أزمة المياه في الجزائر: وعود كاذبة واستياء شعبي متزايد
في خضم موجة الحر الشديدة التي تجتاح الجزائر، يجد المواطنون أنفسهم أمام معاناة إضافية تتمثل في الانقطاع المتكرر لمياه الشرب. وهكا لم يعد غالبية سكان العاصمة الجزائرية يأبهون ببلاغات شركة المياه والتطهير للجزائر « سيال »، التي تنذرهم بين الفينة والأخرى عن « انقطاع مفاجئ » لمياه الشرب نتيجة « خلل تقني »، لكونهم –ببساطة- قد اعتادوا على الانقطاع المتواصل للمياه وفقدوا الثقة في بلاغات الشركة التي تعدهم بعودة المياه في « أقرب وقت »، بينما في الواقع لا تعود إلا لتنقطع مجددا.
أعلنت شركة المياه والتطهير للجزائر، اليوم الاثنين 12 غشت 2024، عن تسجيل خلل تقني على مستوى محطة التحلية بفوكة، ما سيتسبب في تذبذبات وتأخير برنامج توزيع المياه بعدة بلديات بالعاصمة وتيبازة.
وأكدت الشركة، أن أشغال إصلاح العطب الذي تسبب بتراجع الإنتاج بــ20000 م³، جارية من طرف شركة مياه تيبازة، مشيرة إلى أن هذه الأشغال « ستتسبب في تذبذبات وتأخير برنامج توزيع المياه اليوم الإثنين، على مستوى عدد من البلديات بولايتي الجزائر العاصمة وتيبازة.
وأبلغت سيال زبائنها القاطنين بالبلديات المعنية أن « العودة إلى برنامج التوزيع المعتاد ستتم تدريجيا بعد نهاية الأشغال. وامتلاء الخزانات الرئيسية ابتداء من صبيحة يوم غد الثلاثاء ».
غضب متزايد
مباشرة بعد بث هذا الإبلاغ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اشتعل غضب الجزائريين الذين ضاقوا ذرعًا بهذه الانقطاعات التي لا تنتهي. وكتب مواطنون تعليقات غاضبة ومستنكرة على صفحات الفيسبوك، تعبر عن مدى السخط والإحباط من الوضع الراهن. فتاة من حي الشراقة بالعاصمة علقت بلهجة استنكارية قائلة: « على أساس أنه لا يقطع كل يوم؟ لولا جيوبنا لما وجدنا المياه التي نشتريها من الستيرنات.. ».
فرد عليها آخر بتعليق لا يقل تذمرًا: « نحن نعاني منذ شهرين من انقطاع الماء ولا أحد اهتم بمعاناتنا.. وكأننا نقطن في بلد آخر ».
وبنبرة لا تخلو من السخرية، علق مواطن آخر يدعى حفيظ، متحسرا على « بلد الغاز والبترول والشعب الذي لا يجد الماء لأن أموال الشعب الجزائري يتم تهريبها إلى فرنسا لشراء البارات والفنادق والمنازل للمسؤولين الجزائريين عملاء فرنسا ».
بدائل غير آمنة
أمام الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب، اضطر الجزائريون إلى البحث عن بدائل أخرى لقطرات المياه التي خاصمت صنابيرهم منذ أمد طويل. وبينما يضطر الكثير منهم إلى تخصيص ميزانية من رواتبهم لشراء لترات معدودة من المياه المجهولة المصدر التي يتم ترويجها من طرف من « عصابات » مقابل أسعار باهضة عبر « سيتيرنات » حديدية صدئة وأخرى بلاستيكية متسخة.. يقضي آخرون يومهم بحثا عن آبار عشوائية تتيح لهم الحصول على بعض القاروات التي لا تكاد تغطي حاجياتهم من المأكل والمشرب، أما النظافة والاستحمام فذلك آخر هم هؤلاء المواطنين الذين ينهكهم العطش في رحلات البحث عن قطرة الماء…
دعوات للتغيير
في ظل هذا الوضع المتأزم، دعا مواطنون من خلال تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات المائية في البلاد. وطالب مختار المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإعادة إعادة النظر في المؤشرات التي يعتمدها في تقاريره التي تتحدث عن تحقيق الجزائر لـ »ازدهار اقتصادي غير مسبوق ».
بينما اقترح مصطفى على الدولة إيلاء الاهتمام ببناء سدود جديدة للتصدي لشح المياه، بدل تشييد ملاعب لا ترجى منها أية فائدة، فذلك حسبه سيقطع مع مظاهر جري المواطنين في الشوارع وهم يحملون قارورات بحثا عن المياه…
أزمة ممتدة
قبل الجزائر العاصمة، ضربت أزمة المياه عدة مناطق من البلاد. نحن لا نتحدث عن المناطق الصحراوية التي تشكل 90% من الأراضي الجزائرية، بل عن الشريط الساحلي المتوسطي والمناطق المحيطة به، حيث تتركز الغالبية العظمى من السكان في البلد الجار. الغرب الجزائري حيث توجد مدينة كبيرة مثل وهران والمناطق المحيطة بها (1.7 مليون نسمة)، يتخبط سكانها في هذا الواقع المر. وقد واجهت المنطقة أياما طويلة بدون قطرة ماء. وكان الوضع أفظع في تيارت التي تعيش على وقع تظاهرات واحتجاجات السكان بسبب العطش، قبل أن تتدخل آلة القمع لإسكاتهم.
ويرى بعض المواطنين أن الدولة لم تستطع حل أزمة المياه الداخلية بشكل فعال، في الوقت الذي تستثمر كل جهودها في قضايا خارجية.
وعود تبون
في يونيو الماضي، وعد الرئيس عبد المجيد تبون بحل أزمة المياه في تيارت خلال 48 ساعة، لكن الأزمة لا تزال مستمرة. ومازال الجزائريون اليوم يتساءلون عن مصير المشروع الضخم الذي أعلن عنه الرئيس، المقبل على عهدة ثانية، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يتعهد بإنتاج 1.3 مليار متر مكعب من مياه الشرب يومياً عبر تحلية مياه البحر.
وهكذا، تظل أزمة المياه في الجزائر مشكلة مستمرة تؤثر على حياة الملايين من السكان، إلى جانب عدة اختلالات بنيوية لا يدفع ثمنها سوى المواطن المغلوب على أمره، وهو ما يثير تساؤلات حول أولويات نظام العسكر المستولي على الحكم في معالجة الأزمات الداخلية بدل الانشغال بالقضايا الخارجية.