جنائي. وتجد الأحزاب اليوم صعوبة في اختيار بدائل لهم أصحاب مصداقية في الشارع المغربي لملء الشغورات البرلمانية.
وقررت الداخلية إجراء انتخابات جزئية في دائرتي “الرباط – المحيط” بداية سبتمبر المقبل، وقد بدأت الأحزاب التحضير للاستحقاق رغم تخوفها من انخفاض مشاركة المواطنين.
ودعا حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي في بيان المواطنين والمواطنات في دائرة الرباط إلى المشاركة بكثافة في الاقتراع، والتصدي لمن وصفهم بالمفسدين في العملية الانتخابية و”إسماع صوت الجماهير المطالبة بالديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية”.
وكشفت مصادر مطلعة أن حزب التجمع الوطني للأحرار يتجه لاختيار المنسق الجهوي سعد بنمبارك للترشح باسم الحزب، رغم اعتراض عدد من القيادات.
وأكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق أن إسقاط برلمانيين من مهمتهم الانتدابية تأتي في إطار التطبيق الصارم للقانون حيث أن الدستور الجديد نزع الطابع المُطلق من الحصانة البرلمانية، إذ انحصرت الحصانة فقط في حرية الرأي والتعبير داخل قبة البرلمان، ولم تعد تحمي صاحبها من الجرائم الجنائية.
وكانت المحكمة الدستورية أصدرت قبل أيام قرارًا يقضي بتجريد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكي عبدالصمد خناني، النائب عن الدائرة المحلية “خريبكة” (إقليم خريبكة)، من عضويته في مجلس النواب، بتهم تبديد أموال عمومية، بناءً على حكم نهائي بالسجن صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، مع الدعوة إلى إجراء انتخابات جزئية لملء المقعد الشاغر تزامنا مع انتخابات دائرة الرباط.
وشددت المحكمة الدستورية على أن الغاية من إقرار آلية التجريد من عضوية البرلمان، هي الحرص على ضمان وسيلة إضافية لاستبعاد كل عضو من المؤسسة البرلمانية تبين بعد إعلان نتيجة الانتخاب وانتهاء الآجال القانونية للطعن، أنه غير مؤهل للانتخاب.
وبعد قرارات المحكمة الدستورية ومحاكم الجنايات بعزل برلمانيين، باتت الأنظار متجهة إلى الأحزاب السياسية التي أصبحت مطالبة بالتفاعل مع دعوات تخليق الحياة السياسية، لتساهم من جهتها في منع وصول المشتبه بهم إلى البرلمان والمؤسسات المنتخبة، وتزكية مرشحين جدد يرفعون من مستوى نزاهة العمل السياسي ويعيد ثقة المواطن بممثلي الأمة داخل البرلمان.
وبلغ عدد المنتخبين من برلمانيين ورؤساء بلديات ومجالس جهات، المتهمين في قضايا فساد أرقاما لافتة، مما دفع الكثير من الحقوقيين والمتابعين للشأن السياسي إلى دعوة الأحزاب لتحمل مسؤولياتها بالتفعيل الجدي لآليات المراقبة والتأديب داخليا.
أغلبية الملاحقين في قضايا سوء تدبير كانوا يجمعون بين مهمتهم داخل البرلمان وتدبير شؤون بلديات ومجالس عمالات
وسجلت منذ العام الماضي متابعات قضائية بحق العشرات من البرلمانيين والمسؤولون البارزين، من بينهم محمد حيداوي، برلماني عن التجمع الوطني للأحرار (الائتلاف الحاكم) ورئيس فريق أولمبيك آسفي، بالإضافة إلى زميله في الحزب رشيد الفايق، والبرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي (معارض)، عبدالقادر البوصيري، بتهم تتعلق بـ”اختلاس أموال عمومية”، و”الارتشاء”، كما جرى اعتقال البرلماني عن الاتحاد الدستوري (معارض)، ياسين الراضي، بتهم من بينها “محاولة القتل” و”الفساد وإعداد وكر للدعارة”.
وقال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق إن المتابعات القضائية في حق منتخبين يثبت أن هناك أزمة ثقة وترهل على مستوى القيادات السياسية، التي أبانت عن عجز في مجاراة الزمن الدستوري وتحقيق ما وعدت به من إنجازات على مستوى تخليق الحياة الداخلية واختيار الكفاءات.
وعلى مستوى تفاعل البرلمان مع التوجيهات الملكية في اتجاه تخليق الحياة السياسية أقر مكتب مجلس النواب في يوليو الماضي تعديلات على 13 مادة من النظام الداخلي، تحدد المبادئ المؤطرة للممارسة البرلمانية والواجبات وضوابط السلوك المرتبطة بها، وتضع الآليات الكفيلة بإلزام النواب على التقيد بتلك المبادئ والضوابط داخل المجلس وخارجه، مع إحداث لجنة خاصة في مستهل كل فترة نيابية وفي منتصفها تتولى مهمة تتبع تطبيق مدونة الأخلاقيات البرلمانية.
وأشار رشيد لزرق، في تصريح لـه، أن التوجه العام يجعل الكل يتحمل المسؤولية خصوصا الأحزاب التي تمنح التزكية للمرشحين، مرجحا أن تكون النتيجة تجديد النخبة السياسية وتخليق الحياة العامة والتأسيس الفعلي لدولة القانون.
وشدد لزرق على أن أغلبية الملاحقين في قضايا سوء تدبير كانوا يجمعون بين مهمتهم داخل البرلمان وتدبير شؤون بلديات ومجالس عمالات، وجُلّهم من الأعيان وينتمون إلى تشكيلات حزبية متنوعة من الموالاة إلى المعارضة.