الجالية تحتفل باليوم الوطني للمهاجر بطرح مشاكلها على طاولة المسؤولين
يخلد المغرب، اليوم السبت، “اليوم الوطني للمهاجر” الذي سبق أقره الملك محمد السادس سنة 2003، إذ يعتبر مناسبة سنوية لاستحضار وضعية الجالية المغربية بالخارج ومساهماتها المتواصلة تجاه بلدها الأم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا…
و قد غير مغاربة العالم هذا اليوم من يوم للاحتفال إلى يوم لطرح مشاكل الجالية ، حيث ترفع فيه مشاكل الجالية للمسؤولين الجهويين لعل ان يجدوا أذنا صاغية تستمع لهم و تمنحهم حقوقهم الضائعة في جميع المجالات .
ويستأثر الجانب الاقتصادي باهتمام كبير في هذا الصدد؛ بالنظر إلى مواظبة القاطنين المغاربة بمختلف أقطار العالم على تعزيز ارتباطهم الاقتصادي بالمملكة، خصوصا عن طريق التحويلات المالية التي لا تزال، وفقا لإحصائيات رسمية، تسجل أرقاما قياسية بعدما ارتفعت خلال سنة 2023 مقارنة بالسنوات الماضية.
آخر هذه الإحصائيات تلك التي أفرج عنها مكتب الصرف، المضمنة ضمن تقريره السنوي حول ميزان المدفوعات والاستثمار الدولي بالمغرب، والتي بيّن من خلالها أن التحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج سجلت مستوى قياسيا برسم سنة 2023 بلغ 115,3 مليارات درهم مقابل 110,8 مليارات درهم في سنة 2022، أي بارتفاع نسبته 4,1 في المائة، مبرزا أن متوسط معدل النمو السنوي لهذه التحويلات خلال الفترة 2020-2023 بلغ 19,2 في المائة.
الإحصائيات نفسها أوردت أن فرنسا تبقى المصدر الرئيسي لهذه التحويلات بحصة قدرها 30,8 في المائة من إجمالي تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، تليها إسبانيا (12,6 في المائة)، والمملكة العربية السعودية (10,7 في المائة)، وإيطاليا (9,2 في المائة)، في وقت ارتفعت كذلك تحويلات مغاربة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والإمارات العربية المتحدة.
التحويلات المالية للجالية المغربية تتخذ عادة منحييْن؛ الأول يتعلق بدعم مئات الآلاف من الأسر داخل التراب الوطني، بما يخلق رواجا اقتصاديا ويدعم القدرة الشرائية الوطنية، فيما الثاني يرتبط أساسا بتخصيص هذه التحويلات لأغراض تجارية واستثمارية توفر فرص الشغل وتساهم في خلق النمو، وهو ما يؤكد المحللون الاقتصاديون على أهميته وضرورة تشجيعه موازاة مع انخراط المغرب في بسط أوراش تنموية كبرى.
بيئة محفزة
قال خالد حمص إن “الطفرة التي تعرفها التحويلات المالية من الخارج إلى المغرب ترتبط بمجموعة من العوامل المفسرة لها؛ بما فيها ارتفاع عدد الجالية القاطنة والمشتغلة بعدد من الأقطار خارج التراب الوطني، إلى جانب أن نسبة مهمة منهم لم تلتحق بعد بالمملكة منذ كورونا، بما يجعلنا ترفع من تحويلاتها صوب المملكة”.
حِمص ذكر، أن “هناك عنصرا مهما يجب استحضاره في إطار فك هذه المعادلة هو أن هناك ثقة من أفراد الجالية في الاقتصاد الوطني، حيث يحاولون نقل جزء من مدخراتهم ببلدان إقامتهم من أجل محاولة استثمارها كرؤوس أموال بالمغرب في ظل وجود تخوفات من ارتفاع المد اليميني بعدد من الدول الأوروبية على سبيل المثال”.
في هذا السياق، أكد المصرح أن “نسبة مهمة من هذه التحويلات تسير في اتجاه استثمارها، تزامنا مع المشاريع التنموية التي انخرط فيها المغرب، والتي عززتها الاستضافة المرتقبة للمملكة لمباريات كأس العالم لسنة 2030، في انتظار ارتفاع طبيعي لهذه التحويلات الخاصة بالاستثمار في السنوات المقبلة”، موردا أن” البيئة النقدية تسمح بالرفع من هذه التحويلات لدى المغاربة ما دام أن قيمة الدرهم، على سبيل المثال، لا تنخفض كما هو الحال لعملات أخرى”.
وتابع: “يجب أن نذكر كذلك في هذا الصدد أن الأجيال الأربعة من الجالية صارت اليوم كلها منخرطة في تحويل ممتلكاتها النقدية إلى الخارج، خصوصا من المتوفرين منهم على مناصب عليا ومرموقة توفر لهم مداخيل كبرى؛ فهناك عدد منهم يحوز تجربة في مجال من المجالات ويحاول الاستثمار بالمملكة للاستفادة من الإيجابيات التي يوفرها المناخ الاقتصادي المغربي”.
عطفا على ما سبق، أورد خالد حمص أن “البيئة المغربية توفر عددا من المميزات، بما فيها اليد العاملة الرخيصة والإمكانية التنافسية؛ وهو ما يجذب كذلك حتى الأجانب من أجل نقل رؤوس أموالهم إلى المملكة للاستثمار فيها عوضا عن الاستثمار في دول أوروبية بعينها”.
جرعة للاقتصاد
المهدي فقير، أخصائي اقتصادي، تفاعل بدوره مع الأرقام الرسمية التي تخص تحويلات المغاربة المالية نحو الخارج، إذ اعتبرها “صمام أمان للاقتصاد المغربي ومساهما مهما في تأمين احتياجات البلاد واحتياطاتها من المخزون الوطني من العملة الصعبة، بما يجعل منها بمثابة جرعات أوكسجين للبيئة الاقتصادية والاجتماعية المغربية”.
فقير تحدث لهسبريس عن الثقل الاقتصادي والاجتماعي لتحويلات الجالية المغربية إلى التراب الوطني، خصوصا أنها تشكل بنسبة كبيرة مداخيل بالنسبة لعدد من الأسر المغربية ذات الدخل المحدود والتي تعتمد أساسا على هذه التحويلات من أجل تدبير أمورها المعيشية بسلاسة؛ فنحن إذن أمام عاملِ دعمٍ اجتماعي ومحفزٍ للاقتصاد الوطني”.
وزاد: “نسبة مهمة كذلك من هذه التحويلات لا تسلك طريق الاستهلاك فقط؛ بل يتم توجيهها صوب مجال الاستثمار في قطاعات استراتيجية وحيوية بإمكانها أن تساهم في الرفع من حيوية الاقتصاد الوطني، حيث هناك وعي متواصل بأهمية الاستثمار في المملكة نظير الخصائص التي توفرها”، موردا أن “هناك اهتماما بالاستثمار في مجالات العقار والسياحة”.
ودعا المحلل الاقتصادي إلى “تغيير الصور النمطية المتواصلة بخصوص تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، حيث يجب أخذها باعتبارها تحويلات غير عادية ومحفزة للاقتصاد الوطني وتدعم معيش آلاف الأسر وتؤكد التشبث المغربي بالأرض؛ فالتعامل مع موضوع الجالية من الناحية الاقتصادية يجب أن يكون دائما مطابقا للتصورات الملكية في هذا الصدد”.