ماكرون يختار الوضوح
شهدت قضية الصحراء في السنوات الأخيرة اعترافا واضحا ومتزايدا من عدة دول بمغربيتها، في مقدمتها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أبرزها: الولايات المتحدة وفرنسا، بعد التحول الذي عرفته الدبلوماسية المغربية، وترسيخها لعقيدة ثابتة وصلبة، تنطلق من كون الصحراء هي المنظار الذي يرى به المغرب العالم.
الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء ودعم باريس للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية جاء بعد برود دبلوماسي بين البلدين، خاصة وأن فرنسا لزمت المنطقة الرمادية طيلة سنوات، الأمر الذي رفضه المغرب، إيمانا بعدالة قضيته ومشروعيتها.
الخطوة الفرنسية في هذه الظرفية تفسّرها مجموعة من الاعتبارات التي ساهمت في تعزيز مكانة المملكة الاقتصادية والدبلوماسية، فأصبحت الرباط فاعلا اقتصاديا وسياسيا في القارة الأفريقية، وشريكا دوليا موثوقا. حاولت فرنسا أن تصطف وتختار المنطقة الرمادية، واللعب على حبل التوازن في علاقتها بالمغرب والجزائر، ضاربة عرض الحائط التاريخ الذي يقف بجانب المملكة، ومتشبثة بمواقفها التي يغمرها الغبار.
وسبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب ألقاه أن عبّر عن رفضه لمواقف الدول التي تحاول التموقع في المنطقة الرمادية في موقفها في قضية الصحراء، وشكل هذا الخطاب الملكي بداية لانعطافة في الدبلوماسية المغربية، وضربة موجعة لبعض دول أوروبا، التي جعلت من هذه القضية ورقة تعتمدها في تحقيق منافعها ومصالحها، وأصبحت خطابات الفاعل الرسمي ومواقفه جد واضحة، وعرفت بذلك تحولا ملحوظا لها عدة دلالات وقراءات تؤكد أن الدبلوماسية المغربية وعلاقتها الخارجية شهدت تطورا مستمرا هاما، بفعل الأشواط التي قطعها المغرب في علاقته مع الدول الكبرى على المستوى الجيو – إستراتيجي، مما دعم قضية الصحراء، وجعلها تنال اعترافا دوليا متزايدا، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا وغيرهما.
◙ الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء ودعم باريس للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية جاء بعد برود دبلوماسي بين البلدين
وشهدت مدينة العيون ومدينة الداخلة تدشين مجموعة من القنصليات، مما يبرز الاعتراف الحقيقي بسيادة المغرب على الصحراء، في حين كانت فرنسا تحاول استفزاز المغرب بتصريحات رسمية حاولت من خلالها التقرب من الجزائر، واستغلال هذه القضية وجعلها كورقة للعب والضغط، وهو الأمر الذي ترفضه الرباط جملة وتفصيلا.
وفي هذا الباب، اتخذت الرباط مواقف قوية من خلال قطع العلاقات مع بعض الدول الأوروبية التي ليس لها موقف صريح وواضح بشأن الوحدة الترابية للمغرب، ومن بينها فرنسا، التي حاولت استفزاز المغرب، والانحياز إلى الطرف الآخر المتمثل في الجزائر، هذه الدولة التي تعتبر طرفا رئيسيا في قضية الصحراء المغربية، لكن الخارجية المغربية أفاضت هذا الكأس، وقررت الدخول في نوع من الندية مع باريس.
من المؤكد أن عوامل متعددة ساهمت في الوصول إلى الموقف الحالي، فهناك طبعا الخيار الدبلوماسي الواضح الذي رسمه الملك محمد السادس عندما اعتبر قضية الصحراء بمثابة النظارة التي ينظر بها إلى كل القضايا، ثم هناك هزائم باريس في بعض المواقع الأفريقية وتراجع نفوذها في بوركينا فاسو والنيجر ومالي..، ثم فشل التقارب مع الجزائر، وأيضا التقارب القوي بين مدريد والرباط، إذ انتزعت إسبانيا موقع فرنسا وأصبحت بذلك الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للمغرب…
وهكذا شهدت سنة 2024 بداية عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد جمود غير مسبوق، من خلال رغبة فرنسا في إغلاق صفحة الخلافات، وفتح صفحة جديدة مع المغرب، قوامها الوضوح والشراكة الثابتة المبنية على الثقة، الأمر الذي دفع خارجية الجزائر للتنديد بموقف فرنسا من قضية الصحراء عبر بلاغ غاضب، يؤكد أن الجزائر طرف رئيسي في هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
الاعتراف الفرنسي نال مساندة وقبولا من طرف حزب اليمين المتطرف الذي عبرت زعيمته مارين لوبان عن دعمها لخطوة الاعتراف بقضية الصحراء تحت سيادة المملكة المغربية. كانت إستراتيجية المغرب صحيحة، حين تشبث بأن قضيته لا يمكن أن تكون مجالا للمساومة والابتزاز، وهو يحقّق الآن مكاسب دبلوماسية تقرّب من الحل النهائي لملف يعقّد الأوضاع ويديم حالة التوتّر، ويفوّت لإنشاء تحالفات عقلانية وقوية، بدل الاستنزاف بقضية بلا مستقبل، فضلا عن أنها مفتعلة.