محمد السادس والمغرب القوي
بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتوليه الحكم واعتلائه عرش أسلافه أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن المملكة حققت العديد من المكاسب والمنجزات، في مجال الإصلاحات السياسية والمؤسسية، وترسيخ الهوية المغربية. كما أطلقت الكثير من المشاريع الاقتصادية والتنموية، والبرامج الاجتماعية، لتحقيق التماسك الاجتماعي، وتمكين المواطنين من الولوج للخدمات الأساسية، وعملت على تكريس الوحدة الترابية، وتعزيز مكانة المغرب، كفاعل وازن، وشريك مسؤول وموثوق، على الصعيدين الإقليمي والدولي.
إحياء المناسبة تزامن مع إعلان فرنسا اعترافها رسميا بمغربية الصحراء، وبدعمها الكامل لرؤية الملك محمد السادس للحل، لتكون بذلك ثاني دولة من بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن تتبنى رسميا وبوضوح تام هذا الخيار العقلاني بعد قرار الولايات المتحدة في العام 2020، في انتظار مفاجآت أخرى قد تكشف عن نفسها في أي وقت نظرا لتطور المواقف لدى بقية الدول في اتجاه ترتيبات الوضع النهائي، على أساس الرؤية الملكية التي أثبتت الأيام أنها الأقدر على تجاوز الأزمة والخروج من مأزق مصطنع على أيدي بعض من يحاولون عرقلة مسيرة البناء في المملكة والتشكيك في وحدتها الترابية من باب التمسك بإرث الحرب الباردة في نسختها القديمة الذي لم يعد يقنع أحدا على كوكب الأرض.
في 30 يوليو 1999، كانت ضربة البداية عندما أكد الملك محمد السادس الالتزام بإكمال “وحدتنا الترابية التي تشكل فيها قضية أقاليمنا الصحراوية القضية الوطنية المركزية”. كان هناك التحدي الكبير الذي لا بد من كسبه والانتصار فيه. في العام 2007 تقدمت المملكة بمبادرة رسمية سميت بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وقد شكلت هذه المبادرة رغبة حقيقية من جانب المغرب في وضع حد للصراع المفتعل حول قضية الصحراء، حيث لاقت ترحيبا من قبل العديد من الجهات الدولية والإقليمية التي رأت في هذه المبادرة حلا جريئا ومنطقيا لنزع فتيل الأزمة.
◄ إحياء المناسبة تزامن مع إعلان فرنسا اعترافها رسميا بمغربية الصحراء، وبدعمها الكامل لرؤية الملك محمد السادس للحل، لتكون بذلك ثاني دولة من بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن تتبنى رسميا وبوضوح تام هذا الخيار العقلاني
وفي الأثناء، طالب محمد السادس الدول “شركاء المغرب التقليديين والجدد، والتي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”، مشددا على أن ملف الصحراء “هو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
كانت للهجوم الدبلوماسي الكبير الذي قاده الملك محمد السادس نجاعته على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن خلاله أثبت المغرب أهمية دوره المحوري في القارة الأفريقية وفي الضفة الجنوبية للمتوسط والشرقية للأطلسي وفي المنطقة العربية والإسلامية وعلى امتداد العالم الفسيح، كبلد آمن ومضياف ومسالم ومنفتح ومتطور ويملك ثراء حضاريا وثقافيا قلّ نظيره بين الأمم، وإلى جانب ذلك فهو دولة عريقة وقوية وغير مستعدة للتخلي عن حقوقها التاريخية في أقاليمها الجنوبية وعن وحدتها الترابية التي تشكلت عبر علاقة تكاملية بين عراقة التاريخ واتساع الجغرافيا منذ أن وضع مولاي الرشيد أسس الدولة العلوية الجديدة سنة 1664.
في خطابه بمناسبة مرر ربع قرن على اعتلائه العرش، أكد العاهل المغربي أن المساهمة في تنمية الوطن، وفي الدفاع عن مصالحه العليا وقضاياه العادلة مسؤولية جميع المواطنات والمواطنين، وهو ما يتبيّن فعلا من خلال العلاقة القوية والمتينة بين العرش والشعب، وبين الملك ومواطنيه في سياق ثنائية المشروع الوطني المتجذر على أساس الهوية المغربية الضاربة في التاريخ وفي الجغرافيا، والانتماء إلى مشروع قاده الملك محمد السادس منذ العام 1999 في غير انفصال عن إرث أسلافه الخالدين، خاصة والده الحسن الثاني وجده محمد الخامس، ولكن بروح جديدة اختار لها أن تواكب العصر وتتعامل مع مفرداته من خلال تكريس البناء الديمقراطي العتيد، وجمع جميع المغاربة تحت خيمة شرعية وارفة الظلال من دون إقصاء لأي طرف، والتعامل بمنطق الدولة القوية في الحق وغير المستعدة للتنازل عن حقوقها ولا للتراجع عن الدفاع عن مصالحها الوطنية العليا مهما كان الثمن، والتي تربط مواقفها مع الدول الأخرى بقدر إيفاء تلك الدول بمنطق العدل ولغة الاحترام لخارطة المملكة المتضمنة لأقاليمها الجنوبية.
هناك إشارة لا يمكن تجاوزها، وهي أن الملك محمد السادس خص بالإشادة والتقدير كل مكونات القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والإدارة الترابية، والأمن الوطني، والقوات المساعدة والوقاية المدنية، على تفانيها وتجندها الدائم تحت قيادته الشريفة، للدفاع عن وحدة الوطن وأمنه واستقراره، وهو ما يحيل إلى الدور الكبير الذي تقوم به تلك القوات في تأمين المملكة وتحصينها وحماية سيادتها الترابية والتصدي لكل التحديات الأمنية التي قد تواجه البلاد سواء من جماعات الإرهاب أو الاتجار بالبشر أو الجريمة العابرة للحدود، لاسيما أن المملكة تعتبر اليوم مثالا يحتذى على مستوى العالم بأسره من حيث الأمن والاستقرار والهدوء والسلام وحسن الضيافة والانفتاح على العالم، ومن حيث الحقيقة التي يعترف بها كل من يزور المملكة، وهي أنها الدولة الجاذبة للقلوب والمقنعة للعقول والممتعة للعيون والأرواح بأصالتها الممتدة في جغرافيا الزمان وحداثتها المنطلقة بأجنحة الإنجاز الحضاري العظيم.