الجشع و الطمع يقضي على السياحة بالمغرب

بوشعيب البازي

مع انطلاق كل موسم صيف بالمغرب و رجوع مغاربة العالم لقضاء العطلة الصيفية ،يرتفع منسوب الجدل حول ارتفاع أسعار الخدمات السياحية بالبلاد، بما فيها الفنادق والإقامات والشقق المفروشة والمقاهي والمطاعم بمختلف أصنافها، التي يعمد ملاكها إلى رفع أثمنة منتوجاتهم إلى مستويات قياسية تصل أحيانا إلى 200%، مايخلف سخطا واستياء لدى عدد كبير من المصطافين والسياح، سواء المغاربة أو الأجانب، ويؤدي إلى تراجع جاذبية المغرب وجهة سياحية متميزة.
وتشهد عاصمة البوغاز، منذ بداية يوليوز الماضي، اصطدامات وملاسنات بين مغاربة العالم والسياح، من جهة، وأرباب ومسيري المقاهي والمطاعم والمحالات التجارية، من جهة أخرى، بسبب ارتفاع الأسعار إلى مستويات تفوق القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، خاصة المأكولات التي عرفت ارتفاعا صاروخيا لا مثيل له، وأصبح سعر طاجين من اللحم أو الدجاج يتراوح بين 70 درهما و 100 درهم، ووصل ثمن طبق من السمك إلى 250 درهم في أحسن الأحوال، فيما رفعت المقاهي من تسعيرتها، ووصل ثمن كأس قهوة إلى 25 درهما، وكأس عصير إلى 60 درهما، بل ذهب البعض إلى تحديد المدة الزمنية التي يجب أن يقضيها الزبون داخل المقهى.
وعبر عدد من افراد الجالية وسياح المغرب، الذين التقت بهمأخبارنا الجالية ، عن غضبهم واستنكارهم للأسعار الصاروخية التي تعتمدها معظم المقاهي والمطاعم الواقعة بالمناطق السياحية، وذكر أحدهم بأنه دفع 200 درهم لوجبة عشاء بسيطة تتكون من سلطة عادية وقضبان الدجاج الرومي ومشروب غازي، مؤكدا أن الوجبة نفسها اقتناها في الأيام العادية بثمن لا يتجاوز 60 درهما، معتبرا أن هذه الزيادة هي استغلال للإقبال الكبير للجالية المغربية على بلادهم والسعي وراء جني أرباح غير مستحقة بطريقةجشعة”.

ممارسات تنفر السياح

أكد عدد من المهتمين بقطاع السياحة بطنجة، أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع تتجلى في ممارسات منافية لقواعد المنافسة، التي تشوه صورة المغرب في الداخل والخارج، خصوصا في قطاعات الإيواء والمطعمة والمقاهي، التي تستغل فترة الصيف لترفع من أسعار خدماتها بشكل يثير قلق السياح، سواء المغاربة أو الأجانب، الذين عبروا لأكثر من مناسبة عن استنكارهم للزيادات الصاروخية في الخدمات المرتبطة بالسياحة، التي أصبحت تفوق الأسعار المطبقة في مدن اسبانية مجاورة، تقدم خدمات راقية بأسعار تنافسية.
ويرى المهنيون أن هذه الزيادات المبالغ فيها أصبحت تمثل إشكالا حقيقيا يهدد صورة السياحة بالمغرب و خصوصا المناطق السياحية ، وتؤدي إلى منع افراد الجالية المغربية ذات الدخل المتوسط من قضاء إجازاتها ببلدها الام، وتقوض الجهود المبذولة لجذب المزيد من السياح الأجانب والمغاربة المقيمين في الخارج، الذين ضاقوا ذرعا بهذا السلوك التجاري الجشع، وأصبح أغلبهم يفضل وجهات سياحية أخرى تقدم خدمات راقية بأسعار تنافسية.
وأكدوا، أن الإقبال على المدن الساحلية الشمالية تراجع خلال الموسم السياحي الحاليبنسبة تفوق 75 في المائة، خاصة بعاصمة البوغاز، التي تخلى عنها زوارها المألوفون منالمغاربة والأجانب، خاصة أفراد الجالية المغربية بالخارج، الذين حولوا وجهتهم إلى بلدان أخرى كإسبانيا والبرتغال وتركيا، بعد أن ظلوا لسنوات يفضلون قضاء عطلتهم الصيفية بالشواطئ الشمالية.

دعوات للمقاطعة

انتقد نشطاء مغاربة ظاهرة ارتفاع الأسعار بالمدن الشمالية، التي أصبحت تسيء للسياحة الداخلية وتعيق حركية الانتعاش الاقتصادي بالمناطق الشمالية، وخاضوا حملة رقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدعون فيها إلى مقاطعة مدن الشمال هذا الصيف، بعدما أصبح من أسموهم بـعديمي الضميريفسدون فرحة الأسر المغربية ذات الدخل المتوسط من الاستمتاع بالعطلة الصيفية ويمنعونهم من الاستجمام والاستمتاع بشواطئ الشمال، التي هي ملك لكل المغاربة، خاصة من قبل بعض السماسرة الذين يرفعون الأسعار بشكل خيالي، وبالتالي يضربون أهداف السياحة المغربية.
وتداول النشطاء ومستخدمو الإنترنت فاتورات مشتعلة تتجاوز السقف المعقول، بعدأن وجدوا أنفسهم أمام جشع أصحاب المقاهي والمطاعم وغيرها من المرافقالسياحية، ونشر أحدهم صورة فاتورة بلغت 90 درهما مقابل فنجان قهوة وقارورة ماءفي مقهى فاخر على شاطئمالاباطابطنجة، مما أثار غضبا واسعا واستنكارا من قبل عدد من المواطنين، الذين طالبوا بضرورة تدخل الجهات المسؤولة لوقفتوغلهؤلاءالمبتزينوردعهم حماية للسياحة الداخلية.

عروض خاصة بزبناء الفنادق سارع للحجز قبل النفاد،شقق مفروشة للكراء اليومي تطل على البحر”…من بين الإعلانات الإشهارية الخاصة بالصيف، التي تحفل بها مواقع التواصل الاجتماعيفيسبوكوتطبيقأنستغرام، للراغبين في الاستمتاع بالعطلة الصيفية.

كثرة هذا النوع من العروض المرتبطة بالصيف، تجعل المرء يسارع لحزم حقائبه للسفر في اتجاه المدن الشاطئية، أو حتى المناطق الجبلية، للاستمتاع بأجواء الصيف في رحاب مناظر طبيعية خلابة تأسر العين وتريح القلب، بعد أن يظن أنها فرصة حقيقية لقضاء صيف ممتع، لكن بمجرد أن تطأ قدماه العنوان المقصود سرعان ما يصطدم بواقع مزر مغلف بكثرةالزواق والهضرة الخاوية”.

ومن المشاهد المضحكة والمبكية في الوقت ذاته، تفاجؤ عدد من أفراد الجالية بأثمنة حارقة لعروض محدودة الخدمات ولا تساير تطلعات الراغبين في عطلة مريحة، إذ بعد استدراج الزبون الضحية بوعود كاذبة، من قبيل شقة تطل على البحر، أو إقامة سكنية على بعد 5 دقائق من الشاطئ، يجد الشخص نفسه وعائلته يخوضون تجربة مسابقة لاكتشاف البحر الموعود، الذي يتبين أن المسافة الحقيقية بينه وبين الفضاء السكني المكترى تزيد عن 35 دقيقة مشيا، إضافة إلى معضلة افتقار الشقة لمختلف وسائل الراحة من مسبح خاص وحمام ساخن ونظافة جيدة، دون الحديث عن سوء الجوار بالسماح لمراهقين بالسكن في عمارة مع العائلات، دون الالتزام بقواعد احترام الغير،حيث يتحول الاصطياف إلى معاناة مع سلوكات منحرفين يتحفون المصطافين بالفوضى والضجيج على إيقاع الموسيقى الصاخبة والكلام الفاحش ضمن جلسات خمرية وجنسية، تنطلق بعد منتصف الليل.

أما أصحاب الفنادق فعروضهم المتشعبة لها قصة أخرى، في ظل حزمة من العروض التي لا تساير تطلعات الراغب في التخييم رفقة الزوجة والأطفال وكذا الجد والجدة،دون الحديث عن احتساب مبلغ خيالي مقابل فطور يتيم، أما طالب وجبتي الغذاء والعشاء وجلسات احتساء القهوة أو تناول مثلجات وحلوى وعصير، فما عليه سوى اللجوء إلى الاقتراض من البنك لتسديد فواتير خيالية، لمنتوجات ثمنها الحقيقي لايتجاوز 5 دراهم، كقنينة الماء المعدني التي يتحول ثمنها إلى 25 درهما وأكثر، حسب نوعية الفندق والمكان.



وتحت شعارزيد الما زيد الدقيق، يحرص القائمون على الفنادق المصنفة والشقق المخصصة للكراء اليومي، على تبرير غلاء السعر المعروض، رغم أن الخدمة المقدمة لا تساير تطلعات زبائن قطعوا الآلاف من الكيلومترات للاستفادة من عرض مغر، تبين أنه لم يكن سوى عملية لاستدراج زبون مازال يؤمن بشعارالسياحة بالمغرب، عكس العشرات من الأسر والأفراد الذين غيروا وجهاتهم إلى اسبانيا و تركيا لخوض تجربة ممتعة، أو آسيا التي تقدم خدمات خيالية مقابل أثمنة في متناول مختلف الفئات الاجتماعية.

وفي الوقت الذي تشتكي فيه الفنادق وأصحاب كراء الشقق، الكساد وتشتغل علىالإبداع في العروض والإشهارات، تغفل حقيقة ضرورة مواكبة المنافسة الخارجية، التي تقتضي اللجوء لتقديم عروض مغرية وخدمات في المستوى المطلوب وأسعار تفضيلية تغري بزيارتها والبقاء فيها لأيام، وهو ما يعتبر عاملا لتنمية السياحة بالمغرب ومساهمة في عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي مُصالحة السياح الداخليين و مغاربة العالم مع منتوجات بلادهم، عوض تنفيرهم كما هو الحال بالنسبة لعدد من المدن، التي أصبحت تعاني شبح الركود إثر قرار زبناء عدم العودة إليها بفعل ممارسات الجشع، التي تحكم عقلية مستثمرين في السياحة، سواء كانوا أرباب فنادق أو أصحاب شقق للكراء، همهم الوحيد الربح السريع على حساب الجودة والمضمون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: