تناغم سياسي وإعلامي في الموقف الفرنسي تجاه مغربية الصحراء
رحب ناشطون على مواقع التواصل بخطوة القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي الرسمي لنشرها خريطة المغرب كاملة، والتي تعتبر ترجمة للتوجّه الرسمي ورسالة دبلوماسية موجهة إلى الرأي العام والناطقين باللغة الفرنسية، وتشير إلى موقف باريس الصريح والثابت تجاه وحدة أراضي المملكة المغربية.
اعتمد التلفزيون العمومي الفرنسي من خلال قناته الخامسة “فرانس5″، صورة كاملة لخريطة المغرب تتضمن أقاليمه الجنوبية، تماشيا مع الموقف السياسي للبلاد بالاعتراف بمغربية الصحراء، ما يعد عاملا مهما في توضيح مشروعية الحق المغربي للجمهور الناطق بالفرنسية والرأي العام.
وتزامن هذا التحول في الإعلام الرسمي الفرنسي مع الموقف الذي أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون في رسالة وجهها للملك محمد السادس، والذي أقر بسيادة المغرب على كامل أراضيه من خلال الدعم المطلق لمبادرة الحكم الذاتي.
وتفاعل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مع هذه المبادرة التي اعتبروها خطوة إيجابية مهمة، تدحض مزاعم الانفصاليين والموالين لهم.
ويبدأ التنزيل الرسمي للقرار الفرنسي القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه على مستوى الإعلام الرسمي الفرنسي
مزعجة جدا لنظام العسكر الذي ظل يصف الخريطة بـ”الوهمية” بل الوهم هو المعشش في ذهن نظام حكم يعيش خارج الزمن
ويرى متابعون أن نشر قناة “فرانس 5″ الخريطة كاملة هو حدث سياسي هام لأنه يترجم التوجّه الرسمي الذي أمْلته وزارة الخارجية وقصر الإليزيه على جميع وسائل الإعلام الرسمية، مما يعزز مصداقية هذا التوجه ويعكس التغير الجوهري في سياسة باريس الخارجية.
وقال الإعلامي المغربي المقيم بباريس محمد واموسي، أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في تشكيل الرأي العام في فرنسا، وعرض خريطة المغرب كاملة سيكون له تأثير على وجهات نظر المشاهدين بخصوص النزاع المفتعل ليس فقط في فرنسا، بل في كل الدول الناطقة بالفرنسية في أوروبا والعالم؛ مع العلم أن الإعلام الفرنسي مؤثر بشكل كبير في دول فرنكوفونية مثل بلجيكا ولوكسمبورغ وغيرهما.
وأضاف واموسي في تصريح له أن “هذه الخطوة لن تُعزز العلاقات بين المغرب وفرنسا فحسب، بل ستكون لها تداعيات كبرى لأنه يمكن أن تتبع هذا التوجه خطوات مماثلة من قبل وسائل إعلام أخرى، مما سيزيد الضغط على بعض الجهات التي تتبنى موقفًا معاديًا أو محايدًا”.
ويمكن النظر إلى هذا التغير في الإعلام الفرنسي كجزء من التحولات الجيوسياسية الأوسع في المنطقة لأن هذا الدعم يعكس رغبة فرنسا في إعادة تشكيل تحالفاتها الإقليمية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، من خلال اعتبار المغرب حليفا إستراتيجيا قويا ورئيسيا في مواجهة التحديات.
الصحافة الفرنسية تهتم بالمغرب نظراً إلى طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين ولأهمية المملكة الإستراتيجية
ولفت واموسي أن “بثّ الخريطة المغربية كاملة هو رسالة دبلوماسية موجهة إلى دول أخرى في المنطقة والعالم، تشير إلى موقف فرنسا الصريح والثابت تجاه وحدة أراضي المغرب، ويعكس التزام فرنسا بمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصحراء المغربية، مما يعزز موقف المغرب في المحافل الدولية”.
وسبق لوسائل إعلام فرنسية أخرى أن اتخذت موقفا مماثلا في مناسبات عدة، حيث عرضت القناة الفرنسية “تي.في1” الخريطة كاملة في نشرة الأخبار، ما فُسر أنه إشارة إعلامية ذات أبعاد سياسية يهدف من ورائها صاحب القرار السياسي في فرنسا إلى ترميم العلاقات مع الرباط. وذلك في الفترة التي أعقبت التوتر بين البلدين والتي حاولت فرنسا خلالها التقارب مع المغرب ومد جسور التفاهم والتعاون.
وقرأ وقتها عدد من المهتمين بوادر تغير الموقف الفرنسي تمهيدا للاعتراف بمغربية الصحراء بشكل رسمي. واعتبروا أنه رغم أن الخطوة عبارة عن بث في نشرات الأخبار لقناة فرنسية إلا أنها تعتبر خطوة جديدة على المشهد والأزمة، مما سيجعل هذا الخبر مؤشرا على تكراره في وسائل الإعلام وتحوله إلى حقيقة ثابتة لا تقبل اللبس.
ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية خريطة المملكة المغربية كاملة متضمنة أقاليمها الجنوبية، خلال نشرها تحقيقا تحت عنوان “الجانب الخفي للطماطم المغربية التي تباع في أوروبا: تحقيق بالفيديو حول العمالة منخفضة التكلفة”، حيث تهتم الصحافة الفرنسية كثيراً بالمغرب نظراً إلى طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين ولأهمية المملكة الإستراتيجية بالنسبة إلى الغرب وفرنسا خصوصا.
واعتبر متابعون الأمر آنذاك إشارة لتغير موقف باريس واقتراب اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، ورغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مواصلة تطوير العلاقات التي طبعها البرود قبل مدة وبدأت بالتحسن مع تغير النهج الفرنسي في التعاطي مع المملكة، خاصة وأن فرنسا تعي جيدا حجم المغرب على المستويين الأفريقي والعالمي، في ظل تراجع نفوذ فرنسا بالقارة السمراء.
نشر قناة “فرانس 5” الخريطة كاملة هو حدث سياسي هام لأنه يترجم التوجّه الرسمي الذي أمْلته وزارة الخارجية وقصر الإليزيه على جميع وسائل الإعلام الرسمية
ولفت محللون أنه من خلال متابعة مسار تفاعلات الإعلام الفرنسي مع الشأن المغربي، لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة، فإنه عندما تكون العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا جيدة، يكون الإعلام الفرنسي وخاصة العمومي، في حالة حياد تجاه المغرب، بل أحياناً يتخذ مبادرات ويشيد بالإنجازات والخطوات المهمة للرباط على عدة مستويات.
ويدرك الإعلام الفرنسي جيدا أهمية هذه الخطوة للمغرب باعتبار أن قضية الصحراء هي القضية الأولى له، وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد وجه في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب رسالة واضحة للجميع، حيث أكد أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”. وتابع الملك “ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.
ومن خلال خطاب ضامن للوحدة والاستقرار، يرى المهتمون أن المملكة المغربية، سترحب بأيّ تحول في الموقف الفرنسي ليلتحق بالموقف الإسباني والألماني وبموقف الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث سيكون للخطوة انعكاس إيجابي على العلاقة بين البلدين، لتخرج من وضع الجمود والأزمة التي تسببت فيها سياسة الرئيس ماكرون السابقة الذي أدرك لاحقا خطأها وتأثيرها السلبي على مصالح فرنسا في المغرب وفي القارة السمراء عموما.
يذكر أن دولا عديدة بينها إسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة، كانت وسائل إعلامها وبينها القنوات التلفزيونية، قد صححت خريطة المغرب المنشورة على برامجها، بعد تحول موقف دولها في ملف الصحراء المغربية.
وسبق أيضا للتلفزيون الإسباني العام، أن نشر ضمن الأخبار التلفزيونية خريطة المغرب المتضمنة لصحرائه، في سياق ما خصصته القناة حول سلسلة من حلقات تظاهرة كأس العالم 2030، التي ستقام بشكل مشترك في إسبانيا والبرتغال والمغرب.
وخلال عرض البلدان المضيفة تفاصيل خاصة بشأن الإعلان عن بطولة كأس العالم 2030، تم نشر خريطة المغرب التي تظهر الصحراء المغربية كجزء لا يتجزأ من الأراضي المغربية.