فرنسا تستفيد من الاعتراف بمغربية الصحراء
في قرار مفاجئ، قررت فرنسا تبني الرؤية المغربية لحل قضية الصحراء وهو ما يعد انتصارا دبلوماسيا للرباط، لكن باريس بدورها تسعى إلى تحقيق منافع من وراء هذا القرار.
تحركت فرنسا الأسبوع الماضي نحو الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، في قرار يقول محللون إنه يحقق لها منفعتين أساسيتين: واحدة اقتصادية وأخرى جيوسياسية.
وتتطلع فرنسا إلى حصة من الفوائد الاقتصادية التي يعد بها مشروع مبادرة الأطلسي الطموحة التي أطلقها المغرب ــ والتي تهدف إلى منح دول الساحل غير الساحلية القدرة على الوصول إلى المحيط من خلال ميناء بقيمة 1.2 مليار دولار في الداخلة بالصحراء المغربية.
ويوجد عامل حاسم آخر في فهم القرار الفرنسي الأخير يتمثل في إعادة التنظيم العالمي خلف حدود الحرب الباردة القديمة، وانخراط حلفاء الناتو في منافسات تاريخية ضد قوى متزايدة الزعزعة للاستقرار. ولطالما كان المغرب شريكًا موثوقًا به للغرب الليبرالي العالمي في حربه ضد العدوان الروسي والجماعات الإرهابية المختلفة. كما أن البلاد متحالفة إلى حد ما مع الولايات المتحدة وفرنسا في رؤية مشتركة للمستقبل.
منذ عام 2020، ضغطت الرباط على باريس لكسر الوضع الراهن واتخاذ موقف أكثر وضوحًا بشأن الصحراء المغربية
ومع تعزيز إيران ووكلائها للعلاقات مع النظام الجزائري، الذي كان يزرع علاقات وثيقة مع روسيا منذ سبعينيات القرن العشرين، يخشى حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) من معقل جديد للخصوم في شمال أفريقيا.
وترى سارة زعيمي و هي نائبة مدير الاتصالات في مركز رفيق الحريري في تقرير على موقع المجلس الأطلسي أن التحول في موقف فرنسا الذي حاولت البقاء على الحياد في ملف الصحراء المغربية لسنوات يأتي في وقت توترت فيه علاقاتها مع المغرب.
ومنذ عام 2020، ضغطت الرباط على باريس لكسر الوضع الراهن – الحياد بشأن هذه القضية على ما يبدو بهدف عدم إزعاج المغرب أو الجزائر – واتخاذ موقف أكثر وضوحًا بشأن الصحراء المغربية.
وقد أدى التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب في عام 2020 بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء إلى تعزيز الثقة الدبلوماسية للمغرب وساعد في إعادة تعريف السياسة الخارجية للمملكة. ونتيجة لذلك، أصبحت قضية الصحراء، على حد تعبير العاهل المغربي الملك محمد السادس “العدسة التي ينظر المغرب من خلالها إلى العالم”.
وكمثال على تدهور العلاقات الثنائية، ورد أن العاهل المغربي ” جمّد بالتأكيد” العلاقات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ورفض طلبات الزيارة الرسمية من الرئيس الفرنسي العام الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، بدأت المملكة في زيادة سحب استثماراتها من الشراكات التجارية مع فرنسا، التي كانت تعتبر في السابق شريكها الاقتصادي الدولي المفضل.
وفي ظل تمزقها بين المغرب والجزائر، فشلت فرنسا في تحقيق التوازن في عملها في المغرب بعد سلسلة من الأحداث المؤسفة، بما في ذلك قضية برنامج التجسس بيغاسوس، وأزمة التأشيرة، واستدعاء سفير الرباط إلى فرنسا في فبراير 2023 ومؤخرا، رفض المغرب المساعدات الفرنسية بعد زلزال مراكش في سبتمبر 2023. ومع ذلك، لم تتوقف فرنسا أبدا عن مغازلة المغرب، لأن باريس لم تكن تريد أن تخسر أرضا اقتصادية وسياسية مهمة إستراتيجيا في أفريقيا.
ومن جانبها، لم تقطع الرباط علاقاتها مع باريس بالكامل، واستمرت في تعاونها الاستخباراتي والأمني مع فرنسا. وعلى سبيل المثال، تساعد القوات المغربية حاليا في تأمين أولمبياد باريس. وعلى مدى العقود الخمسة الماضية، كانت الصحراء المغربية ثغرة أمنية رئيسية على أبواب البحر الأبيض المتوسط والساحل.
ومع تزايد التقارير حول وجود إيران ومجموعة فاغنر الروسية بين الصحراويين في مخيمات تندوف في غرب الجزائر، حيث يعيش ما يقدر بنحو 173.600 لاجئ، أصبح من الضروري للولايات المتحدة والدول الأوروبية محاولة حل ملف الصحراء المغربية مرة واحدة وإلى الأبد.
لطالما كان المغرب شريكًا موثوقًا به للغرب الليبرالي العالمي في حربه ضد العدوان الروسي والجماعات الإرهابية المختلفة
وفي حين أن القرار الفرنسي بالانحياز إلى المغرب يبدو متوافقا مع أولوياتها الاقتصادية والعالمية، إلا أنه يأتي بثمن. وكان حياد الاتحاد الأوروبي في صراع الصحراء المغربية والاعتماد الحصري على بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للحفاظ على الوضع الراهن بين المغرب والجزائر من العناصر الأساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبعد أن انحازت الولايات المتحدة وإسبانيا إلى المغرب، ردت الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في عام 2021 واستدعاء سفيرها في مدريد في عام 2022. كما عطلت الجزائر صادرات الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب بإغلاق خط أنابيب الاتحاد الأوروبي والمغرب في الوقت الذي كانت فيه التوترات تتصاعد حول صادرات الغاز الروسية قبل غزوها الكامل لأوكرانيا.
وكان أول رد فعل من الجزائر على القرار الفرنسي الداعم لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية هو وصف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لفرنسا والمغرب بـ”القوى الاستعمارية، الجديدة والقديمة”. وتبع ذلك استدعاء الجزائر لسفيرها في باريس للتعبير عن استيائها.
وأدى قرار ماكرون إلى تنفير الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي يترشح لإعادة انتخابه في السابع من سبتمبر، والذي كان يشعر بالتوتر بالفعل. وقد يدفعه القرار الفرنسي إلى الانخراط بشكل أعمق في أحضان إيران وروسيا.
ورغم أن أيًا من الأطراف لم يسعَ صراحةً إلى ذلك، فإن خطر إشعال الأحداث الأخيرة لصراع إقليمي أوسع نطاقًا في المغرب العربي أعلى من أي وقت مضى. وحتى لو كان ذلك بطريقة مصممة لتجنب التصعيد، فمن المرجح أن تشعر الجزائر بضرورة الرد بأي شكل من الأشكال.